الحديث عن ثورة الحسين(ع) لايشبه الحديث عن اية ثورة اخرى حدثت سواء في التاريخ القديم او الحديث ولااقصد الجانب الخاص لها لأن الامام الحسين(ع) قائد الثورة كان اماما معصوما مُفترض الطاعة لأن هذا الجانب تناوله باحثون وكتاب كثيرون ويتم تناوله كثيرا من خلال المنابر الحسينية .
ماأريد تناوله هو جوانب ثلاثة من الثورة الحسينية اولها الجانب المادي والعسكري والجانب المعنوى وبعبارة اوضح هو الانتصار الذي حققته الثورة في تلك الجوانب الثلاثة, ولو بدأنا بالجانب المادي للثورة نجد ان هذه الثورة كانت تفتقر الى العدد والعدة فلم يتجاوز عدد رجالها الثمانين رجلا واما العدة فكانت قليلة كالسلاح والخيول وغيرها ولكن هل كان الجانب المادي هذا عامل ضعف لتلك الثورة بحيث كما يُقال انها خسرت عسكريا ؟ .
الجواب على هذا السؤال هو (لا) لان ابطال هذه الثورة وظفوا الجانب المادي هذا للانتصار العسكري ولم يشعر احد منهم بالخوف اطلاقا بسبب قلة العدد والدليل هو الرجاء والطلب الذي طلبه الحسين من اصحابه(رض) بان يتركوه ويعودوا الى اهلهم على اساس ان بني امية يريدونه هو فقط وكان اصرارهم على البقاء مع الحسين مهما كانت النتائج هو دليل على عدم مبالاتهم لقلة عددهم اي للجانب المادي المتمثل بقلة العدة والعدد فكانوا يعرفون تمام المعرفة بان الموت مصيرهم وان رؤسهم ستُفصل عن اجسادهم ولكن الاصحاب سخروا هذا الاصرار ليكون جزءاً من الانتصار العسكري اللاحق وهذا الايمان باحقية وعدالة الثورة واهدافها ومبادئها جعل حتى تفكيرهم لايخرج عن ساحة القتال ونصرة الحسين وهنا امثلة كثيرة على ان تفكيرهم لم يخرج من ساحة القتال ولم يكن دنيوياً واذكر هنا مثلين فقط من مجموع تلك الامثلة الا وهو حين سقط الصحابي الجليل مسلم بن عوسجة اسرع اليه حبيب بن مظاهر الاسدي قائلا له والله لو علمت انني باق لاحببت ان تُوصيني بما شئت فما كان من مسلم الا ان رفع يده وقال لحبيب بن مظاهر نعم اوصيك بهذا مشيراً الى الحسين(ع) فلم يكن تفكيره بالوصية عن اهله او عياله وانما في ساحة القتال ومبادئ الثورة ونصرتها والالتزام بقيادتها حتى تحقيق اهدافها , وكذلك نذكر قصة وهب بن عبد الله الذي طلبت منه امه ان يقاتل دون الحسين ولم تقل له لاتتركني لوحدي واني امرأة ليس عندي احد غيرك فقاتل هو وقاتلت زوجته ايضا .
وفي الجانب العسكري فقد جسّدَ الحسين واهل بيته واصحابه هذا الايمان حين تحول الى شجاعة ولااقول قل نظيرها بل ليس لها نظير لأن المعروف بالقوانين العسكرية ومسألة حساب الربح والخسارة في الحروب بأن الأكثر عدة وعدد هو المُنتصر في الحرب الا بعض الحروب التى شذّت عن القاعدة ومعركة الطف يمكن تشبيهها بمعركة بين دولة عظمى وتملك السلاح الذري ضد مجموعة صغيرة ليس لديها الا بعض الاسلحة الخفيفة وحسب العرف الذي اعتدنا عليه عبر القرون الزمنية فان من انتصر في كل الحروب يقيم لها احتفالات الانتصار كل عام ولكن الدولة الاموية انتهت وقتلة الحسين عليه السلام انتهوا الى شرّ نهاية لايحسدهم عليها احد ليس في معركة الطف مباشرة ولكن بعدها وعلى يد من امنوا بمبادئ الثورة . ولانعرف قبرا او اثرا لا ليزيد ولا لأحد من جلاوزته فيما نجد معسكر الحسين بكل ابطاله وقد كرمهم الناس وكرمتهم الدنيا فهم لايزالون اعلاما ترفرف في سمائنا سواء في مشاهدهم وقبورهم او مبادئهم وبطولاتهم, ولكن الفرق هنا ان ابطال ثورة الحسين كما قلنا لم يتجاوزوا الثمانين بينما كان الطرف المقابل قد