|
زلزال حماس والعبرة للقيادة الكوردستانية د. جرجيس كوليزادة العراق / إقليم كوردستان / أربيل أطلق الإعلام العربي تسمية زلزال على الفوز الساحق لحركة المقاومة الفلسطينية حماس في الانتخابات التشريعية، معبرا هذا الفوز غير المتوقع عن مرحلة تغيير هامة في حياة المنطقة، والحق ان الأمر يستحق هذا الاهتمام وهذا الوصف لأنه نزل كالصاعقة على القوى السياسية التي لم تتوقع هذا التحول والتغيير في رؤى واتجاه الناخب الفلسطيني الذي منح صوته بكل ديمقراطية وبكل شفافية وباختيار حر الى قوى بديلة للقوى التي اعتاد عليه على الساحة السياسية متمسكة بكرسي السلطة من زمن طويل. هذا التحول السياسي في المشهد الفلسطيني، لا شك سيؤدي الى تغيير في الأساليب والنتائج المترتبة على الساحة الميدانية المرتبطة بالسلطة وطريقة الحكم لتحقيق إرادة الشعب الفلسطيني في التغيير والتجديد، ولا شك ان هذا التحول امتحان عسير للقوى البديلة الجديدة التي احتلت الساحة بفضل النهج الديمقراطي الفلسطيني المميز كالنموذج الكوردستاني والنموذج العراقي في المنطقة. ولولا هذا النظام الديمقراطي الجديد الذي وجد نفسه بترحاب لما تمكن من وصول هذه القوى الجديدة الى السلطة، ولبقي احتكارها بأيدي القوى القديمة التي كانت تتمسك بزمام السلطة. وبالمقابل فان هذا الفوز لحماس والسقوط الانتخابي لحركة فتح شكل صدمة كبيرة للأخيرة ووجدت نفسها بين ليلة وضحاها امام مفترق طرق لم تألفه من قبل، ووجدت نفسها في الحقيقة امام مرحلة جديدة توجب عليها القيام بمراجعة شاملة لمجمل مسيرتها السياسية والإدارية التي أدت الى تراكم ترسبات سلبية كثيرة كما اتفقت عليه الإعلام والتحليلات السياسية عند تحليلها لأسباب فشل فتح في الانتخابات الفلسطينية. والمتفق عليه ان معظم التحليلات عللت أسباب فشل فتح الى عوامل كثيرة منها فساد السلطة، وابتعاد قيادات الحركة عن الشعب، وتراكض المسؤولين وراء المكاسب الشخصية التجارية والمالية، وتصاعد وتيرة مصاعب الحياة للمواطن الفلسطيني، واحتكار السلطة من قبل قيادات الحرس القديم التي تمسكت بزمام الامور من عقود طويلة خارج وداخل الوطن الفلسطيني، ونعقد المسارات السياسية لتحقيق عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتصرف بالمنح والمساعدات المالية التي كانت تمنح للسلطة وحركة فتح بعيدا عن أهدافها وغاياتها واستغلالها من قبل المسؤولين، وغيرها من الأسباب التي تعود الى محاور أخرى متعلقة بدور حماس ونزولها الى وسط الجماهير الفلسطينية على مستوى الشارع والحارة مما أدى بها الى ان تقترب بواقعية من واقع الحياة الميداني للمواطن الفلسطيني والتعرف على همومها ومشاكلها ومعاناتها ومتطلباتها الضرورية. هذا الواقع المستجد على الساحة السياسية في المنطقة، ماذا يكشف لنا إذا نظرنا له بمنظار محايد في الساحة ولكن على تماس معه، لاستنتاج العبر للاستفادة منه في تجارب مماثلة للحالة المشهودة لفتح وحماس في الانتخابات التشريعية التي أحذت تفرض نفسها في الشرق الاوسط كنموذج ديمقراطي مميز، كما في نماذج اخرى مماثلة للنموذج الفلسطيني الديمقراطي كالنموذج الكوردستاني والنموذج العراقي، وبما ان النموذج الأخير لا زال في بداية طريقه، فإن تناول النموذج الكوردستاني لمعايشته العملية الديمقراطية الجديدة على المنطقة من فترة أخذت تزيد على عقد من السنين، تخدم القضية الكوردستانية على الصعيد الداخلي والعراقي والإقليمي، خاصة فيما يتعلق بدور الحزبين الرئيسين في كوردستان، الاتحاد الوطني الكوردستاني برئاسة السيد جلال طالباني والحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة السيد مسعود بارزاني، فهما المسيطران انتخابيا على البرلمان وميدانيا على السلطة لادارة الحكومة في الاقليم. ولا شك ان السلطة الكوردستانية ليس ببعيد عن الواقع الذي شهده فتح على الصعيد الفلسطيني، لانهما يقودان السلطة من فترة طويلة، ويقودان حكومة لادارة الدولة تسيطر عليها التحزب أكثر مما تسيطر عليها ادارة بمستوى مقام ومهنية الدولة. وحسب ما استنتج من التحاليل التي تناولت الفوز المفاجيء لحماس بهذا الزخم الكبير، فان الفساد وغياب القيادات والسلطة عن الشعب لعبا الدور الرئيسي للإطاحة الانتخابية بفتح، مما تولد عنها قناعة الشعب بالتغيير ومنح صوته الى الطرف المقابل إيمانا بالإصلاح وبالتغيير والتجديد وليس إيمانا بعقيدة حماس كما تتناوله بعض الأطراف السياسية والإسلامية، وهذا ما ذهب اليه رأي الخارجية الامريكية حيث وصفها بأنها اتجاه نحو التغيير لصالح الشعب الفلسطيني. والمؤسف أن التجربة الكوردستانية على صعيد السلطة، تعاني من نفس الواقع الذي عانته حركة فتح المتعلق بالفساد وغياب القيادات عن هموم ومشاكل الشعب، وخير دليل على صحة هذه القراءة هي الاجتماعات المتواصلة التي عقده كل من السيدين بارزاني وطالباني مع القطاعات الشعبية والإدارية والحزبية والعسكرية قبل الانتخابات النيابية العراقية لتدارك ابتعاد الشعب الكوردستاني عن المشاركة الفعلية في الانتخابات احتجاجا على سوء الادارة وتفشي الفساد وابتعاد القيادة عن هموم المواطنين ومعاناتهم الحياتية. ومن باب الإنصاف، نشير الى اعتراف احد قياديي الحزب الديمقراطي الكوردستاني بهذه الحقائق في اسبوعية "ميديا" الكوردية العدد 226 وهو القيادي محمد ملا قادر عندما عبر عن مخاوفه بأن القيادة الكوردستانية اذا لم تعمل على اجراء اصلاح فعال ستحصل لها مثلما حصلت لحركة فتح الفلسطينية، واعترف ان الفساد متفشي ولكنه اقل مستوى من فساد فتح، وبين ان حزبه بصدد اختيار شخصيات تكنوقراط للحقائب الوزارية العائدة للديمقراطي الكوردستاني في تشكيلة الحكومة الكوردستانية الموحدة. وان كان لنا تعليق على ما ذهب اليه القيادي من بيان، فان تشخيص الحالة تعتبر عملية مهمة عند البحث عن حل لمشكلة معينة، وبما أن المشاكل التي تعاني منها الادارة في الاقليم تحاول القيادة الكوردستانية تشخيصها ووضع الحلول اللازمة لها فان ما جاء في كلام القيادي يعتبر مؤشر جيد لإبعاد التجربة الكوردستانية عن الأزمات والمشاكل التي تعاني منها الأنظمة والسلطات السائدة في المنطقة ومنها التجربة المريرة التي مرت بها حركة فتح في الانتخابات البرلمانية. ولهذا فان الأمل ببقاء النموذج الكوردستاني والتأكيد على اجراء اصلاح فعال في سلطة ادارتها وحكومتها، وإبعاده عن الأزمات المستعصية التي تعاني منها المنطقة من فساد وغياب دور أهل الكفاءة والخبرة في الادارة والسلطة، يبشران بأن التجربة الكوردية ستعمل على تصحيح مسارها لصالح الشعب الكوردستاني، وان الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني سيعملان على تعزيز هذه التجربة وتقويتها بالإصلاح وانتهاج الشفافية وتجديد الحزبين بدماء جديدة وتغيير الحرس القديم بحرس جديد والنزول الى وسط الشعب للتعرف على همومه ومشاكله لتحقيق رغباته وحاجاته الأساسية والعمل على تقديم أفضل الخدمات والمكاسب له من قبل الحكومة لتحقيق حياة كريمة للكوردستانين. وهنا لا بد من القول في حالة عدم الاتعاظ من التجربة الفلسطينية فان ما سينتظر الحزبين الرئيسين في كوردستان في الانتخابات المستقبلية سيكون أسوء مما حصل لفتح، لهذا وفي كل الأحول فإن التجربة التي مرت بها حركة فتح والزلزال الذي أحدثته حركة حماس بصعدوها المفاجيء الى السلطة في فلسطين، ستكون عبرة سياسية كبيرة من باب المنطق والحكمة وذات مغزى كبير للاستفادة منها من قبل الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني في اغناء النموذج الكوردستاني وتعزيزه لما لها من مدلولات حكيمة، مفهومة بأبعادها وموضوعيتها، وستكون التجربة الفلسطينية مستوعبة بحكمة وتعقل من قبل السياسيين الكورد، لتجنب تكرار هذه التجربة على الساحة الكوردستانية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |