|
أنتهت اليوم مشاورات اللجنة السياسية لقائمة لأئتلاف العراقية والتي دامت قرابة الشهرين وقد حسمت أمر تسمية مرشحها، لمنصب رئيس الوزراء، لصالح الدكتور إبراهيم الجعفري. فقد حصل على 64 صوتا فيما حصل د. عادل عبد المهدي على 63 صوتا. ومن الملاحظ أن د. الجعفري أختير بالتوافق والأنتخاب في أن واحد. أذ توافق المرشحون الأربعة على أنسحاب أثنين منهم مقابل مناصب وحقائب سيادية. ثم جرت المنافسة بين المرشحين د. المهدي والجعفري. تمت الانتخابات بغياب احد الأعضاء لسفره وقد أعطى أحدهم ورقة بيضاء( أي ان هناك ورقتين بيضاء. كان مجموع عدد لجنة الأئتلاف هي 129 شخص). كانت الدلائل الاولية تشير إلى أن د.المهدي هو الأكثر حظاً من الجعفري نتيجة لتحفظات من داخل وخارج الائتلاف. لكن التيار الصدري، صاحب القوة الأكبر، قد حسم أمره لصالح د.الجعفري. أن هذا التأخير الذي دام حوالي شهرين يظهر أن هناك أشكالات داخلية كبيرة بين قوى الائتلاف نفسها مما حسم الأمر بالتصويت وليس التوافق. بالوقت الذي كان من المفترض ان يتم تسمية المرشح بعد نتائج الأنتخابات مباشرة. كما أن هذا التنافس الشديد بين المرشحين يعكس صراع القوى الكبيرة داخل الائتلاف للأحتفاظ بحقها لمرشحها ولم يتم التنازل عن ذلك خدمتا للمصلحة العامة. وقد شهدت الأسابيع المنصرمة تصريحات وتهديدات بالأنسحاب من هذا الطرف أو ذاك لكن الأمور جرت وفقا للألية الديمقراطية ورضخ الجميع لقوة الصوت الانتخابي وهو بحد ذاته ممارسة ديمقراطية سليمة. كذلك هذا التأخير يؤشر إلى أن هناك عدم توافق واضح في توزيع الغنائم فيما بينهم وهذا ما سيجعل توزيع الحقائب الوزارية القادمة قد يستغرق شهورا في ظل هذا الاشكال مضافا اليه البغائض والأحقاد التي تتوسع يوما بعد اخر بين الكتل السياسية خارج الأئتلاف. أخيراً ظهرت النتيجة لصالح د. الجعفري وبذلك يكون قد دخل مرحلة تأريخية جديدة. فهو أول رئيس وزراء عراقي أنتخب منذ تشكيل الدولة العراقية في ظل دستور عراقي ثابت مصوت عليه من قبل الشعب العراقي وحاضي على الشرعية الأنتخابية. ولا يسعني إلا أن أقدم له باقات من التهنئة بهذا المنصب القديم، الجديد، الذي سيُحمله مسؤولية وطنية أكبر أزاء ناخبية وعموم الشعب العراقي. فأي كان المرشح فهو مطالب بأثبات وطنيته على أرض الواقع. لقد أنتهى عهد الوعود العسلية والشعارات البراقة المحلقة بالسماء وسيبتدأ عهد تنفيذ البرامج العملية على أرض الواقع، التي من المفترض أن تحقق الوعود الانتخابية بسقفها الأدنى، ألا وهي تحقيق الامن وضمان لقمة العيش الكريمة وحماية كرامة ومكانة المواطن وتوفير الخدمات الأساسية لعموم الشعب العراقي. يبدو ان القوى الفائزة الاخرى قد استقبلت النتيجة بروح رياضية عالية وحاولت أن تترجم هذا الفوز بهجوم ديمقراطي مباغت وأن ترمي الكرة في ملعب الأئتلاف منذ اللحظة الأولى. فقد سارع رئيس الجمهورية د. جلال الطالباني بتصريح وطني واضح، عبر فيه على حرصة على وحدة القوى الوطنية العراقية، في تشكيل الحكومة الجديدة شرط أن لا يلغى أي طرف أساسي. فقد صرح الأستاذ جلال الطلباني، بعد ساعات من النتيجة، بأن الخطوط حمراء التي يفرضها الأئتلاف على القائمة العراقية تعني خطوط حمراء على القائمة الكردستانية ولن تدخل قائمة التحالف بحكومة أتلافية بدون القائمة العراقية. فهذا التصريح العلني يقوي القائمة العراقية ويقف بالضد من طموح قائمة الأئتلاف نفسها التي تحاول عزل القائمة العراقية، وبذلك يكون مام جلال قد ضيق فرحة النجاح أمام قادة الأئتلاف وقطع فرص ذهبية أمامها سيما وأنها قد نجحت الى حد ما بأجراء حوارات منفردة وبالشروط التي يراها الائتلاف كونه أكبر قوة تصويتية. فهذا التصريح قد أغلق باب المساومات وفتح المجال أمام الائتلاف نفسه ليعيد حساباته ويغير سياسته القائمة على اقصاء الاخر. كان تصريح السيد جلال الطالباني قد اربك كثير من مراهنات قائمة الأئتلاف التي أختارت السيد الجعفري. جاء تصريحه الساخن مباشرة ليُذيب الجليد الذي حاولت قائمة الائتلاف أن تضعه أمام القائمة العراقية. لكن د. الطالباني، المعروف بحنكته السياسية، اراد أن يقطع السبل على قائمة الائتلاف العراقية بمفاوضاتها الثنائية. فكما هو معروف أن قائمة الأئتلاف العراقية قد شكلت لجنتين للحوار احداهما مع القائمة الكردستانية والأخرى مع جبهة التوافق متجاوزة القائمة العراقية أولا والجبهة العراقية للحوار الوطني وكتلةالتحرير والمصالحة ثانيا وبقية القوائم الصغيرة. وهذا ما دفع بتلك القوى الى لمّلمت صفوفها بسرعة لمواجهة هذا الاقصاء غير المبرر. فقد نجحت القائمة العراقية لتشكيل مجلس وطني مع قائمة التوافق وجبهة الحوار الوطني بلغ مقاعده في مجلس الأئمة بـ 80 مقعدا، وهم بذلك يحسبون ثاني قوة بعد قائمة الأئتلاف، في محاولة لقطع الطرق أمام قائمة الائتلاف العراقية لإجراء مفاوضات منفردة. وإن قررت تقسيم الحقائب السيادية وفق الحصص الأنتخابية فعليها ان تأخذهم بالحسبان قوتهم وهم من سيوزع حقائبهم كيفما شاءوا وهذا سيقلص شروطهم على بعض الحقائب الوزارية. فوجود ثلاث تحالفات رئيسية سيضع قائمة الأئتلاف العراقية امام صعوبات جمة، أبرزها أن القائمة الكردستانية لا تتظر بعين الرضا الى رئيس الوزراء سيما وأنها قد اصطدمت معه في الحكومة السابقة. كما أن قائمة التوافق تختلف معها في فكرة فيدرالية الوسط والجنوب التي بات يلوح بها قادة الائتلاف ويطالبون بفرضها بعد تشكيل مجلس الامة وقد حددوها في شروطهم الأربعة للتفاوض. وكذلك أن حملات التي شُنت بحق القائمة العراقية من قتل أعضاءها وحرق مقراتها أثناء الأنتخابات، كلها أشارات لا تبعث الطمأنينة في شكل التحالف المنتظر مع الائتلاف وبالنتيجة سيطلب من الأئتلاف أن يبدي مرونة كبيرة أمام هذا الامتعاض من القائمتين الأساسيتين. أما أذا نجح المجلس الوطني للحوار في أستقطاب بقية القوائم الصغيرة الى جانبه فهذا سيصعب موقف قائمة الائتلاف ليس في التشكيل الوزراي فحسب وأنما في مجلس الأمة أيضا. وبالنتجية فقائمة الائتلاف لن تجد الطرق معبدة مع مفاوضيها وهي الوحيدة التي ستكون قواسمها المشتركة قليلة مع بقية القوائم. فأمام أعضاء مجلس الامة الجديد مهمات أنية مستعجلة أبرزها، اصدار أكثر من 50 قانون مكمل لفقرات الدستور ولكي يصادق عليه يجب أن يحظي القانون بثلثي الاصوات أي يتطلب حوالى 180 صوتا وهذا لا يكمله تحالف الأئتلاف مع الكردستاني، أن توافق معه. لذلك ستكون المناقشات حامية الوطيس داخل قبة مجلس الأمة اكثر من مناقشات مجلس الوزراء. وسنشهد مماطلة لتشكيل الحكومة أكثر من الوقت المسموح. فقد مر نصف الفترة المحددة لأصدار القوانين المكملة وقد تنتهي المدة المحددة بدون تشكيل الحكومة وبالتالي لن يصدر قانون دستوري تكميلي يلبي طموح هذه القوى على حساب الاخرى. فإن جرت الرياح بهذه الشاكلة فستعصف بكل القوى دون تمييز ويعني أننا سنشهد ربيعا ساخنا بالمناقشات والمناطحات التي لا تخدم مصلحة الوطن والعملية السياسية برمتها. وأي كانت شكل الحكومة فلا زال قادة البلد يمارسون دور المعارض السلبي في العملية السياسية ويستخدمون سياسة العصا الغليضة وهذا هو مخالف لأبسط أعراف الحياة البرلمانية الديمقراطية في معظم دول العالم الحرة. فالفائزون داخل قبة البرلمان هم الاكثرية أما المعارضة السلمية، فهي الأقلية وكليهما يتفقان ويقدمان افضل البرامج لعموم المواطن والوطن. فكلا الطرفين هما جزء من الحكومة وأي اخفاق سيعم على الجميع. أن ما يتطلب من الأقلية ان تكون العين الثالثة للحكومة، المكملة والساهرة على مراقبة وتنفيذ برامج الحكومة وأن تأخذ بيد الحكومة لإستكمال العملية الدستورية وإعادة اعمار العراق واصدار قوانين تخدم مصلحة الوطن. بالوقت نفسه سيكون دور الأقلية بنّاء وناقد في أن واحد. فوجود أقلية قوية داخل البرلمان، هي حالة صحية أيجابية، لمراقبة عمل الحكومة ومساعدتها في أنجاح برامجها وليس لتعطيل عملها وتأخير أصدار قوانين تخص الدستور والوطن. بالوقت نفسه يتطلب من الحكومة حماية الأقلية واحترام رأيها والأبتعاد عن سياسة الترهيب والترغيب. فقد شهدنا في الجمعية الوطنية السابقة تقاطعات حالت دون صدار قرارات سليمة مما أضرت بالعملية الساسية بكاملها.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |