مجلس الحل والعقد هل يمثل ألتفافا على الدستور والديمقراطية؟

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com

مرت ثلاثة أعوام تقريبا على سقوط الطاغية , رغم ذلك لا يزال المشهد العراقي غير واضح المعالم , من الناحية السياسية والأقتصادية , رغم أجراء عمليتين أنتخابيتين ناجحتين وأنجاز دستور قبل من الشعب العراقي . ثلاثة أعوام وأمن المواطن البسيط في خطر يومي مستمر , يخرج الصباح بحثا عن رزقه ورزق عائلته وهو خالي الصدر الا من الأيمان وحب الحياة .
ثلاثة سنوات وقبلها عقود وقرون أثبت شيعة العراق أنهم غير أرهابيين , وهم يقتلون " مبني للمجهول" عبر التاريخ , كذلك في عراق اليوم الذي شهد تحولا جزئيا كان لنا الأمل ومازال أن تعدل ولو بشكل تدريجي من أنحراف المعادلة الأجتماعية التاريخية , لتتراكم الأنجازات كي تصل الأغلبية الى خط شروع متساوي وتردم كل الفجوات الأقتصادية والوظيفية وغيرها , بينها وبين من أستحوذ على الملك على طول خط التاريخ الطويل. أثبتت الأغلبية العراقية بأنها الضمانة لأرساء مجتمع لا يؤمن بالظلم ولا بالأرهاب وكلنا يقرأ في الأدعية :
"للهم فكما كرّهت لي من أن أظلم فقني من أن أظلم" أننا لا نريد أن نظلم أحداً وأن لا يظلمنا أحد .
مع كل ذلك فقد بقي الوضع يراوح في مكانه , أن لم يتجه من سيئ الى أسوء في كثير من المواقع ,الا أننا مستمرين بشكر اللة سبحانه وتعالى مسبب الأسباب لخلاصنا من أعتى طغاة التاريخ .
رغم بقاء الحالة السلبية تتحرك خلال الكثير من المفردات اليومية . لأن ماساعد على ترسيخ حالة السلبية عند المواطنين بعد سقوط صنم النظام ماظهر ان ذلك السقوط لم يكن نهائيا لمنظومة البعث المجرمة، ولم يعطى الشعب المجال كي يكمل مهمة تطهير المجتمع من ذلك الطاعون، بل شاهد عودة البعث الى السلطة بحلته الجديدة، ليزداد المواطن المسكين توجسا ويبقى البعض مشلولا من ذلك الخوف المزمن من عودة العفالقة الى السلطة واسئنافهم عمليات الأبادة والمجازر الوحشية، وساعدت على ذلك الممارسات غير الشفافة والأستغراق في الفساد الأداري والمالي وبروز فاضح للمحسوبية والمنسوبية والرشوة التي نخر الجهاز الحكومي الى حد العظم، ليجد المواطن نفسه مهجورا معزولا غائبا عما يدور من احداث ومجريات سياسية، مما ادى الى انكفاءه لهمه اليومي الذي اخذ ابعادا كارثية بسبب الأرهاب والبطالة وتدهور كبير بالخدمات الأساسية .
لقد تظافرت عوامل محلية وخارجية لتكبح ذلك الزخم الطبيعي للشعوب التي تنعتق من انظمة مجرمة فاشية كنظام البعث، واقصد ذلك الحراك الجماهيري نحو اجتثاث رموز و " وافكار " الدكتاتورية، كالتي حصل في اوربا مع النازية والفاشية، رغما انها لم تتسبب بشكل مباشر بأرتكاب مجازر ضد شعبها، كالتي حصلت في الحالة الصدامية، حيث دفنت تلك الأيديولوجيات ولم يعد لها تأثير طيلة عشرات السنين السابقة، بسبب يقظة تلك المجتمعات المتحضرة بأتخاذها اجراءات دستورية وسنها لقوانين واضحة تجعل من عودة تلك الأفكار الشاذه المجرمة امرا يقترب من الأستحالة، واية دعاوي أو مجرد محاولات هنا وهناك للتمظهر ببعض سلوكياتها تعتبر حالات مستهجنة وتحاصر وتعزل بفعل عقل جمعي تشكل بتظافر عوامل داخلية وخارجية " كتأثير الدول المجاورة لألمانيا بأتجاه أجتثاث النازية .
أما في العراق لم تتوفر تلك العوامل الخارجية بأتجاهها الأيجابي، بل العكس، ظهرت أرادات خارجية معيقة فغياب الديمقراطية في الكثير من دول المنطقة والخوف من تهديد عدواها انظمة قامت على مبدأ الأستخلاف، اعتبرت احدى اسباب تقديمها للبعثيين والظلامين دعما سياسيا ولوجستيا أدت لأدامة زخم ايذاءهم . أما السلفية في بعض الدول المجاورة فالقضية عندهم ليست ارضا محتلة، فهناك اراضي محتلة في الكثير من دول المنطقة . وانما تاريخ وفكر مهددين . المشكلة ليس زوال صدام وانما معادلة اشراك كل مكونات الشعب في قيادة العمليةالسياسية وهذا يحطمالقاعدة التي قامت عليها عقيدتهم السياسية الأستبدادية وبعدها الطائفي العنصري ذات الأ متدادات الأقليمية، ليكون الواقع العراقي الجديد بنظرهم ثغرة تقوض أركان هيمنتهم التاريخية . كانت لأرادة خارجية- داخلية، وأقصد بها الجانب الأميركي، ان تساعد في قلع البعث بأنفسهم أو فسح المجال للقوى المناهضة للبعثية منذ ايام مجلس الحكم وحتى الآن بتمكينها استخباراتيا وتسليحيا وسياسيا، لكنها فعلت النقيض من ذلك بالسماح للبعثيين في تولي الملف الأمني وبقية تداعيات المشهد المأساوي اصبحت معروفة، واعتقد ان السبب وراء ذلك الأحتفاظ بالورقة البعثية والتلويح بها لكبح جماح التطلعات المشروعة للأغلبية المضطهدة والحفاظ على توازن معين يخدم مجمل ستراتيجيتها في المنطقة، ويعزز من هذا الرأي ما كنا نراه من حرية مطلقة لهيئةالضاري وأمثالها , تصرح بشكل واضح بضرورة مقاومة الأحتلال, وكم كانت تبرر عمليات الخطف والقتل التي كانت تقوم بها فلول الصداميين، والسلفيين التكفيريين، بينما لاتحرك تلك القوات ساكنا في القبض عليهم ومحاسبتهم . على كل حال كنا نقول أن مشروع التحول الديمقراطي هو مشروع وطني, ولايغير في ذلك اذا دعمته اميركا، بل حق على الشعب شكرهم على ذلك، وعند وجود نوايا غير حسنة منهم تجاه مصلحة اغلبية الشعب، علينا ان نبقى معها في دائرة تطابق المصالح، التي لاتعني بالضرورة تطابقا في النوايا، وان نحاول بكل امكانياتنا تحييدها، بل التأثير الأيجابي بنوايا غير واضحة التشخيص للسياسيين بدرجة او اخرى، عن طريق اظهار الحكومة المنتخبة بأنها مطلب شعبي، لانتيجة انتخابية فحسب ممكن لمعادلاتها ان تتغير كثيرا مع مرور الوقت وتبدل الظروف، عندها تكون مصلحة الجانب الأمريكي الأبقاء على صداقته لأغلبية الشعب من خلال التعاطي البناء مع ممثليه الحقيقيين على قاعدة المصالح المتبادلة .
الأرادة الأخطر داخليا، ذلك الزواج الشيطاني بين البعث الصدامي الذي ارتدى القناع الطائفي السني طبعا كون التسنن من لوازم العروبة عند الكثير من العرب غير العراقيين، وبين التيار السلفي بشقيه الداخلي والخارجي، ليتحصن الجميع خلف سواتر "مذهب عموم المسلمين " ويرتدوا قميص طرد المحتل الذي جاءت به جرائمهم وحماقاتهم وغطرستهم بحق اغلبية الشعب، الذي عومل طول ليلهم الطائفي الشوفيني الطويل كتابع وليس شريكا في الوطن، هذا الوطن الذي استعمروه، ثم تركوا بوابته مفتوحة امام القوى العظمى ليتواروا جبنا وخسة عن الأنظار لشهور .
ألسؤال هل قبلت اميركا ما افرزت من نتائج في الأنتخابات , أم قبلت بها على مضض , مع العمل على أفراغها من محتواها.
الجواب الثاني يبدو هو الصحيح كنتيجة عامة , وربما كحقائق تفصيلية في بعض زواياها . بالنظر لجميع الأصطفافات التي حصلت بعد اعلان النتائج , ضد تصدي الأغلبية المهمشة , كونها صاحبة القائمة الفائزة الأولى .

