لكي لا يقع سيادة الرئيس في فخ (سعادة) السفير مرة أخرى!

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

 

بعد اجتماعه بالسفير الأمريكي, عقد السيد الطالباني مؤتمرا صحفيا مشتركا معه, على غير ما جرى عليه العرف الدبلوماسي, في أن الرئيس لا يعقد مؤتمرا صحفيا مشتركا مع سفير, كما ليس للسفير أن يقابل الرئيس إلا في حالات خاصة, فضلا عن أن يعقد معه مؤتمرا صحفيا مشتركا! فلم نسمع يوما أن رئيسا للولايات المتحدة ـ مثلا ـ عقد مؤتمرا صحفيا مشتركا مع سفير للعراق. في أحسن حالات السفير وبعد إجراءات متعددة يستطيع مقابلة وزير الخارجية, أو وكيله, للتباحث حول قضية ما.

أما (سعادة) السفير الأمريكي, فإنه يتلاعب بكبار رؤوس الدولة العراقية, من رئيسها إلى رئيس وزرائها, إلى أي شخص آخر فيها. خصوصا دعاة (مقاومة الاحتلال), الذين بليت أحذيتهم في السير من وإلى بوابة مقره, متفيئين ظله (الوارف),  ولكي يتمسحوا بأعتاب من يزعمون أنه عدوهم!! وهم مقاوموه!!    

مَثّل تصريح السيد رئيس الجمهورية في هذا المؤتمر الصحفي لهجة خطيرة, وتحولا كبيرا في لغة التخاطب بين حليفين استراتيجيين ـ كما يفترض. ستنشأ عنه تداعيات أخطر مما يتوقعه, هو و(صاحب السعادة) الذي أوقعه في هذا الفخ الذي كان من الأجدر به أن يتجنب الوقوع فيه, حفاظا على السيادة ـ المفترضة ـ للدولة العراقية, وحفاظا على سمعته كرئيس لهذه الدولة.

وضع سيادة الرئيس ـ بذلك ـ عقبة ليس أمام الائتلاف فحسب, بل أمام العملية السياسية بالكامل, ناسيا أن حكومة (صاحب السعادة) ليس لها صديق ولا حليف سوى مصلحتها, التي ستتعارض ـ لا شك ـ مع قيام أي كيان كردي تحت أي مسمى, إذا ما استمرت التوازنات السياسية السائدة في المنطقة حاليا.

 نسي السيد الرئيس أن البعثيين, الذين يذرفون على (الوطنية المزيفة) دموع التماسيح في مقره, ثم يدمروا الوطن خارجه, ومن يدعمهم؛ هم أعداء الماضي والحاضر والمستقبل أيضا؛ وأنه سيكون أول ضحاياهم, لو تمكنوا يوما من السلطة. نسي ـ أيضا ـ أن البعثيين عندما يكونون في السلطة, هم غيرهم عندما يكونوا خارجها, ولا فرق ـ في ذلك ـ بين يسارهم ويمينهم.

 لا أدري كيف يغامر السيد الرئيس ـ سياسيا ـ بحلف سماه قبل عدة أيام وأسابيع بـ (الإستراتيجي), ليضع خطا أحمرا ليس له من مبرر وفق الفهم السياسي للعملية الديمقراطية. رابطا بذلك مستقبل تحالفه مع الائتلاف, بمشاركة كتلة سياسية صغيرة في الحكومة. إن هذه الكتلة لها حق المعارضة في البرلمان وخارجه, وليس من الواجب مشاركتها بالحكومة. فلم يفرض أحد على الرئيس الأمريكي مشاركة منافسه الخاسر في الانتخابات الأخيرة في السلطة, على الرغم من الفارق البسيط بينهما, في الأصوات, وفي المنهج. لأن المبدأ واحد, بغض النظر عن اختلاف الحالتين والساحتين, وبغض النظر عن حجة الواقعية السياسية الفضفاضة.

 مخطئ من يظن أنه الصراع بين العلمانيين والإسلاميين, لأن الأكراد يعلمون جيدا أن من تحالفوا معهم في السابق ولحد الآن, هم إسلاميون ـ وفق ما هو متداول ـ ولم يمنع ذلك من تحالفهم معهم. علما أن هؤلاء هم إسلاميون بالاسم  ـ من وجهة نظري ـ لأنهم تخلوا عن أي منهج أو مشروع سياسي إسلامي, وتبنوا الديمقراطية على المنهج الغربي, وليس المنهج (المطعم بالواقع المحلي). لقد أثبتت الأيام القريبة الماضية مدى التزامهم بهذه الديمقراطية, وبطريقة غير متوقعة. لذلك أسميتهم في مقالات سابقة (علمانيين متدينين), في مقابل العلمانيين غير المتدينين. فلا وجود عملي وواقعي لصراع من هذا النوع, خصوصا بعد أن أصبحوا "ملكيين أكثر من الملك" في ديمقراطيتهم وليبراليتهم. وليس قانون تجنيس ابن المرأة العراقية عنا ببعيد!  

 لقائل أن يقول: إنها الفرصة المناسبة للي أذرع الائتلاف, للحصول منه على أعلى قدر ممكن من التنازلات, بسبب موقفه الحرج واحتياجه للتحالف لإكمال نسبة الثلثين. وعلى الرغم من معقولية هذا الفرض ـ بدرجة ما ـ إلا أنه لم يعهد من السيد جلال الطالباني الكلام بهذه اللهجة المنفعلة, التي صدمت الكثيرين. لقد صعد الأكراد من سقف مطالبهم عند تشكيل الحكومة السابقة, ولم يعهد منهم تصريحات ولغة من هذا النوع مع حلفائهم الاستراتيجيين, كما عليه الحال الآن. لذا فمن المستبعد أن يكون الأمر متعلقا بسقف مطالب يرجى منها كسب تنازلات.

 تبقى حكومة (صاحب السعادة)! التي أرادت لنتائج الانتخابات أن تكون بهذه النسب الحرجة, فقللت من عدد مقاعد الائتلاف, واجتهدت في وضع العراقيل أمامه, لكي لا ينجح في تشكيل الحكومة, أو على الأقل لا ينجح في إدارة الدولة, لأسباب تتعلق بالتوازنات في المنطقة, ومصالح أمريكا مع بعض الدول (المدللة أمريكيا). وهذا هو ما خططت له حكومة (سعادة) السفير.

  فحكومة غير مستقرة في العراق, لن تطالب بخروج القوات الأجنبية منه, قبل أن يختمر العجين الأمريكي. . وحكومة غير مستقرة تعني أن الائتلاف غير قادر أو غير جدير بإدارة الدولة, وأن الاستقرار مرهون بقيادة أخرى, آمن على مصالح أمريكا منه . . وحكومة غير مستقرة تعني عدم توفير الخدمات, وتباطؤ عملية الإعمار؛ مما سيزعزع ثقة الشارع بها, ويفقدها الغطاء الشعبي, وبالتالي يمكن ـ ببعض الحيل السياسية والإعلامية ـ إسقاطها, أو تهميش الائتلاف أو تفكيكه.

 ولكي تصل حكومة (صاحب السعادة) لغايتها هذه, لا بد من أن تحشر بعض البعثيين ومن وضع نفسه تحت قيادتهم, لإضعاف الحكومة. ولا يتحقق هذا الغرض إلا عن طريق الأكراد الذين صاروا (بيضة القبان) في الساحة العراقية. لذا عمد (سعادة) السفير, للضغط على سيادة الرئيس لكي يصرح بتصريحه الخطير هذا, وبهذه الطريقة الغريبة, مبالغة منه في إرضاء حكومة (صاحب السعادة).

 إن نتيجة فخ سياسي من هذا النوع هي الخسارة للجميع, والرابح الوحيد هو أمريكا, ومن ثم جلاوزة صدام. ففقدان الأكراد لحليف استراتيجي ـ هو الأكبر على الساحة العراقية ـ سوف يعود بالضرر الكبير على القضية الكردية عموما, وعلى مشروع الأكراد العراقيين خصوصا, وإقليمهم الذي سيكون تحت رحمة البعثيين, الذين لا يؤمنون بقيام هذا الإقليم أو سواه. وما قبولهم الظاهري به, إلا تكتيكا لضرب الحلف الاستراتيجي بين الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني. وبالتالي الانقضاض على كل منهم على حدة, خصوصا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار دعم بعض الدول العربية الصريح والواسع لهم, وكذلك مصالح أمريكا مع هذه الدول, والتي لن يستطيع الأكراد ـ في أي حال من الأحوال ـ أن يقدموا بديلا عنها.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com