الحسين "ع" عنوان الخلود

جعفر عبد العزيز الصفار – تاروت (السعودية)

jajs9@hotmail.com

مع مطلع كل سنة هجرية جديدة ، تصادفنا الذكرى الإسلامية العطرة لتعطينا دروسا و عبر في منهج الحياة الإسلامية ، كما تحاورنا أيضا البطولات الإسلامية العظيمة بثقافة قرآنية رحيبة  تتسع لكل التعدد الإسلامي جامعة إياه في وحدة واحدة أشهر ما تنعت به الإسلام المحمدي الوجود، و الذكرى الأثقل و الأرحب في هذا كله ،.

 هي ذكرى الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، شهيد كربلاء و سبط النبي الأكرم(ص) و صنو سيدا شباب أهل الجنة و رائد الإصلاح  في الزمن الإسلامي كله، إنها واقعة الطف التي لديها خصوصية  إسلامية عالمية تنضح بتعاليم الإسلام و أبعاده الرسالية في الحياة...

بيد أن هذا الحدث الإسلامي الخالد، في الوعي الإنساني ككل،  يستدعي تجاوبا معرفيا واسعا و عميقا كما يتطلب زادا إيمانيا كبيرا وروحا عاشقة لدروب اللطف الإلهي ومسارعة في ميادين المبادرين لامتحان الكمال، لأن كربلاء الحسين عليه السلام  سر رسالي عظيم انفتح على الكون الفسيح و الزمن الرسالي البعيد ككل، دون أن تتعقد من الواقع المر، بل على العكس من ذلك،عمدت لإصلاحه واجتثاث الفساد من نفسه، مما جعل اكتساب ثقافة هذا السر الكربلائي استحقاقا تعب مستتعب لا يقدر على حمله إلا مؤمن امتحن  الله قلبه للإيمان ؛ وأفاض عليه من إحسانه .

على هذا الأساس، يبدو أن إحياء عاشوراء مسؤولية عظيمة و تكليف ثقيل، قبل أن يكون تشريفا إحيائي فقط... و حتى نتنفس هواء كربلاء القيمة و نستمد القدوة من شهادة الحسين عليه السلام و الولاء الحقيقي من تضحيات أصحابه الكرام رضوان الله عليهم والصبر الجميل من صبر أهل بيته عليهم السلام ، لنحيا حياة إسلامية كريمة نبراسها الثقافة الحسينية؛ بعد هذا يكون واجبا علينا أن نرسل عناوين الثقافة الحسينية بروح جديدة في واقعنا الإسلامي القابع بين قوسين أو أدنى من التخلف الحضاري و الجُبن الرسالي...

فعلينا للثورة الحسينية حقوق .. حق الحفاظ عليها عبر أحياءها .. وهذا الأحياء يتطلب منا جهد و وعي كامل بأهداف ثورة الإمام الحسين (ع) المقدسة وأبعادها ..
إحياءً  ينبع من معرفة وعلم ووعي لينعكس ذلك على سلوكنا لكي نكون كما أمر الإمام الصادق "عليه السلام" ..كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم ..
فالحسين عليه السلام سفينة النجاة ومشكاة الهدى و يجب على كل من ينادي باسم الحسين  أن يعي حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه ..

 " هذه هي كربلاء . . .كربلاء الكروب . . .كربلاء الفاجعة . . .كربلاء المضيئة رغم بشاعتها . . .كربلاء الزاكية رغم أوجاعها . . .كربلاء الموت مِن أجل الحياة . . .ظاهرها شنيع وباطنها وديع . . .فكانت الصخرة التي تشقّقت ليخرج منها الماء . . .وكانت الآلام التي تسبق الولادة . . .وكانت التضحية مِن أجل البقاء . . ."
السلام عليكم يا مَن قضيتم لكي نحيى ونهتدي ويا مَن جُدتم بأعزّ ما لديكم في سبيل نصرة هذا الدين الحنيف .
أفلا نبكيكم عوض الدمع دماً . . ؟
أولا نُجلّـكم ونكبركم . . ؟
أولا نرفع ذكركم  وأنتم خيرة أصحاب الحُسين وشيعته !
فلسان حال الإمام الحسين (عليه السلام ) يناديكم :

شيعتي يا كرام يا عظام المقام . . . فاندبوا يا حُسين بفؤادٍ حزين

يجب علينا ونحن نخط كلماتنا الحسينية أن نكون واعين مدى تأثير كلماتنا على النفس المشبعة بحب الدنيا وما فيها .. فثورة الإمام الحسين ( ع )  ليست هي منحصرة على فئة معينه في المجتمع ولا على طائفة... بل الإمام الحسين (ع) خرج من أجلنا جميعا من  أجل مبدأ واحد ؛ وقضية واحده خرج ليشهر  كلمة العدل والحق في وجه سلطان جائر فاسق ..

