صدمة للشعب العراقي . . مقترحات غير مسؤولة!!

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

في خضم نشوة النصر, والفرح العارم الذي ملأ قلوب العراقيين بنجاح الانتخابات الأخيرة, وقرب دخول العراق عالم الدول المؤسساتية المستقرة سياسيا وأمنيا, وإقرار جميع الفرقاء بإرادة الشعب العراقي الحرة, التي تمثلت في خيار ديمقراطي يستند إلى دستور منحه الشعب شرعية كاملة, في استفتاء مشهود, يفترض به أن يؤمن البدء بعمليات بناء الدولة والمواطن, الذي خضع لسنوات طويلة من الخوف والرعب والقمع والتشويه والتجهيل. في خضم هذا الأمل الذي ظننا أنه أصبح قريبا,  صدمتنا حقيقة طالما حاولنا تناسيها أو تجاهلها, نزولا عند مصلحة شعبنا (البائس), وهي الاستخفاف المقصود أو غير المقصود, واللامبالاة, وعدم المسؤولية عند الكثير من سياسيينا العراقيين في تعاملهم مع إرادة الشعب العراقي, وفي تنفيذ ما أقره خيارا لنظامه السياسي, في أن: " العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي", كما هو نص المادة الأولى من الباب الأول من الدستور الدائم.

لا أدري كيف يبرر سياسيونا تلك المقترحات التي يشنفون أسماعنا بها, كـ "مجلس أهل الحل والعقد" أو "المجلس الاستشاري" أو "مجلس العقلاء" أو أية تسميات أخرى. وكأننا عدنا إلى نقطة الصفر, وبدأنا ـ توا ـ الشروع في عملية سياسية جديدة, ولتذهب تضحيات الشعب العراقي هباء.

إن تلك المقترحات ـ من أي جهة كانت وبأي اسم كانت ـ لا تمثل إلا قفزا على الخيار الديمقراطي, وتجاوزا له, وتلاعبا بإرادة الشعب؛ رغبة في حصول هذا الطرف أو ذاك, على سلطة زائدة, بخلاف ما أقره الشعب العراقي في الانتخابات الأخيرة, وخلافا للدستور الشرعي للبلاد, الذي لا توجد فيه سلطات غير تلك التي حددها. وأي سلطة جديدة تعتبر ـ قانونيا ـ تعديلا للدستور, يجب عرضها على الشعب للاستفتاء عليها, ومنحها الشرعية اللازمة. علما أن إضافة أي سلطة أخرى إلى جانب تلك التي في الدستور سيشكل ترهلا بيروقراطيا للقرار السياسي العراقي, يضيف من العقبات والعوائق فوق ما هو موجود فعلا فيه, ليصبح قرارنا ـ كنتيجة لفرض التوافق في كل صغيرة وكبيرة ـ قرارا توفيقيا ضعيفا مترددا, لا يستجيب لمتطلبات الممارسة السياسية المعاصرة, التي تحتاج إلى قرارات تتفاعل تفاعلا مباشرا مع ما يجري على الساحة الداخلية والخارجية. وحسبك في هذا مشكلة تعدد أو ازدواجية القرار السياسي التي تعرض العراق قبل الانتخابات, والتي نشأ عنها صراع بين رئيسي الدولة والحكومة, وهذا ما علينا معارضته أو منعه أو محاولة إصلاحه, خصوصا بعد المطالبات الغير مبررة للبعض بزيادة صلاحياتهم لأنهم يرون أنفسهم أكبر منها! وكأنهم يريدون دستورا بصلاحيات حسب الطلب والمزاج! ولتذهب مصلحة الشعب إلى الجحيم! على من يرى أنه أكبر من أي منصب شرفه الشعب به, أن يرفض ذلك المنصب, لا أن يغير الدستور حسب قياسه.

يخطئ بعض سياسيينا عندما يظن أن القرار أصبح قراره, وكأنه حصل على تفويض من الشعب ليفعل ما يحلو له . . لأن الشعب منحه التفويض لتطبيق الدستور, والالتزام به, وليس للتلاعب عليه.

 جميع أنظمة الحكم في الدول الديمقراطية, التي نفترض أننا أصبحنا جزءا منها, أو سنصبح, يكون فيها القرار الأعلى قرارا واحدا, تتخذه سلطة واحدة, لا لبس فيه ولا تأويل وغير قابل للتلاعب. فشرعية كل السلطات تكتسب من الشعب, والتشريعات مهمة البرلمان فقط, وتنفيذ القرارات مهمة السلطة التنفيذية فقط, والقضاء مهمة السلطة القضائية فقط؛ ولا مجال للتلاعب على هذا التقسيم, وفرض سلطات أضافية. ولنا في بعض دول الجوار عبرة, مما خلقه تعدد السلطات من تضارب وتعدد للقرار والسياسات.

تذكر وسائل الإعلام ـ تارة ـ أن مقترحا من هذا النوع صدر من أحد السياسيين, وتارة أخرى يصرح مسؤول أن هذا المقترح هو أمريكي طرح على سياسي آخر؛ وفي كلا الحالتين سيهب هذا المقترح سلطات لمن لم يمنحه الشعب إياها. لذلك يجب على سياسيينا احترام الدستور أولا, ثم احترام أصوات ناخبيهم, وعدم التفريط بها؛ لأنه سيُعَد عدم وفاء بالتعهدات التي قطعوها على أنفسهم في تحقيق آمال الناخبين وطموحاتهم, إن لم يُعَد خيانة لهم. كما أن مقترحا من هذا النوع سيشكل عائقا وعقبة أمام قدرة السلطة المنتخبة واقعيا على إدارة البلد, والسعي لتحقيق وعودها الانتخابية.

 إن اقتراح مجلس باسم "مجلس العقلاء" يفترض أن غير أعضاء هذا المجلس ليسوا بعقلاء, وهذا سخف وخطر في نفس الوقت, لأنه ينذر بعودة الاستبداد؛ ولكن هذه المرة من قبل أمريكا, أو من قبل مجموعة من السياسيين توزع السلطات لمن تشاء, وكيف تشاء!

كما أن اقتراح "مجلس أهل الحل والعقد", هو اقتراح حكومة أخرى, داخل الحكومة الأساسية, تمثل إرادة قلة من الأفراد, أي أنها حكومة "أوليغاركية" ليس لها محل في نظام يتبنى الديمقراطية.

أما اقتراح "مجلس استشاري", فلعمري ما هو دور البرلمان إذا؟! ولماذا صوت الشعب؟ ومن سيمنح هذا المجلس شرعيته؟

 هل ستكون إرادة أمريكا بديلا عن إرادة الشعب العراقي؟

أم أن إرادة داعمي الإرهاب هي ذلك البديل ؟

أم إرادة هذا السياسي أو ذاك هي البديل؟

 أعتقد أن شعبنا سوف لن يرضي عن إرادته بديلا, بعد أن تنسم عبير الحرية, وتنشق شذاها.

  

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com