المعارضة ثقافة يجب ترسيخها في العقل السياسي

احمد مهدي الياسري

لكم تمنيت ان تكون الصورة بعد زوال المحتل العبثي البعثي الصدامي عن مقدرات الحياة في عراقنا بالصورة التي تخيلتها وهي صورة الديمقراطية والاختيار عبر صناديق الاقتراع وقد تحقق لي ذلك وايضا ان تستشري في عراقنا الديمقراطي ثقافة المعارضة الصحية ,المعارضة الناضجة, المعارضة المنطلقة وفق اسس الاصلاح والتقويم وتقديم البدائل الاجود لما هو مطروح على الساحة الحاكمة , ولكن مع شديد الألم ان الذي نراه هو مدعات للخجل ذلك لانها ثقافة ناقصة مريضة تحتاج الى استأصال لا علاج مخدر.

هي اذن ثقافة المعارضة الصحية أأسف اننا اليوم نفتقدها لا بل نرى ان هناك بشاعة في التعاطي معها وفق مناهج الألغاء للاستحقاق الديمقراطي ولن ابالغ اذا ماقلت ان الجميع خارج المكون المنتخب من قبل الشعب يترافس ولايتنافس , ويتقاتل ولايتناقد , ويتعاطى منهج العنف السياسي مع الاستحقاق الانتخابي الذي حتى الذين في مقدمة الفائزين فيه هم على ثقة تامة انه اقل من استحقاقهم بكثير ولكن الامر يتطلب صبرا جميلا لاجل ان تسير المراكب وترسوا على بر الامان والاستقرار.

امواج الاعتراض عالية جدا والثقافة المطروحة الان لاتتوافق مع ارث العراق الديني و الحضاري والثقافي والعلمي الذي يتبجح ويتشدق به الكثير , ومسألة الاسقاط المعارض لن تنفع اي طرف كان وخصوصا مايحصل مع المكون الغالب والذي تتكالب عليه الضغوط الغير عادلة ومن قبل الجميع وفق منهج وثابت تحجيمه قبل انطلاق ادائه وفق ضوابط حرية الحركة التي تتيحها له شرعة القوانين والاعراف الديمقراطية , ووفق ان يساعده الاخروان بالمعارضة البنائة , ولكن الذي نراه هو وضع العصي في عجلة مسيرته لاجل ان يتعثر ليأخذ هو مكانه وهذا مايحصل الان بالضبط مما يجعلنا في صراع فكري وسياسي ودفاع مستميت امام سيول الضغط الغير انسانية والغير اخلاقية في كل منطلقاتها وخلفياتها.

واتسائل لماذا لاتعطى الفرصة للكتل الفائزة الاولى والمتوافقة على الكثير من الامور في ان تشكل الحكومة الحرة في تعاطيها مع ادارة البلد وفق منهاج برنامج معروض امام الجميع وان تكون بموازاتها هناك معارضة رصينة وطنية شريفة تقدم عطائها المعارض وتصويباتها الثاقبة وكل ذلك سيصب في خدمة هذا الوطن وصالحه وتحت غطاء القانون والدستور وقبة البرلمان او مجلس النواب .

متى ارى تلك الصرخات الحاقدة تتحول الى صرخات اصلاح وتقويم للمعوج مهما كان مركزه في السلطة والاحزاب وفق منهج هناالخطأ والبديل هو ذاك وبحب وحوار بناء وعلمية رصينة وادلة ثاقبة , ومتى ارى سياسيينا الاشاوس في طرح الحقد والضغينة للمكون الفائز اراهم وهم ينطلقون من استحقاق خدمة الوطن والشعب لامغازلة الكبار والجوار لارضائه لنيل عطائه واسناده , ومتى ارى الآخر المعارض وهو يلتقي اخوته في الحكم ويحاورهم في امر ينقل البلاد الى مرحلة افضل ونقلة نوعية في اي من المجالات المتاحة , ويكون ذلك امام الشعب يراه ويسمعه .

