|
هذا ما كان من شأن عاشوراء .. إنديرا بعد المهاتما نضير الخزرجي إعلامي وباحث عراقي تتكشف يوما بعد اخر دلالات ثورة الامام الحسين عليه السلام في العام 61 هجرية وانعكاساتها على واقع المجتمعات الانسانية، التي صار الحسين (ع) نموذجها وشهيدها وشاهدها الحي في الانعتاك من ربقة الطغيان والفساد والانطلاق الى رحاب التحرر والبناء، تناغما مع شعار الامام الحسين (ع) في بدء حركته المباركة: (واني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي و أبي). لكن الثورة الاصلاحية لاعادة الامة الى سيرتها الاولى والأخذ بيدها الى جادة الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم، لم تنتصر في آنها عسكريا، فتحققت المظلومية باستشهاد الامام الحسين (ع) واهل بيته وصحابته الكرام، فصارت المظلومية التي تفتقت عنها واقعة الطف في كربلاء المقدسة عنوانا لكل من يرى انه واقع تحت ثقل الظلم واعبائه، بغض النظر ما اذا كان المرء مسلما او غير مسلم، ولذلك فلا غرو ولا عجب المقولة التي اشتهر صدورها عن لسان محرر الهند المهاتما غاندي (موهانداس كرامشاند) (1869-1948): (تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوما فانتصر)، فالامام الحسين (ع) كان حاضرا في ضمير غاندي وهو الذي يعيش في وسط مجتمعي خليط من المسلمين والهندوس والسيخ وغيرهم، لكن تحريره للهند في العام 1947، ومحاولته ان يكون زعيما لكل الهنود كلفته حياته بعد عام، على يد متطرف هندوسي من طائفة البراهمة التي ينتمي اليها غاندي. واذا كانت عبارة غاندي تتصدر الادبيات الحسينية العاشورائية في كل عام، فان ما لا يعرف عن رئيسة وزراء الهند السابقة إنديرا غاندي (إنديرا بريادار شيني نهرو) (1917-1984)، انها كانت على مقربة من ثقافة الثورة الحسينية ولصيقة بالجانب الوجداني والتراجيدي لحركة الامام الحسين (ع)، ومؤمنة وهي الليبرالية التي تقود شبه قارة تضم مليار انسان، بالجانب الولائي وبكرامات سبط الرسول محمد (ص) وسيد شباب أهل الجنة الامام الحسين (ع)، وكانت تقدم النذور للامام الحسين (ع) عند اشتداد الصعاب عليها كما هي عادت المسلمين في الطلب من الله بتحقيق الامنيات بوجاهة الامام الحسين واخيه العباس عليهما السلام او التوسل الى الله بنبيه محمد (ص) وطلب شفاعته في الملمات للدنيا والآخرة، وهو ما عليه من ايمان معظم المسلمين بهذه الشفاعة. ومن ذلك ان إنديرا غاندي نذرت ان تقيم مأتم العزاء في بيتها في نيودليهي سنويا، إن هي تخلصت من أعباء الملاحقة القانونية وتقديمها للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، بعد خسارتها وحزبها (حزب المؤتمر) الانتخابات النيابية التي جرت في الهند في اكتوبر – تشرين الاول العام 1977، وخسرت مقعهدها في اكبر فضيحة انتخابية تتعرض لها غاندي، وقد جاءت الهزيمة على خلفية اعلانها حالة الطوارئ في البلاد في 26/6/1975 نتيجة ازمات اقتصادية كبيرة، اجتاحت الهند بسببها عواصف سياسية وأمنية، بيّتت المعارضة اثرها بغاندي سوءاً. وبالفعل نجحت غاندي في تخطي عقبة السجن بتهمة الخيانة العظمى وأقامت وفاءاً لنذرها، مجلس العزاء في منزلها كل عام حتى اغتيالها على يد حارسها الشخصي وهو من طائفة السيخ في 13/10/1984، وكان الشيخ محمد الياسي من خطباء الهند يقيم لها مجلس التعزية. ويضيف السيد محمد الموسوي أمين عام رابطة أهل البيت العالمية الذي حدثنا بهذه القصة في مكتبه بلندن في السابع من شباط – فبراير 2006، نقلا مباشرا عن متحدثه الشيخ محمد الياسي ان إنديرا غاندي التي عادت الى الحكم من جديد في العام 1980 حتى تاريخ اغتيالها، كانت تجلس والى جانبها ابنها البكر سنجاي (1943-1980) الذي قتل في حادث سقوط طائرة شراعية بعد شهر من فوزه بمقعد في انتخابات العام 1980 وشقيقه راجيف (1944-1991) الذي تولى الحكم بعد مقتل والدته حتى العام 1989، ثم اغتيل، وكانت غاندي تغطي وجهها بشالها