|
الاغتيال الأخير لمنظمة التحرير مهند صلاحات – الأردن منذ اللحظة الأولى التي أُعلن فيها عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1965م، لتصبح المؤسسة الفدائية الأكبر التي استطاعت أن تحمل العبء الفلسطيني وهي تتعرض لمحاولات عديدة لإجهاضها من ناحية، أو اغتيالها من ناحية أخرى، حتى استطاعت المنظمة أن تنال الثقة الشعبية الفلسطينية في الداخل والشتات لكونها الممثل الشرعي والوحيد لشعب الفلسطيني، وبقيت تحمل هذه الصفة حتى تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث بدأت الخلافات الداخلية تدب في داخل المنظمة من ناحية، ومن ناحية أخرى ظهور تيارات صعدت بشكل متسارع جداً عملت على ضرب خط المنظمة في مسيرتها في نهاية الانتفاضة الفلسطينية السابقة عام 1987م. لسنا بصدد البحث في عدد محاولات الاغتيال التي تعرضت لها منظمة التحرير الفلسطينية بقدر ما هو محاولة لإعلان حقيقة رغم كونها مؤلمة إلا أنها تبقى الواقع الذي يحكم بدخول منظمة التحرير الفلسطينية لمرحلة الموت السريري بعد عملية اغتيالها الأخيرة التي تمت بأوقات مختلفة ومتقاربة بنفس الوقت. الثورة البيضاء كما يطلق عليها البعض، أو الانقلاب الأبيض، أو الخيار الشعبي، أو غيره من مسميات التي قد يخترعها البعض لوصف نتيجة الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، هي في الحقيقة النهاية الواقعية لمنظمة التحرير الفلسطينية في عملية اغتيال كانت الأخيرة والقاضية للمنظمة بكافة فصائلها، التي دخلت هذه الانتخابات الأخيرة وخرجت منها بنتائج مخجلة جداً، وبنفس الوقت تحمل دلالات ببداية النهاية لهذه الفصائل. عملية الاغتيال تمت بأيدي شخوص وقف البعض منها أمام الستار وعلى المسرح بشكل علني، والبعض الأخر خلف الستار، هي ذات الشخوص أو جزء منها الذي اشرف بشكل رسمي كمشارك أو متفرج على عملية اغتيال الراحل ياسر عرفات من قبل، فبعد اغتيال الراحل ياسر عرفات والذي يعد بداية عملية الاغتيال الكلية للمنظمة، تلاها مرحلة تنحية المنظمة عن الساحة الخارجية سواء الدولية أو العربية، ومن ثم تدمير تكتيكي لفصائلها أودى في النهاية لهبوط المنظمة وصعود التيارات الأخرى بمباركة بعض من رجالاتِ المنظمة وبتصفيقٍ حارٍ منهم. منظمة التحرير التي كانت تخوض صراعاً خارجياً ظاهراً مع العدو الصهيوني، كانت تخوض في ذات الوقت صراعات خارجية أخرى مع أطراف أخرى، وفي المقابل كانت تقاوم في داخلها أخطار الصراعات الداخلية ما بين انشقاقات ومحاولات تصفية قادة نجح بعضها وفشل الأخر، فقد كانت تحارب على أكثر من صعيد وتقود أكثر من معركة بذات الوقت، وربما - وهذا ليس مبرراً- يكون أحد أسباب أن هذه المنظمة (المؤسسة) لم تنتج للشعب الفلسطيني في الواقع بنية تحتية أو مجرد نواة لهذه البنية عبر مسيرتها السابقة. في النهاية نجد أن الحديث عن أي استحقاق قادم لأي فصيل من فصائل المنظمة هو حديث عبثي ومستحيل، فالمنظمة قد انتهت سياسياً وفعلياً وتم اغتيالها كما من قبل اُغتيل رئيسها الراحل ياسر عرفات، وإنما يقتصر الحديث على : ماذا سيكون القادم ؟ ، وإلى أين ستمضي القيادة الفلسطينية الحالية بنا أو معنا ؟ عملية اغتيال المنظمة لم تتم بأيدي خارجية أتت من المريخ، ولم يتم قصفها بالصواريخ العابرة للقارات من واشنطن، إنما تم إسقاطها من داخلها، هنالك من هدم عمود الخيمة الأساس لتهوي المنظمة جميعها فيما بعد، وبنفس الوقت لم يعد لدى القاتل أية أقنعة يرتديها، ولم يعد أمامه مجال للتباكي عليها كما تباكى من قبل على جريمة اغتيال عرفات التي كان شريكا فيها. حماس ستفاوض إسرائيل حتماً أو بعبارة أخرى، حماس هي المؤهلة القادمة لاستكمال جوقة المفاوضات التي تم التمهيد لها من قبل، وسيتولى التفاوض بالنيابة عن حماس ما تبقى من أعضاء المنظمة كما من قبل تولى التفاوض بالنيابة عن الراحل عرفات أو طرح المبادرات أعضاء منشقين عن تنظيماتهم من باب الديكورات التي تزين العملية تحت مشهد المشاركة الوطنية، وسيقود خالد مشعل منظمة التحرير الجديدة التي كانت في يوم ما الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لكن بثوب جديد وأجندة جديدة لتكون المؤسسة التفاوضية الجديدة لمزيد من الشرعية لهذه المفاوضات التي ستكون هذه المرة بكافة فصائل المنظمة المرحومة وبقيادة جديدة. الكل سيفاوض بلا شك، ومن سيبقى خارج السرب سيتلاشى، أو سيكون معرضاً للتلاشي لذلك سيجد مبرراُ لأن يلتحق بالسرب الجديد. منظمة التحرير الفلسطينية تم اغتيالها من الداخل، والسير في جنازتها سيكون قريباً بعد الانتهاء من صياغة الأجندة الجديدة لها، وتقسيم الأدوار فيها والتي سيكون للفصائل القابعة في سوريا دور أكثر فاعلية من السابق فيها. والشرق الأوسط الجديد صار في منتصف مشواره. أما مسألة الحديث عن الاعتراف في إسرائيل فهي أشبه ما تكون بالقصص التي تحاك من خيال القاص للأطفال قبل النوم.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |