على درب فلسطين

نضال القادري

nidalkadri@hotmail.com

إذا جئت بالأسباب التي أدت إلى فوز "حماس" محللا للنتيجة فهل يمكن أن نأخذ بأن الناخبين الفلسطينيين صوتوا ‏دعما لسياسات "حماس"؟ النتيجة ستأتي بحكما: (لا)، إن النتيجة هي رفض لفساد امتد منذ ما قبل "أوسلوا" بل يرجع إلى أزمنة (أيلول الأسود) حينما أطبقت "منظمة التحرير الفلسطينية" الخناق على مشروع تحرير فلسطين، فصار المشروع عملية موضعية تارة تمر في (جونية) وطورا في (بعبدا)، ورهابا لزعزعة أمن المملكة الأردنية بمعزل عن حسابات الأخرين. ضف إلى ذلك، عدم فعالية "فتح" على الصعيد العقيدي إذ إن محاولة أن تستعيض عن المقاومة بالسلطة وبالإغراءات وبالصفقات وأن تستبدل جلدها الثوري بتنفيعات السلطة من أجل إرضاء جمهورها لم تكن مقامرة ناجعة. وفي أزمنة البحبوحة وجوائز الترضية من كرم الفضلات الأمريكية و "حاتم طي الأوروبي" لم تكن مجموعة السماسرة المحيطة بالراحل ياسر عرفات إلا موشومة بالسوء من خلال الإدارة الجماعية للسلطة الفلسطينية و‏للمساعدات التي يمنحها المجتمع الدولي لغزة وللضفة الغربية، مما شكل معضلة أرخت شيئا من الطبقية والتفرقة والمحسوبية في المجتمع الفلسطيني الذي يعاني تحت قيود الإحتلال.‏

 اليوم، بعد ما سمي بالزلزال الإنتخابي الذي أزاح حركة "فتح" عن عنق السلطة، ما هي معضلة حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)؟ إن المعضلة التي تواجهها (حماس) اليوم هي كيف ستتعاطى مع ‏مسؤولياتها السياسية الداخلية وهي التي لم تمارس السلطة في ظل صراع الحيتان والأحجام. وبالنسبة للغرب أو ما يصطلح به "السياسة الخارجية" فالكلام يكثر من الواجهة الإسرائيلية، فلا أحد يُمكنه التشكيك في شرعية إنتصار (حماس) من الناحية الإجرائية فهذه الإنتخابات أشرفت عليها للجنة الرباعية الممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا والإتحاد الأوروبي، وكان الحديث الشاغل ليلة ما يسمي العرس الوطني الفلسطيني (ليلية الدخلة) بأن الحركة التي ستمثل أحلام وأمال الشعب الفلسطيني (حماس) هي غير قادرة على التواصل مع أهداف شعبها. والسؤال المليوني الذي لا يمكن لأحد أن يتذاكى في الأجابة عليه أو يبقيه في خانة المجهول والإستدراك: هل ستُعدّل (حماس) ميثاقها التأسيسي وتعترف بحق"إسرائيل" ‏في الوجود كما عدلت "منظمة التحرير" ميثاقها فألغت كل البنود المتعلقة (بتدمير إسرائيل وإلغائها من الوجود)؟ أو بالأحرى هل ستتجرأ (حماس) على تعديل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية فتتنصل من جميع إتفاقات أوسلو المذلة التي قال عنها منظروها وقت اشتدت أزمة المفاوضات للطرف الأسرائيلي المتعنت:" إن ما نقوم به لا يعد تنازلا من وجهة نطر شعبنا، إنه بمثابة الخيانة فلا تضعونا في زاوية مقعرة.."؟! ويبقى السؤال الأخير في أجندة الأخرين:هل ستتخلى عن سياسة الهجمات "الانتحارية"؟ أم نحن أمام سياسة المقايضات أو الحرب بالواسطة، وستكون حماس (غير الإرهابية) مقبولة عندما تتبنى مشروعا إسلامويا على الطريقة الباكستانية أو التركية قبل الولوج في النفق الأخير.. حذار من حرب مقايضة الإرهاب بالإعتراف حتى لا تقود شعبها نحو العزلة، وربما العزلة على الطريقة الإيرانية، أو السورية نموذجا؟

من ناحيته، كتب محرّر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة الـ"تايمز" ريتشارد بيستون مقالا ‏بعنوان: "لمَ يجب على المنتصرين أن يشكروا المساعدة الأميركية؟"‏ وقال بيستون إن على "حماس أن تفكر بالرئيس جورج بوش ـ أو ربما تصلي من أجله ـ ‏عندما تحلّل أسباب فوزها بالانتخابات. فقد ساهم الرئيس الأميركي أكثر من أي شخص آخر ‏في جعل الإسلام السياسي حقيقة في الشرق الأوسط". وأنا أقول بأن هذه الحقيقة (فوز حماس) التي فرضت نفسها ليست وليدة القناعة بأن المشروع هو مشروعها بل لأن المنطقة العربية بأكملها والهلال السوري الخصيب خصوصا سيكون حافلا بالمناسبات الطائفية والتقاتل العشائري نتيجة النظريات الأمريكية في إدارة عملية الصراع بطرق إنشطارية مما ولد حلولا مقابلة بالطرق الإنشطارية العامودية ذاتها، إن لعبه الأمم تقوم على الحق وعلى القوة أيضا، ولكن لن يصلح من بعده رعيان الزمن الأتي وجهود كل المنظمات العالمية ما أفسده العطار الأمريكي!!

الخلاصة: على حماس (المنظمة الإرهابية  في القاموس الأمريكي) أن تختار ما بين شكلين للحياة: المقاومة أو الإرهاب.. وعند الجلوس على الطاولة ليس المهم أن تكون الطاولة مستديرة أو مستطيلة، أو تفرض حماس لونها الحركي فوق شكل هذه الطاولة.. على حماس ألا تفاوض أو تدخل في أي هدنة طويلة كما صرح السيد محمود الزهار عندما قدم عرضا مغريا بأن الهدنة "قد تمتد إلى 10 سنوات"!!

على حماس ألا تخون تاريخها :"من البحر إلى النهر"، فلسطين لا تنتظر إلا سواعد من يحيي مشروعها ويبقيه على قيد الصراع فوق أنقاض "أوسلو". إن مشروع التحرر الوطني الفلسطيني برسم الإجابة وليس برسم الهدنة!! وأنت أيها الفلسطيني لا تنزع كوفيتك وردد شعارك المؤجل بأحلام القيامة: (سيف فلسطين أنا لا أنحني تعبا.. إلا لعينين أنسى فيهما التعبا).

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com