الذي كانت تضعه على رأسها وتجهش بالبكاء عند تعرض الخطيب الشيخ محمد الياسي الى مصاب الامام الحسين عليه السلام. قد يجد البعض صعوبة في تقبل مثل هذه الرواية، ولكن من يتعرض لطبيعة الشعب العراقي على سبيل المثال، بتنوعاته المذهبية والعرقية والعقيدية ويقف على واقع مشاعره تجاه الامام الحسين (ع)، يجد مثل هذه الواقعة امرا طبيعيا، فالمسلم الامامي ينذر للامام الحسين والمسلم السني ينذر لاخيه الذي استشهد معه سيدنا العباس بن علي عليهما السلام ويحلف برأسه، وينذر للامام الحسين الصابئي والمسيحي واليهودي، وينذر له العربي والكردي والتركماني، وتقيم مكونات الشعب العراقي بمجملها مآتم العزاء والاطعام وفاءأ للامام الحسين الذي ثار على الظلم، وبمصاب الامام الحسين (ع) تتوحد كل القلوب والمكونات العرقية والمذهبية والدينية، لأن الحسين (ع) كجده محمد (ص) انما جعله الله رحمة للعالمين، ولأن شهيد كربلاء كما وصفه الرسول الاكرم (ص) هو نفس النبي: "حسين منّي وأنا من حسين". وهذه المظاهر من التوحد على مصاب الامام الحسين (ع) نجدها في غير العراق مثل الهند وباكستان وايران وسوريا وأفغانستان، وليس الامر بغريب على إنديرا غاندي التي ولدت في مدينة (الله آباد) التابعة لمقاطعة اوتربرادش (UP)، حيث يشكل المسلمون في هذه المدينة الاغلبية، وللطائفة الامامية في هذه المدينة موقعها واحترامها، ويكثر فيها مجالس العزاء، ولأسرة غاندي في هذه المدينة احترامها، اذ كان يشار الى جدها وأبيها جواهر لال نهرو (1889-1964) بالبنان حيث شكلا مع المهاتما غاندي مثلثا نحو تحرير الهند من الاستعمار البريطاني اطلق عليه الشعب الهندي بالمثلث المقدس. وقد ذاقت إنديرا غاندي المعاناة منذ صباها حيث تعرضت للاعتقال والسجن لمدة ثلاثة عشر شهرا مع زوجها فيروز غاندي في العام 1942 وهو العام نفسه الذي اقترنت به، وقد تحملت اعباء الحكم مبكرا عندما تولت شؤون والدها عند توليه رئاسة الوزراء في العام 1947 حتى رحيله، ثم تولت الحكم لأول مرة في العام 1966 حتى العام 1977، خلفا لرئيس الوزراء شاستري الذي وافته المنية في العاصمة الاوزبكية طشقند، وكانت هي أول امرأة تتولى الحكم في الديموقراطيات الحديثة في العالم. فما لا نستغربه من المهاتما غاندي قوله لا نستغرب من إنديرا غاندي فعلها، فكيف لنا ان نستغرب من بلد كان يحكمه المسلمون، وعاد ليحكمه رئيس مسلم هو البروفسور أبو بكر زين العابدين عبد الكلام الذي انتخب في العام 2004. اقتراح: شكّل محرم العام الجاري 2006 نقلة نوعية في مجال الاتصالات، حيث تسمّرت العيون في ملايين البيوت في مشارق الأرض ومغاربها الى العدسات الفضية وهي تنقل وقائع مآتم العزاء من كربلاء المقدسة ومن باقي المدن العراقية، التي بثتها الفضائيات المنتشرة في العراق من قبيل قناة الفرات والعراقية والبغدادية والديار والأنوار والشرقية والفيحاء والعالم، وكان لقناة الفرات قصب السبق في نقل (عزاء طويريج) الموحد ظهيرة يوم عاشوراء من كربلاء المقدسة، الذي شارك فيه نحو مليوني مسلم. كما ساهمت اذاعة الروضة الحسينية في نقل الوقائع مباشرة صباحا ومساءاً، بالصوت والصورة عبر شبكة الانترنيت. ولكن ما كان ينقص المساجد والحسينيات والمراكز الاسلامية حول العالم انها لم تستفد من التكنولوجيا في ربط جمهور المعزين مع القنوات وهي تعرض مباشرة من كربلاء المقدسة، بخاصة وان التكنولوجيا وفّرت شاشات كبيرة وعريضة (بلازما) تجعل المشاهد يعيش الحدث. من هنا فان الامل يحدونا ان تلتفت ادارة المساجد والحسينيات والجوامع والمراكز والمآتم المنتشرة من استراليا ونيوزلندا حتى النرويج والسويد مرورا باوروبا والاميركيتين والجمهوريات الاسلامية والهند، الى هذا الأمر لا سيما وان المناسبات الدينية كثيرة وزيارة اربعينية الامام الحسين (ع)، على الأبواب. الرأي الآخر للدراسات – لندن
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |