حكومة توافقية بضغوط إرهابية

 

وداد فاخر* / النمسا

منذ إعلان نتائج الانتخابات العراقية وبروز الفشل الذريع لفئة عراقية تمثل الأقلية كانت تتبجح بكونها تمثل العصب الحقيقي والقوي للشعب العراقي ، لأنها وحسب ادعائها وتبجحها حكمت العراق منذ أكثر من ثمانين عاما بما تتمتع به من ( قدرات ) مخابراتية وأمنية فاقت التصور والخيال العلمي ، لذلك برز فشلها الذريع عند أول تجربة ديمقراطية تخوضها . لذا بادرت هذه الفئة القليلة إلى إطلاق نذر الحرب الطائفية ، والتهديد بتفجير الموقف السياسي وإسالة دماء العراقيين ، وأخيرا أخذت تهدد بإعلان العصيان المدني في حالة عدم إشراكها بحصة كبيرة في الوزارة المقبلة ، وتسليمها مقاليد وزارتي الداخلية والدفاع  . ولأنها لا زالت تتمتع بحماية كافية من ( المحتل ) الأمريكي كما تسميه في أدبياتها ونشرياتها التي تخالف أفعالها ، نراها تحاول المشاركة بالسلطة السياسية كما تعودت على ذلك دائما وفق شعار المسدس والبندقية الذين كانا وسيلتها الوحيدة دائما للقفز على كرسي السلطة طيلة فترة العقود الأربعة والنصف الماضية من عمر العراق السياسي الحديث .

ويشكل انصياع القوى السياسية العراقية الفائزة بأصوات الأكثرية الانتخابية لتهديدات الفئة العراقية التي تطلق بالونات التهديد بالقتل والتدمير تصرفا سياسيا بعيدا كل البعد عن الممارسة الديمقراطية التي تحكمها قواعد اللعبة الديمقراطية التي تؤشر على أحقية الفائز بالأكثرية النيابية بتشكيل الحكومة وفق النمط الديمقراطي السائد في العالم الديمقراطي المتحضر ، لا التوافق كما يجري حاليا ، والذي يجري بموجبه إتباع سياسة مخالفة تماما للعملية الديمقراطية ورأي الأغلبية التي أوصلت نواب الشعب للبرلمان القادم .

فوصول شخصيات وقوى كانت حتى الأمس القريب تحرض على القتل والتدمير باسم ( المقاومة ) خيانة فعلية لرأي الأغلبية الساحقة من العراقيين ، ممن حمل روحه على كفه وأدلى بصوته للقوائم الفائزة بأغلبية الأصوات ، ومن اكتوى بنار البعث ومقابره الجماعية وغازاته السامة ، وتراجع كبير عن ما نادت به تلكم القوائم من تحقيق طموحات الأغلبية العراقية في اجتثاث البعث وطرده من الساحة السياسية العراقية كونه يمثل وفق المنظور الديمقراطي حركة انقلابية فاشية عنصرية . وعودة رجال البعث للمشاركة في السلطة السياسية وبضغوط رآها القاصي والداني من خلال تصاعد وتيرة الإرهاب يشكل خرقا واضحا للعقد الاجتماعي بين أغلبية الشعب ومن انتخبهم بغية تحقيق طموحاته في عراق ديمقراطي حر جديد عراق فيدرالي موحد . خاصة ونحن على أعتاب ذكرى مشؤومة تمثل صفحة سوداء في التاريخ السياسي العراقي هي ذكرى الانقلاب الفاشي في 8 شباط 1963 يوم قفز البعث وشركائه القوميين على السلطة السياسية في العراق بدفع وتشجيع من قوى دينية شيعية وسنية ، وتجارية عراقية رأت في ثورة 14 تموز 1958 نهاية لوجودها وطموحاتها الغير مشروعة ، وبقطار أمريكي حمل الانقلابيين الفاشيين للسلطة في بغداد ، وأرسى لسلطة دكتاتورية فاشية عنصرية طائفية لا زالت آثارها ظاهرة للعيان حتى يومنا الحاضر . كذلك نرى رغما عنا شخصيات عديدة ممن ساهمت في ذلك اليوم المشؤوم تتدافع بالمناكب مع الوطنيين المخلصين من المناضلين العراقيين الحقيقيين لتحل محلهم في الصفوف السياسية الأولى ، وتترك من ضحى وناضل من اجل الشعب العراقي يتفرج من على بعد ، وكأنه يشاهد مسرحية من مسرحيات اللامعقول تمثل أمامه بشخوص غريبة عليه .

ولان مؤلف ومخرج مسرحية تأليف الحكومة العراقية المقبلة أو ( حكومة التوافق ) هو مخرج اثبت فشله منذ اللحظة الأولى التي وطأت أقدامه ارض الرافدين يوم احتضنه معظم العراقيين كونهم كانوا يمنون النفس بتنفيذ ما بأنفسهم من أمنيات بإزالة سلطة البعث من الوجود وترك العراقيين يعيدون تنظيم أنفسهم ، عكس ما جرى حاليا من تغيير للسيناريو المكتوب والتواطيء المكشوف لعودة ( ميمونة ) للبعث بحجة ( التوافق ) والحفاظ على ( الوحدة الوطنية ) التي لا يعترف بها البعث أصلا .

 آخر المطاف : لأستاذي العزيز الدكتور سيار الجميل مكانة كبيرة في نفسي ، وأتذكر يوم حرضه البعض للاحتجاج ضد موقع البيت العراقي في النمسا الذي اشرف على تحريره ، وهو يجهل تماما أنني المشرف على الموقع ، بحجة نشر مقالة له دون الإشارة للمصدر ، أو الاستئذان من الكاتب . وقد قدمت اعتذاري له في حينها لسهو غير متعمد قابله بنفس غاية في السمو والكرم الأخلاقي عندما علم إنني المشرف على الموقع وأستمر في التواصل بالنشر في موقعنا بعد تلك الحادثة . ما دعاني لذكر الحادثة صدور بيان من الأستاذ سيار بالتوقف عن الكتابة في قوله ( الرسالة وصلت ) ، ومن بين ما كتب عن هذا الخبر المفاجيء المؤلم شاعرتنا السومرية الرائعة بلقيس . واستميح شاعرتنا المبدعة بلقيس حميد حسن العذر كوني من المعجبين بشعرها السهل الممتنع ، وطريقة إلقاءها الرائعة ، ودماثة أخلاقها ، ووطنيتها المخلصة لمناقشة ما ورد في رسالتها حول موضوع الدكتور الجميل . ألم تتساءل شاعرتنا الرائعة ومعها كل من كتب حول هذا الموضوع أن ( من يهن يسهل الهوان عليه ) ؟! . فمحاولة تكميم أفواه المبدعين ، ومحاربة المثقفين أخذت أبعادا شتى ، لكن جمهرة المثقفين والكتاب والصحفيين كانت وفي حالات عديدة تقف متفرجة من على تل بعيد تنتظر نتيجة المباراة بين الجاني والمجني عليه ، ذاك بما يملك من مال وجاه وسلطة وحملة خناجر وسكاكين ، وهذا بدواته ومداده ، وبالقليل القليل من المال الشحيح الذي يتوفر لديه . فكانت هناك تحرشات وتهديدات بالتصفية الجسدية ، وشكاوى في محاكم ، وسب وشتم وتعريض بالشرف لكتاب عديدين كنت احدهم لكن القلة القليلة جدا تصدت لهم- ولا أنسى في حالتي الموقف المساند لأخي وقريبي القاضي زهير كاظم عبود مع كل من تصدى للجهلة وحملة الخناجر المسمومة من كتاب ومثقفين ممن كتب وتصدى لهم علانية -  بينما بقيت الأكثرية الصامتة تتفرج من عل بانتظار نتيجة المباراة التي كانت دائما لصالح المثقفين رغم شراسة العدو المقابل لهم . فهل وصلت الرسالة ؟ّ ، اللهم اشهد .

 

 *  شروكي من حملة مكعب الشين الشهير ومن بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com