|
تشكيل الحكومة والحسابات السياسية والكيمياء السياسية
المهندس صارم الفيلي بعد أعلان مرشح الأئتلاف العراقي الموحد لرئاسة الوزراء , تكون العملية السياسية في العراق أمام الأستحقاق الأكبر وهو تشكيل الحكومة الجديدة , وأختيار وزرائها وما الى ذلك . العملية هذه تحتاج في بدايتها أختيار المجلس الرئاسي المتكون من رئيس لجمهورية العراق ونائبين له على قاعدة موافقة الثلثين . وبعدها تتم عملية التصويت داخل الجمعية الوطنية للموافقة على الدكتور أبراهيم الجعفري كرئيس لوزراء العراق للسنوات الأربعة القادمة , ليقدم الجعفري أسماء تشكيلته الوزارية ويبدأ الجميع بمواجهة الأستحقاقات الداخلية والخارجية . كالأمن والنهوض بالخدمات ووضع آلية حقيقية لمكافحة الفساد الذي بنى مملكته داخل العراق عموديا وأفقيا وبناء دولة المؤسسات وغيرها . أما الأستحقاقات الخارجية فهي الديون ومتطلبات صندوق النقد الدولي التي أشرنا قبل شهرين لها , بأنها سوف لا تتوقف عند زيادة أسعار المشتقات النفطية . بل تتجاوز هذا بكثير لتشمل رفع الدعم الحكومي على قطاع الخدمات من ماء وكهرباء وربما الحصة التموينية وصولا الى فرض شروطا أخرى على العراق المثقل بالديون الكريهة , تشمل خصخصة قطاع النفط بفتح الباب على مصراعيه لنموذج أستثمار أجنبي تختاره الأدارة الأميركية للعراق , رغم المخاطر الجمة وراء رهن المصدر الوحيد تقريبا للدخل ولعشرات السنين ,دون أجراء دراسات معمقة حول الموضوع لموازنة المرجحات الأيجابية والنتائج السلبية للعملية . أريد هنا أن أبين حقيقة واضحة شاخصة بأن البلد تحت الأحتلال الفعلي , وكذلك يتعرض للضغوط الأقتصادية الكبيرة التي تخفي ورائها مطالب سياسية , وهنا على الحكومة التي لم تشكل بعد أن تضع استحقاق المنفعة الوطنية في المقدمة وهذا يمتد الى التعامل المرن مع الأعباء والتبعات والديون والأحتلال بما يضمن أفضل الشروط للخروج من النفق المظلم والتركة الثقيلة للعهد العفلقي الصدامي . لنأتي الى تشكيل الحكومة : عمليا يحتاج مرشح الأئتلاف العراقي الموحد الى ثلثي أصوات البرلمان , وبتعبير آخر الى عدم وجود الثلث المعيق ,واقول عمليا لأن أختيار مجلس رئاسة الجمهورية يتطلب ذلك وهي الخطوة التي تسبق التصويت على مرشح القائمة الأولى داخل البرلمان ,عندها يحتاج مرشح الأئتلاف العراقي الموحد على الأغلبية المطلقة " أكثر من خمسين في المائة " . ماذا يعني هذا ؟ الجواب : العملية السياسية كي تتم تحتاج الى صفقة سياسية متكاملة بين الكتل الرئيسية . لكن أذا تفحصنا في داخل كل كتلة نجد هناك أولويات وخطوط حمراء , بعضها منطقية لأنها تنسجم مع الدستور وأخرى تحاول أن تفرض تغيرات دستورية , في بعض الأحيان دستوريا" أي ضمن الآليات الموضوعة في الدستور لأجراء تغيرات عليه أو سن قوانين منه" . لكن في أحيان أخرى يحاول البعض فرض التغيرات لا دستوريا , عبر التلويح بالمقاطعة أو منطق الضغوطات الأرهابية التي أكسبتهم شرعية جديدة في السياسة هي "شرعية الأرهاب" . أولويات التحاف الكردستاني هي الفدرالية التي ضمنوها في الدستور , لكن حدودها لا زالت عند التحالف مطلب رئيسي , وتأتي كركوك في مقدمة الأولويات هنا . طبعا "الديمقراطية " وهي من المطالب المشتركة لأغلب الكتل والدليل أشتراكها في العملية الأنتخابية والعملية الدستورية التي سبقتها. خطوط مرام الحمراء هي العدول عن أجتثاث البعث وعن الفدرالية " عدا الكردستانية رغم عدم الوضوح في مسألة كركوك ". والآن نسمع من بعضهم فرض أللامركزية على مناطق الوسط والجنوب بدلا عن الفدرالية . كمحاولة للألتفاف على الدستور أولا وفرض قناعاتهم ومصالحهم على الأغلبية العراقية . علما أن اللامركزية توهب من المركز وتسلب كذلك من المركز . بينما الفدرالية تعني حق الأقاليم في تقرير ما هو صالح ومناسب لهم , دون أستطاعة الحكومة المركزية أن تسحب هذا الحق من الأقاليم الفدرالية المختلفة . لكن هل لهم أن يلغوا مادة دستورية تحتاج تغيرها الى توفر الثلثين؟ . ثم لماذا هذا الربط بين البعث الصدامي وبين سكان المنطقة الغربية وفرضه على معظم العراقيين ؟. الا يعتبر ذلك محاولة منهم للمساواة بين الجلاد والمظلوم ؟ نعم عملية الأجتثاث لا تشمل عشرات البعثيين الذين أطاحوا بنظام الحكم في السابع عشر من تموز فقط , لكن في نفس الوقت ايضا لا تشمل مئاات ألآلاف التي كانت تهزج وترقص وتغني حتى الصباح تمجيدا وتسبيحا لصدام والبعث المجرم , في الوقت الذي كان فيه رجال الأمن يمزقون أجساد شرفاء العراق بكلاليبهم ويهدمون البيوت بمعاولهم ويهتكون الأعراض بمفاسدهم ويرقد من يرقد في زنازين الأستعباد بأنتظار الموت وأهازيج البعض تخرق آذانهم , وقصائد أنصاف الرجال تدوي كالمدافع في رؤوسهم . بل يشمل الأجتثاث فقط الدرجات العليا وفيهم العربي والكردي والتركماني , السني والشيعي , المسلم والمسيحي لأن هؤلاء لم يكن لهم الوصول لتلك الدرجات دون أرتكابهم للأعمال القذرة , ليصبحوا ابطالا للمقابر الجماعية والتهجيرات, ابطالا للأرهاب والقمع الدموي وانتهاك الأعراض ونهب الأموال وخرق سائر المحرمات . هؤلاء استمرؤا العمل الحزبي وأصبحوا جزءا من أنساقه القمعية, بدءا من تقتيل المشتبهين بمعارضتهم للنظام مرورا بالتربص بالعراقيين واعتقال الهاربين وكتابة التقارير الحزبيه ليؤسسوا لأشاعة الخوف في جمهورية الخوف, وأنتهاءا بحصولهم على أمتيازات البعثيين, من مراتب مهمه في أجهزة الدوله, الترشح للبعثات والدورات خارج الوطن مؤسسين لبنية تحتيه متينه للفساد وثقافته الذي أصبح الكذب فيها علما والخديعه فنا والنفاق منهجا. بسبب هؤلاء المجرمين أعراض كثيرة أنتهكت , واجساد قطعت , ونساء لا عد لها ترملت ,وأكثر منهن ثكلت , ناهيك عن أيتام عاشت اليتم والخوف والعوز . وهنا أود أن أشير أن الخطوط الحمراء أللادستورية لا تصلح كقاعدة للحوار بين الأطراف العراقية , فلا يمكن أسثناء أي طرف من مباحثات تشكيل الحكومة ,لأن ذلك يعني ألغاء الحقوق الأساسية لناخبيهم . في الوقت نفسه لا يمكن فرض الجميع على الحكومة لأن ذلك يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ومع فقرات الدستور . نعم فليتحاور الجميع أذا أردنا أن نؤنسن الوطن , لتحمل كل كتلة الفكرة التي تحرك الواقع السياسي وان تكون الصوت الذي يرتفع الى مستوى التحدي الحضاري . ثم على الكل أن يفرق بين الحق كمفهوم مجرد وبين كيفية نقل هذا الحق الى الآخر بالوسائل التي يمكن أن يقتنع الآخر بها . كما أن المشاركة السياسية في كل الديمقراطيات غير مقتصرة على الدخول في الحكومة والحصول على المقاعد الوزارية , بل هي بحاجة الى معارضة برلمانية قوية لتراقب الأداء وتشخص مواطن الضعف فيه للتقويم والنقد أو التعضيد بتقديم مشاريع بديلة خدمة للصالح العام . أن تشكيل الحكومة بحاجة الى الثلثين , والثلثان بحاجة الى حسابات سياسية وكيمياء سياسية وربما بايلوجيا سياسية . ونكتفي بهذا الآن
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |