حكومات ومؤسسات وشخصيات لا تستحي من نفاقها

فرات المحسن

f_almohsen@hotmail.com

يوميا أطالع بتمعن عينات من أساليب المقاطعة والعقاب الذي أقدمت عليه حكومات ومؤسسات وجماعات وأفراد مسلمة في مواجهة التعدي غير المبرر وغير الأخلاقي الذي أقدمت عليه إحدى الصحف الدنيماركية وشاركتها صحيفة نرويجية ومن ثم فرنسية بنشرها صور كاريكاتيرية تنتقص من شخصية النبي محمد.في ذات الوقت أرسل لي أحد الأصدقاء الأعزاء فلم يمثل شخصية السيد المسيح وهو يتجول وسط المدينة  يغني ويتمايل. طبعا الفلم من إنتاج أوربي ولا دخل للمسلمين فيه. وأشار لي صديق أخر لوجود فلم داعر يصور السيد المسيح بأوضاع شائنة. وحسب قول الصديق فأن هذا الفلم أيضا من إنتاج جهة أوربية ربما تكون من الجماعات اللادينية.

هذه التجاوزات والتعديات على معتقدات ومقدسات الآخرين ربما تكون في أغلبها عمليات تصفية حسابات مع أطراف بعينها يراد منها تغذية الكره والأحقاد أو الاستهزاء والطعن في معتقداتهم. وفي الغالب فأنه ينطوي على كراهية مفرطة تمنع النظر بعقلانية لواقع الحال وما تمثله المعتقدات الدينية والطائفية لتلك الجماعات البشرية.في جانب أخر ربما تكون المسألة تعبير عن حرية مفرطة وغير عقلانية يهمها قبل شيء أن تخرج جميع النماذج الفكرية والشخصية من حالة القدسية المفرطة التي يحاول أصحابها إضفائها عليها، متخلين عن مراعاة المسؤولية المهنية والإنسانية.  

 يمكن القول أن من حق جميع أتباع المذاهب والديانات الوقوف بحزم في وجه من يحاول المساس بشخصيات يقدسونها ولها مكانتها الوجاهية لديهم. ومن حقهم أيضا أن يتخذوا الإجراءات المناسبة لمقاضاة تلك الجهات المسيئة ومن ثم وقف مثل تلك التعديات والتجاوزات.وهذه المواقف وردود الفعل تعتبر دفاعا مشروعا عن حقوق إنسانية كفلتها جميع القوانين الوضعية ويجب أن تحترم تلك المعتقدات ومن المناسب أن يتم النظر بجدية من لدن جميع الحكومات والمؤسسات المهتمة بحقوق الإنسان والحريات لأسباب نشوء وتصاعد حدة مثل هذه التجاوزات.

ولكن لو أمعنا النظر في أساليب الاعتراض وطرق العقوبات والمقاضاة لوجدناها تحمل وفي الكثير منها مساوئ ازدواجية المعايير والكثير من الغايات المبطنة في التعامل مع الحدث وترتكن في الكثير من وقائعها على حشد الشارع بهيجان عاطفي مفرط يصل الى حد القتل وإشعال الحرائق والتهديد والوعيد وخير مثال على تلك الأساليب الخبيثة والنوايا السيئة، تفجيرات الكنائس في العراق والمظاهرات المسلحة في فلسطين وحرق الصور والأعلام وتهديد موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي تقدم العون والمساعدة  لأبناء تلك الطوائف المسلمة في مناطقهم.

مجموعة كبيرة من الحكومات العربية المسلمة قدمت مذكرات اعتراض الى الحكومة الدنيماركية وقامت مجموعة من شركات ومخازن بيع المواد الغذائية بمقاطعة البضائع الدنماركية والنرويجية.يعد هذا النوع من المقاطعة نموذج فعال لوقف التجاوزات وتنبيه الأخر لأخطائه.ولكن تلك الحكومات ورغم سعة ارتباطاتها الدولية ووفرة مؤسساتها لم تستطع في يوم ما أن تؤسس لجهة أو هيئة تقف بالمرصاد لمنع مثل تلك التجاوزات وبقي الأمر سائبا يتسرب بقدرة عالية مستغلا الخصومات الفكرية والدينية والسياسية في العالم الإسلامي بعكس ما نشاهده من قوة وجرأة لدى الجانب الإسرائيلي الذي يقف بقوة كبيرة في وجه أي ملمح يمس العقيدة الصهيونية أو يشير بما يسيء لدولة إسرائيل.وعندنا من الوقائع والنماذج الكثير.

