انتهاك حرمة الكنائس

نبيل يونس دمان / الولايا المتحدة الاميركية

nabeeldamman@hotmail.com

 متى يفهم المتعصبون والسادرون في غيهم ، ان في التعدد ازدهار، وفي التنوع افتخار، فشجرة الحياة في بلاد الرافدين مزدانة بكل الاثمار، من اديان وملل ، من اقوام ونحل ، هكذا كانت منذ بدء الخليقة ومرورا بعشرات القرون . ماذا دهاكم ايها العراقيون المعروفون بعلمكم ونبلكم وشهامتكم ، ماذا دهاكم ومن بين صفوفكم يخرج من يلحق الاذى بقوم آمن ، طيب خدم البلاد على مر العصور ، بل هو صاحب البلاد ، اقول ذلك لا للتقليل من شان الاقوام والاديان الاخرى التي استوعبها وطن النهرين ، فساهمت ايضا في بنائه وتطوره ووصوله الى عتبة القرن الحادي والعشرين ، وبالرغم مما الحق بالوطن من اذى وتخريب ، فلا زال يحمل الامل نحو مستقبل افضل . وانتم ايها الشرفاء من اية فئة او دين تنتمون ، ومن تملكون ناصية الفكر السليم والنظر البعيد ، ادعوكم بل اناشدكم ان توقفوا هؤلاء ، ان تنبذوهم من بينكم ، وتحرضوا العباد ضدهم ، وتفتوا في مساجدكم بحرمانهم ، اتبعوا الطرق التي تجبر هؤلاء الاشرار ليغيروا طريقهم ، ويكفوا ايلام هذا القوم المسالم ، الذي لا يملك القوة للمقاومة او الرد ، سوى الهرب وترك البلاد ، ليس فرحا لما هو مقبل عليه ، بل ملتفتا بحسرة والدموع تملأ عينيه ، لارض ابائه واجداده ، وبالاساس لا تسمح تعاليمه الدينية واعرافه الاجتماعية بالانتقام ، ويكرر على الدوام بطريركنا الجليل والسامي الاحترام عمانوئيل الثالث دلـّي : ان سامحوا مبغضيكم وصلـّوا من اجلهم ، لقد قال المسيح عن امثال هؤلاء ( انهم لا يعلمون ما يفعلون ).

 ماذا يظن المتعصبون ومن يشجعهم ويوجههم ، في القضاء على المسيحيين او طردهم بالكامل من بلادهم الاصلية ، هل يوفق من يبقى في البلاد ، بل هل سيعيش المسلمون اذا تحققت تلك الغاية ، بالراحة والعافية فتستريح البلاد وتتقدم ، انا في شك كما يقول الشاعر مظفر النواب " انا في شك من بغداد حتى جدة " ، بل اعتقد جازما بان ذلك لو حصل لا سامح الله ، فتكون نهاية العراق من الخارطة ، ليس من الخارج بل التآكل والفناء من الداخل ، اذا لم ينصب ايضا غضب السماء التي شاءت ان تولد من مشيئتها الاديان الثلاثة ، في تلك الاراضي الجميلة من بلدان الشرق الاوسط .

 المسيحية لم تولد في اوربا او اميركا ، ولم تات من بلاد فارس او تركيا او افريقيا ، المسيح ابن ارضنا تجسد واكتسب لون جلدنا الشرق اوسطي ، وسرت في عروقه دماء هذه الارض الطاهرة المقدسة التي تمتد ، من اعالي النيل الى الفراتين ، فكيف بامكان المخلوق ان يعارض ارادة الخالق ، وماذا ينتظره من مصير في الدنيا والآخرة ، من سلك ما يغاير تلك الارادة السماوية . البلد والارض اذا خلت من اتباع احد انبيائها فسيلحقها الرب بارض ( سادوم وعامور) ، فهل تريدون هذا المصير ايها الحريصون على مستقبلكم ومستقبل اولادكم ؟

 الطامعون بارضنا وخيراتنا ، والمتدخلون في شؤوننا ، من الغرباء ومن اي بلد او قارة يأتون ، لا يتبعون تعاليم المسيح ، بل هي السياسة والاقتصاد والمصالح التي تحركهم ، المرأة مثلا في اميركا واوربا لم يغيرها التعليم المسيحي ابدا ، بل غيرتها الثورة الصناعية ومتطلبات الاستثمار والاحتكار ، كل الاثام والسقوط والانحرافات وبالتالي الجرائم ، تاتي من الاحتكار والمضاربة ، ومن الجشع والانانية . التعاليم المسيحية سمحاء والمرأة الملتزمة بها بتولية ، احتذاءا ً بمريم العذراء التي يرفع شأنها الاسلام الى الذرى ، ويجلها القران الكريم . المرأة ايها الاخوة لم تغيرها التعاليم الدينية ، المراة خرجت من ظلام القرون الوسطى الى العمل والى الواجهة ، فتحررت كما تحرر الرجل ، وازالت غبار العصور المتراكم ، لكي تستطيع اطعام اطفالها ، وذلك بالعمل الشاق ، وفي ظروف تعيسة تحت ظل تنامي راس المال وجشع الراسماليين ، واي انحراف خلقي على هذا الطريق لم يات من النظريات والتعاليم بل من الازمات الاقتصادية .

 الديانة المسيحية وتعاليمها لم تغير النساء ، انظروا الى المسيحيات في كنائس الشرق والى الراهبات ، انظروا الى احتشامهم ، ان عادات المسيحيين في الشرق من عادات المسلمين ، والجميع من ذرية ابينا ابراهيم الخليل ( ع ) . في السبعينات من القرن الماضي وفي محيط الجامعة ، لم يكن بامكان احد ان يميز الفتاة السافرة من اية ملـّة او دين تكون ، فالاكثرية يشتركن في ذلك . اذا اراد احد التاكد من حشمة النساء المسيحيات ، ليقم بزيارة الى قرى المسيحيين وبلداتهم في محيط نينوى ، فجيل امي لا يضاهيه في احتشامه ، ولا يستطيع احد المزايدة فيه ( لا زالت امي تعيش في اطراف نينوى ، ولا زال زيها هو هو لم تغيره السنون ) ، المسالة قديمة قدم الدهر، فزي النساء الاشوريات ، او الكلدانيات ، او الأيزيديات لم يتغير تقريبا من عهود ما قبل الاسلام ، وصولا ً الى الامبراطوريات الساطعة في التاريخ .

 ضعوا ايها الاخوة وازع الايمان وخوف الله في صدوركم ، فوطننا شراكة للاجناس والاديان منذ بناه اجدادنا السومريين ، فلا تفرطوا به ، لقد استلمناه لنطوره ونرفعه ، لا لنخربه ونذله . الدنيا لا تدوم لاحد ، فامامكم صدام حسين الذي عاث فسادا ولفترة طويلة ، فعاقبته السماء قبل الارض واذل وايما اذلال ، عندما اخرج متسخا من حفرته في كانون اول 2003 ، هكذا هو مصير الطغاة في اي زمان او مكان ، الان صدام حسين يحاول الاستأساد في محكمة تعامله كانسان ، وارادت ان تظهر للعالم تمدن شعب العراق ، وقد يتصور الطاغية بفكره الشرير، بان محاججاته تنقذه من حبل المشنقة المتدلي او تحفظ له ماء الوجه ، لكن شانه شان غيره من رموز الشر، ينسون مصير الطغاة عبر التاريخ ، ويفوته الان التذكر بانه ميت وان بقي على سطح الارض يتنفس وينطق ، لقد توفي صدام ، رقن قيده ، وانتهى مسلسله المرعب الذي طحن العراقيين بالملايين ، يوم اخرج من القبو ، وان بقي سنيناً اخرى يقتات ويلسِّن .

 الاديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام متسلسلة في التاريخ ومترابطة ، واستقت كل منها تعاليمها من الاخرى ، هي في الحصيلة موروث البشرية ، وبالتالي لا يمكن الغاء او تهميش احداها ، بل جعلها متكاملة متفاعلة ، تواكب العصر ، تلتقي باستمرار للمشورة وايجاد افضل السبل لاصلاح البشر، والابتعاد عن اغراءات الدولة وعن الحكومات ، لصالح الانصراف الى الارشاد والخلوة ، وتقديم الصلاة والذبائح ، كما كان يفعل اجدادنا . اما مسالك التحزب ، والتسيس والدولة وتقلباتها كل يوم ، فتترك تلك المهمة الى قطاع واسع من البشر، ويبقى قطاع اخر، حراً في حفظ تعاليم الاديان ونشرها باساليب الاقناع ، دون استخدام القوة ، او الارغام في فرضها ، وبين القطاعين تداخل ووشائج لا تحصى . ان لم تدرك تلك المجاميع التي انخرطت في السياسة او الاحزاب او الجيوش او المنظمات بهدف تكريس العنف ، وفرض السيطرة ، واستعباد الاخرين ، ان لم تدرك تلك الامور، فانها تقامر وتغامر، حتى تنتهي كل امكاناتها ، وتستنفذ كل وسائلها ، انذاك يحترق الاخضر واليابس ، وتكون نهايتها الزوال كأية دكتاتورية ، قومية او دينية ، ومن الرماد ينهض مجددا طائر العنقاء .