تخيلوا الصورة التي سيكون العراق عليها لو تحقق هذا الحلم الاسطورة ولكم ان تتصوروا كيف سيتحد شعبنا ككتلة واحدة وتذوب الهواجس والمخاوف والاحقاد ذلك لاننا في العراق والعالم العربي عموما مع شديد الاسف لانمتلك ثقافة العدل في الاختلاف اي بمعنى مبسط وكعينة لما اقول ان لو كانت هناك عائلتين متكونتين من افراد عدة كل عائلة لهم اب وام واخوة واخوات وهم جيران واحباب وزيارات وود وانسجام وبينما الآباء في خارج بيوتهم يختلفون فجأة ويختصمون ويتطور الخلاف الى مشادة وزعل وقطيعة ويعود كل الى منزله , فكيف تكون الصورة ؟؟ الصورة بادق تصوير هو يجب على الام مخاصمة الام الاخرى وان لم يختصما والابن كذلك مع صديقه والابنة والاطفال والجدة وهكذا تتهدم في لحظة كل الاواصرالسابقة تلك ولماذا؟؟ لان الاب الدكتاتور الذي لايفقه ثقافة الاختلاف والعدل في التعاطي معها يصر على ان ينتقم ويقطع كل الاواصر ومع وجود النفاق والنميمة والوصوليين والمتصيدين في عكر المياه تزداد الفجوة اتساعا وتتحول الاحقاد الى كره وعداء وقد يصل الحال في بعض الاحيان الى قتل وتدمير وانتقام ووووووو حتى ترى ان المجتمع بكله تحول الى كتل من النزاعات والاحقاد والضغائن وكل ذلك لان الكبار اختلفوا فيما بينهم , وهنا لي قصة خاصة في احدى المرات اختلفت مع احد الاصدقاء حول امر معين وتطور الخلاف الى مشادة وزعل وقطيعة وبغض النظر عن من هو المحق بيننا ولكن الذي حدث ان اخي الاصغر وانا بالنسبة له في الغربة وبحكم عمره اب وصديق واخ وهو صديق حميم لمن اختلفت انا معه وعلم بالمشكلة فجائني الى البيت وقال لي احمد انا لا اريد اغضابك وزعلك لانك اخي ولحمي ودمي وسمعت انك اختلفت مع فلان وانا في حيرة ولا اريد ان ازعجك فاذا احببت ان اقطع علاقتي به انا حاضر , واقسم انني كنت في اشد حنقي وغيضي من الصديق العزيز الان وسابقا وفق الية الثقافة الصحية في الاختلاف , فقلت له لا عزيزي انا اصر على بقاء علاقتك به لا بل قف معه واصلح حاله وافهمه اننا نختلف في امر واحد ويجب ان لاتشعب الى اختلاف عائلي او ان يترك اصحابه صحبتي واخوته صداقتي والعلاقات الاخرى لادخل لها بالموضوع وفعلا طبقت هذه الثقافة فانتجت حبااقوى وصفاءا فيما بعد انقى وتولدت عند هذا الصديق حكمة جديدة استمرهو ايضا في تطبيقها مع باقي الاخوة ولو تعلمون النتائج لما بقي في العالم صراع او ضغينة , ولو سالتموني من اين تعلمت هذا الدرس فاجيبكم بكل فخر في مدرسة القرآن الكريم وفي سياسة القرآن الكريم الحكيم حيث يقول جل في علاه {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى اللَّه وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين* ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم*وما يُلقّاها إلا الذين صبروا، ومايلقاها إلا ذو حظ عظيم} .

هذا المثل يسقط على الاحزاب وثقافة الاختلاف بينها اي الاختلاف بين الرموز والقيادات , وايضا بين المذاهب والعلماء حينما يفترقون تفترق تلقائيا الاتباع وهكذا , وحتى اذا وجدنا طرفا مسالما يدعوا الى هذه القيم والتعاطي العملي معها وحين يكون الآخر غير ملتزم تجد ان الامر ستكون نتيجته اقسى مما سبق لان الاحتقان في الطرف المسالم سيصل مداه وحينما يفلت الصبر من زمام قيده تنطلق الثورةالعارمة المنتقمة من الآخر.

وخير مثال هنا استطيع ان اسوقه وهو فخر واعتزاز سيكتبه التاريخ لهذا الرجل العظيم سماحة السيد علي السيستاني رعاه الله حيث اوقف الكثير من ردات الفعل المحقة في بعض الاحيان تجاه المكون الآخر حيث انشأ واوصى بدرأ السيئة بالحسنة لاجل ان تكون هناك حميمية تعيد اللحمة المقطوعة وباصرار مسؤول بثقافة التسامح والصبر وعدم الانجرار نحو الانتقام العشوائي وغيرها من التدخلات التي صبت في الصالح العام وهي التي وضعت الرافضين سابقا لسياسة التعاطي السياسي مع مشكلة العراق في مواقع من المسؤوليات وفق استحقاقهم الانتخابي الذي رفضوه سابقا ووفق ثقافة العنف السياسي التسقيطي وهم اليوم في وسط الفعل ذاته الذي عارضوه سابقا وكانت السياسة المتبعة او ثقافة الاختلاف السابقة التي فرضت علينا فرضا من قبل المجرم الاحمق صدام والقوى الدولية الكبرى فرضا لاخيار لنا فيها سوى ان نمارس حكمة الحلول المتاحة وباقل الخسائر الممكنة ولكن نجد ان تلك المكونات وقد انطلقت من جحور اختبأت فيها مدمدمة مبعثرة خالطة لكل الاوراق زاحفة بغدراو بلامنطق ولا وازع عقل او ضمير مشمرة عن ضوضائها وحقدها وعدم توازنها في كل الارجاء محاولة باستماتة نيل الدمار للآخر مهما كلف الثمن , ورغم ذلك استمرت الحكمة بتوجيه الطرف المنكوب مرتين الاولى قبل السقوط والثانية بعده الى توخي الثبات على الصبر والعض على الجراح ريثما تروض هذه الثقافة وتـُُعلم الية الاعتراض واخلاق المعارضة الصالحة والايجابية ووفق شرعة القانون ذلك لانها ثقافة ولدت في رحم الطغيان ونشأت وترعرعت وتربت في احضان الظلمة والساديين والمختلين ضميريا ورضعت من صدر الحقد اسوء الدروس واقذر الممارسات واولها ثقافة انا وبعدي الطوفان , او( لو العب لو اخرب الملعب) .

نحن بحاجة الى تخصص سياسي وديني و جامعي يدرس ويعلم هؤلاء ثقافة المعارضة في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والدينية وحتى العلاقات الفردية , ذلك لان البلاء المترتب على الثقافة الموجودة على الساحة الان هو بلاء فتكه اشد من الزلازل والاعاصير المدمرة او الامراض الوبائية القاتلة وقانا الله شر الجهل وتسلط اهله.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com