جمع بين 80 و 120 الف مقاتل حسب روايات كثيرة وموثوقة وبعملية حسابية بسيطة حين نقسم متوسط عدد افراد جيش يزيد على عدد اصحاب الحسين يظهر الناتج 1250 رجل مقابل كل رجل من اصحاب الحسين ومع ذلك قاتلوا قتال الابطال واستبسلوا فيه فكانت خسائر اعداءهم بألآلاف باختلاف الروايات وهذا الشئ لايمكن الا اعتباره نصر كاسح بالمفهوم العسكري بقوة الارادة والايمان بعدالة القضية ومايُقال عن انتصار يزيد ماهو عملية استنتاج لآلية الغدر والعدوان التي إتصف بها الحكم الأموي وجسدها في حربه ضد الحسين ولو قُدّر ان عدد اصحاب الحسين كانوا عشرة اضعاف ماكانوا عليه في الواقع وحدثت المعركة لكان معسكر يزيد في خبر (كان) ولو كان النِزال واحد مقابل واحد وعلى نفس العدد الحقيقي لرجال الحسين لَطالت الحرب الى ايام ولأنتهت بأندحار جيش يزيد عن بُكرَة ابيهم ولكن نهج واسلوب الغدر والعدوان الذي اتبعه يزيد جعل المعركة لاتدوم الا ساعات قلائل ولايمكن لهذه الاعتبارات اعتبار يزيد مُنتصراً والحسين خاسراً ولو تمعنّا في قول الحسين عليه السلام (اللهم ان منعت عنّا النصر فانما لما هو خيرُ منه) نستكشف ان هناك شئ افضل من النصر التقليدي الذي اعتدنا السماع والقراءة عنه في الكتب عن بعض الحٌروب ونهاياتها, وشئ اعلى شأنا منه وهذا هو النصر الذي تحدث عنه الحسين وجسده وهو النصر المٌشرٍف والنصر الحقيقي الذي قلب المعادلات القديمة والحديثة فنجد الاهداف العليا العظيمة والمبادئ والسيرة الحسنة للثورة وقائدها ورجالها حيث ذكر الحسين اثناء مسيرته قائلا ماخرجت اشرا ولابطرا انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي فتلك هي المبادئ التي تحدت الدهر وبقيت خالدة فيما تنظر الى الطرف الآخر فلا تجد شيئاً شاخصاً فيه على الاطلاق ماعدا قبراً خرٍبا يٌقال انه لمعاوية بن ابي سفيان والخرٍبة الي هو فيها تٌشير الى الذِلٌة ورغم تعاقب الحكومات والدول والحكام الا انه لم يجرُء احد على بناء وترميم القبر ولدينا رواية متواترة مفادها انه مامن خليفة جاء بعده او حاكم او اي شخصية اخرى قرر او ارادَ بناء او ترميم القبر ليصبح مزاراً , ألا وهلك ذلك الحاكم او الشخص والى يومنا هذا وذلك يُفسر بقاء هذا القبر على حاله بينما تجد مزاراً لقبر معاوية الصغير في دمشق وهو ابن يزيد بن معاوية وقد اراد هذا تسليم القيادة لاصحابها الشرعيين من ابناء الحسين عليه السلام ولكنّ امه قتلته .
واما الجانب المعنوي في انتصار الثورة فهو ان الاسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء فقد مرت اكثر من 1360 عاما على هذه الثورة ولكننا لازلنا نعايشها كل يوم ومع ان اغلب الثورات ذهب ذكرها او بقيت في الكتب ولكن ثورة الحسين متجددة لانها تمثل الشرعية الحقة ولذلك اصّر يزيد على ضرورة اخذ البيعة من الحسين ليحقق الشرعية لحكمه الفاسد ولكن اباء الحسين ساهم في خلود الثورة وتعرية الحكم الاموي الذي قام على الظلم والاضطهاد والفساد, ورفض البيعة هو الذي ايقظ كثيرا من العقول النائمة التي كانت مخدوعة بالحكم الاموي لان من رفضَ هو الحسين ومعروف لدى الناس اصله ونسبه واحاديث الرسول(ص) فيه.
ولاتوجد ثورة في العالم كله قيل فيها مثل ماقيل عن ثورة الحسين ونُظمت فيها ملايين القصائد عبر السنين ولازال الناس الى الان يكتشفون فيها جوانب مضيئة جديدة لم يكن يعرفوها من قبل فسلام عليك ابا الاحرار يوم وُلدتَ ويوم استشهدتَ ويو تُبعث حيا.
العودة الى الصفحة الرئيسية