 اثر تفجير كنائسنا في بغداد وكركوك يوم الاحد 29- 1- 2006 سقط ضحايا ابرياء ، مثلهم مثل من يسقط من اخوانهم المسلمين في المساجد او الحسينيات او العراقيين عامة في الشوارع اوالساحات ، وبالامس في انفجار كنيسة كركوك ، سبح في دمه الطفل ( عصفور الجنة ) فادي رعد الياس ، لا لذنب اقترفه بل ضحية تصرف همجي غير مسؤول ، ان التاريخ يعيد نفسه كما يقول احد الفلاسفة ففي دورته الاولى مأساة وفي الثانية ملهاة ، فالعائلة التي فقدت طفلها ، هي نفسها التي فقدت الشهيد الياس ( بدالة ) جد الضحية فادي امام دكانه ومصدر رزقه ، في شوارع كركوك قبل قرابة الاربعين عاما ، في ازمان شبيهة ، كانت تضخ حقدا وكراهية ، وعلى ايدي سلالة ارهابيو اليوم .

 متى يتذكر ويعي الجميع بان المسيحيين في العراق اخوة لهم وشركاء معهم ، يحبون خير العراق ويحرصون على تقدمه ورفاهه بكل ما امتلكوا من قوة وامكانات ، وهل نسي الاخوان كيف تصرف المسيحيون ايام حصار الفلوجة ، فجمعوا المساعدات والاغذية في شاحنات توجهت من قراهم وبلداتهم لنجدة اخوانهم . وفي الامس كان يتوجه مطراننا الجليل مار ابراهيم ابراهيم الى الوطن الحبيب ، ايام الحصار الظالم في التسعينات ، وهو محمل باطنان الادوية والاغذية والهبات النقدية ، لتوزع على المسلمين والمسيحيين معا ، في تلكيف والموصل وبغداد . وفي الامس الابعد اليكم هذه الحادثة من زمان الخليفة عمر بن الخطاب ( رض) ونقلا من كتاب ( اثر قديم في العراق ) تاليف كوركيس حنا عواد : " مرض شيبين بن عقبة حاكم الموصل ، ولم يعد بمقدور الاطباء ابراءه ، فاشاروا عليه ان يحمله الى الراهب هرمزد فانه سوف يشفيه ، وكان عقبة قد سمع بامر هذا الراهب وما يتاتى على يده من الاعمال العجيبة ، فذهب بابنه الى جبل بيث عذري مقر الربان هرمزد ، ولدى وصوله الى القوش مات الصبي فتالم والده من اجله الشيء الكثير ، فاجتمع بين يديه اهالي القوش واقنعوه ان يذهب بابنه الى الربان هرمزد فقد يتمكن من اعادة الحياة اليه كما فعل ذلك مع البعض من قبله . وكانت النتيجة كما توقعوا ، فان الربان هرمزد احيى الميت وصار فرح عظيم لجميع المسلمين هناك والالقوشيين وشكروا الرب على نعمته هذه بواسطة القديس هرمزد ، فاصبح للربان هرمزد مكانة رفيعة في عيني الامير ، واصبح الامير من اكبر المساعدين والمعاضدين للربان هرمزد " ، فهل يفتح الاخوان آذانهم ليسمعوا ، يقول المسيح ( من له اذنان فليسمع ) . ليتذكروا دوما تصريحات رجال ديننا بالدعوة الى التكاتف والتآخي ، ولم يدعوا مناسبة دينية اسلامية ، الا وبعثوا فيها بتمنياتهم والتاكيد على تلك الحقائق والمسلمات التي في الاساس نادى بها المسيح ، واعطى حياته على الصليب ثمنا لها .

 رغم عوادي الدهر ، فكل ما يحدث اليوم ان شاء الله ، طارئ وزائل لا محالة ، وستصفى القلوب وتعود الطمأنينة الى النفوس ، ويتعافى عراقنا الجميل ، وتبقى الاديان السماوية الثلاثة ، مترابطة متآصرة مثلها مثل ايام الجمعة والسبت والاحد ، وهل بامكان كتلة بشرية مهما بلغت من الجبروت والقوة ، في اي مكان او زمان ، ان تفرط عقداً تلألأ من ايام الاسبوع ؟

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com