وبعد أن أستشهد الإمام الحسين "عليه السلام" مع أنصاره هل في الحقيقـة أستشهد الإمام الحسين (ع)  ؟ وهل كانت " كربلاء " مجرد حادثة فقط  ؟ 

و لماذا نحي ذكرى الأمام الحسين "ع".. ماذا تعلمنا من الحسين؟ ... لماذا نبكي على الإمام الحسين عليه السلام ؟

فجميل أن نتذكر مصائب أهل البيت لنصلي عليهم ولنلعن ظالمهم ..وغاصبيهم  
ولكن الأجمل أن تكون هذه الصلاة وهذا السلام مقترنا بمعرفة واعية وليس فقط مجرد قلقلة لسان ..

ليكن هدفنا الأول والأخير هو المساهمة في نشر ثورة الإمام الحسين (ع)  بشكل متألق ليعكس تراث أهل البيت (ع) وعلمهم ..

 

*ماذا تعلمت من الحسين؟
الشيء الجميل في عاشوراء أنها كل عام تعطيك عطاء مختلفاً يتناسب مع كل ما يمر فيه الإنسان خلال عامه..

فهو كل عام يكبر و تكبر معه متطلباته و يزيد تعطشه للإمام الحسين فتأتي عاشوراء لتروي هذا التعطش بفيض الماء الحسيني..
أول ما عرفت فيها الإمام الحسين تعلمت الحب و الفناء في ذات المحبوب
وبعد ذلك تعلمت من الإمام الحسين الوفاء و الإخلاص لكل المبادئ التي يعيش الإنسان من أجلها.
تعلمت من الإمام الحسين أني لم أتعلم شيئا إلا بفضل الله و فضله و لولاه ما كنتُ و ما كنا..
و الآن أتعلم فن التفاوض.. فن التعامل.. فن السياسة.. أدب السلوك مع المحب و العدو..

نعم استفدنا الكثير والكثير ومع كل عام و في شهر محرم الحرام وشهر صفر تتجدد عندنا المعرفة والاستفادة.
عرفنا معنى التضحية من أجل الإسلام ونحن ما يجب علينا تقديمه الآن هو التضحية لآجل بقاء ثورة الإمام الحسين  ولكي ننهج طريق الإمام الحسين عليه السلام, فالحسين هو مصباح الهدى وسفينة النجاة. .
عرفت إنه لا يمكن السكوت عن الباطل وقول الحق وإن كان مُرّاً.
عرفت بأنه يجب أن أضحي بنفسي ومالي وأولادي في سبيل الله.
واستفدت وتعلمت الكثير والكثير ...

 

*لماذا نبكي على الإمام الحسين عليه السلام ؟

 عندما يتذكر المسلم ما جرى على العترة الطاهرة من أعدائهم ويتذكر عطش الإمام الحسين عليه السلام وعطش من معه من أهل بيته وأطفاله وأصحابه ، وحرق الخيام وسبي النساء  فإنه من الطبيعي أن ينبعث من قلوبهم ما لا يتمالكون أنفسهم ؛؛ فتحترق قلوبهم ألماً وتسيل دموعهم حزناً على هذا المصاب الأليم  ..
كيف لا !! وهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين يفترض بالأمـة أن تحترمهـم وتقدّرهـم  وتُبجلّ شأنهم .,
كيف لا .. وقد كانوا بقيادة سيد شباب أهل الجنة ؟!
 إن الشيعة عندما يظهرون العزاء ويجددون هذه الفجيعة فإنهم أيضاً يتعلمون منها دروساً جمّة ..
فمن كربلاء تعلمنا إباء الضيم والبعد عن الظلم ؛؛ وتعلمنا الشهامة والشجاعة وحرية الرأي والفكر والنفران من الأخلاق الدنيئة ؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..

*فمن أقوال سيد الشهداء عليه السلام :
" لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي "

فالبكاء على الإمام الحسين (ع) وتجديد مصابه يعتبر نوع من التأييد لنهضته والإقرار بهدفه .
فهناك الكثير من روايات عديدة في كتب الشيعة تحث على البكاء لمصاب الحسين (ع) ، منها ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : "كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين ، فإنها ضاحكة مستبشرة "(1)
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام : " … وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى يسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة … " (2)

 قال الرضا (ع) :"يا بن شبيب !.. إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش ، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ، ما لهم في الأرض شبيهون ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره ، فوجدوه قد قُتل ، فهم عند قبره شعثٌ غبْرٌ إلى أن يقوم القائم ، فيكونون من أنصاره ، وشعارهم :
يا لثارات الحسين ..

يا بن شبيب !.. لقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده : أنه لما قُتل جدّي الحسين أمطرت السماء دما وترابا أحمر .
يا بن شبيب !.. إن بكيتَ على الحسين حتى تصير دموعك على خديك ، غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا ، قليلا كان أو كثيرا ..
يا بن شبيب !.. إن سرك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك فزر الحسين "ع"
يا بن شبيب !.. إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (ص) فالعن قَتَلة الحسين .
يا بن شبيب !.. إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثلُ ما لمن استشهد مع الحسين ، فقل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما . يا بن شبيب !.. إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا ، فلو أن رجلا تولّى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة.(3)

 - إن في البكاء على الحسين سراً عظيماً من أسرار عظمة الإسلام، وعظمة الحق، وعظمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين فمن أدرك هذا السر العظيم في البكاء على الحسين فقد أدرك حقيقة الإسلام، وحقيقة الإيمان والتوحيد.
ومن هنا أصبح ثمن هذه الدموع " الدمعة " جنة عرضها السماوات والأرض على الرغم من أنوف الذين لا يفقهون، ولا يعرفون الحقيقة .. نعم حقيقة هذا الإمام العظيم سيد شباب أهل الجنة الإمام أبي عبدا لله الحسين " عليه السلام "

 فهذه آهاتي سطرتها في هذه الكلمات المتواضعة عليّ أكون قد وفيت القليل من تضحيات أبا الشهداء فإن هذه الكلمات الهدف منها معرفة ما بقلب كل موالي ومحب خصوصا لهذه الأيام العظيمة وهي عاشوراء الدم...

 إن ثورة الحسين (ع) أصبحت لها عند الشيعة كياناً فكرياً ,اجتماعياً, عاطفياً , شعبياً .

فكل ما لدينا  من عاشوراء " رحم الله قائلها وأسكنه فسيح جناته" .

فهذا غاندي يقول كلمته المشهورة أثناء حركته ضد المحتلين " تعلمت من الحسين أن أكون مظلوما لأنتصر" ..

نسال الله تعالى أن يوفقنا لأن نكون من أنصار الحسين بسلوكنا وأخلاقنا وعبادتنا وتمسكنا بالقران العظيم ومقارعة الظلم والظالمين وعدم الركون إليهم من اجل دنيا فانية زائلة يخسر من طلبها وينجى من تركها .

فالقريب من الظالمين يكون من الذين خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين والبعيد عنهم ربح الدنيا والآخرة في حفظ كرامته ودينه.

فما دام هناك صراع دائم بين الحق والباطل بين خط الحسين وخط يزيد فسيكون في كل ارض كربلاء وفي كل يوم عاشوراء ..

وبهذه المناسبة نرفع أحر آيات التعازي والمواساة إلى حضرة مولانا صاحب العصر والزمان قائم آل بيت محمد"ص" الإمام المنتظر المهدي عجل الله تعالى فرجه نسأل الله أن نكون من أنصاره وأعوانه لنصرة الحق والأخذ بثار الحسين وأهل بيته عليهم السلام ؛وإلى الأمة الإسلامية جمعاء وعظم الله أجورنا وأجوركم أيها الموالون ونسألكم الدعاء ..

 

 (1) الاثنى عشرية في الرد على الصوفية ، للشيخ الحر العامل .

(2) بحار الأنوار .

(3) جواهر البحار

  

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com