قدمت السينما الأمريكية والأوربية الكثير من الأفلام والفعاليات عن العالم الإسلامي وطبيعة الحياة والعلاقات الشخصية والاجتماعية فيه بجوانبها السلبية والإيجابية، ولكن الأغلب الأعم كان يصور العربي أو المسلم باتعس وأقبح وضعياته وأوصافه وقدمته دائما كشخص وضيع أو إرهابي مجرم مهوس جنس يبيح لنفسه فعل كل شيء للوصول الى غاياته.هذه الصورة البشعة التي قدمتها السينما الغربية وبالرغم من صدقية بعض جوانبها وتماثلها مع ما ترتكبه شرائح كثيرة في العالم الإسلامي فأنها كانت ولا زالت تغذي مشاعر الحقد والريبة لدى الأوربيين تجاه شعوب العالم الإسلامي جميعا ولا تقدم للغربيين الوجه الأخر لذلك العالم الزاخر بالتنوع الثقافي والحضاري.والأدهى من كل ذلك أن الكثير من تلك الأفلام تم تصويرها في مناطق من العالم الإسلامي وتحت نظر وسمع تلك الحكومات ومؤسساتها الثقافية، ولم تواجه تلك النتاجات أي اعتراض أو منع من قبل أي جهة حكومية أو مؤسسة ثقافية مهنية أو دينية.

لو ذهبنا لاختبار معايير المقاطعة والمقاضاة الإسلامية والعربية التي توجه اليوم نحو الدنيمارك والنرويج حكومة وشعبا ومؤسسات وهناك أيضا من يدعوا لزج السويد في الأمر وربما سوف يتعدى ذلك دول أوربية أخرى لو تكللت الخطة بالنجاح، لوجدناها تنطوي على أغراض سياسية أستغل فيها الدين بأسلوب ماكر وخبيث.

أرى أن حدة وقوة ردة الفعل العربية والإسلامية قاسية حد كسر العظم وهي في جميع أوجهها وحيثياتها هجمة سياسية دينية مفتعلة، ذكية في توقيتها خبيثة في مراميها تقودها شخصيات ومؤسسات تعرف كيف تختار الهدف وتروج له .وتحاول تصعيد حدة التوتر والمعركة بين الإسلام من جهة والعالم المسيحي من جهة أخرى ولن تكون لها غايات أخر.فالحكومات والمؤسسات التي تبنت الحملة وعمليات القتل والتهديدات التي وجهت للمسيحيين بمختلف مذاهبهم والشركات التي دعت لمقاطعة بضائع تلك الدول كانت الغاية منها حشد أكبر عدد من الجماهير لترسيخ ثقافة العداء لما يسمى بالصليبين ورفع حالة التحدي للأخر الكافر مثلما يسمونه ويترافق ذلك مع محاولة ظاهرة وبتوقيت مناسب لتقديم التأييد والمؤازرة والترويج لما حققه الإسلام السياسي من انتصارات في مصر والعراق وفلسطين.

هذا الأمر أحتل المساحة الأكبر من تلك الحملة الجارية والمتصاعدة اليوم واعتبرت الحكومات وقادة هذه المعركة أنفسهم فرسان أشاوس لحماية بيضة الإسلام والحفاظ عليها من أن تكسر أو تفسد.ولكني ومنذ بدأت كتابة هذا الموضوع رافقني عدة أسئلة وددت أن أوجههما لكل هؤلاء الأشاوس أبطال مقدمة التأريخ الجديد لمنطق الكهوف والظلام الدامس.

ـ من يتقدم على من ؟ النبي محمد أم القرآن؟؟

ـ إذا كانا متكافئين معنويا ودينيا فهل يجوز المساس بأحدهما ؟

ـ ما الذي تفعلونه لو أن أحد حكامكم أقدم على تدنيس القرآن ؟

عند هذه الأسئلة أتوقف لأذكر جميع من يشارك في هذه الحملة حكومات ومؤسسات وجماهير، بصمتهم المخزي والجبان والمنافق و أوصمهم بصفة مزوري التأريخ والمخصيين والمنافقين ومبتدعي الخرافات وبائعي الدعارة السياسية والدينية ومزدوجي الأخلاق والذمة والضمير.أذكرهم بموقفهم المشين والجبان حين اقدم الفاشي صدام على تدنيس القرآن بدمه الخبيث (كتب نسخة من القرآن بدمه ) وهذه الفعلة نهى عنها القرآن ذاته. ولكن الجميع شعوب وقبائل وهيئات وحكومات بلعت خستها وصمتت صمت القبور ولم نشاهد فلسطينيا أو سعوديا أو ليبيا أو حتى عراقيا يحرق صورة صدام أو يهتف ضده أو يحرق مقرا للبعث أو يمتنع عن استلام كوبون نفطي أو يتظاهر أمام سفارة عراقية ، بل العكس فقد فرحت الغالبة وهتفوا باسمه واعتبروه رجل الدين المؤمن بل والأكثر من ذلك فأن أغلب من تم تسميتهم اليوم بهيئة علماء المسلمين أيدوا فعلته تلك بل روجوا لها كحالة إيمانية من وحي الخالق وأيدهم في مسعاهم  رجال دين من مؤسسات عربية.

وحرمنا عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير أيتها الخنازير المنافقة المجذومة والمجبولة بالكذب والدجل.فأين كنتم في ذلك الوقت.  

          

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com