مما دفع السفير الأميركي أن يظهر كمندوب سامي في المستعمرات البريطانية القديمة . يفرض شروطا على تشكيل الحكومة وكيفية المشاركة فيها ونوعية المشاركين , ويرسم حدودا لا يمكن للفائزين أن يتعدوها , ويضع خطوطا حمراء على تشكيل الوزارات الأمنية , معللا كل ذلك بمصلحة دافع الضرائب الأميركي التي تقتضي استثمار أمثل من وجهة نظرهم للأموال التي صرفت على قواتهم في السنين الثلاثة الماضية . متناسين أن حربهم كانت لأهداف تتعلق كما قالوا بالدرجة الأولى بأمنهم القومي ومايشكلة صدام المجرم من خطر عليهم , لا مصلحة العراقيين كما يتوهم البعض , وان جاءت هذه المصلحة كتحصيل حاصل مترافقة مع الستراتيجية الأميركية ليس من باب التخطيط المسبق , وانما كصدفة أو لنقل ما شئنا . فصدام كان مدعوما من قبلهم وهو يرتكب المجازر وجرائم الحرب, وفي فترة لاحقة مسكوتا عنه وهو يستثمر الحصار لتجويع من لا يثق فيهم وتجهيلهم وتعريضهم لشتى انواع المخاطر الأجتماعية ذات الأبعاد الصحية التي أدت الى موت مليون شخص من نوع مذهبي معين .
هنا يقفز الى الذهن سؤال نطرحه , وقد طرح سابقا من قبلنا ومن الآخرين :
ماهي الديمقراطية الأمريكية المقبولة للعراق ؟
هناك جواب فيه مقاربة تقترب بل تكاد تلامس الواقع , على الأقل برأينا , ولو كنت اتمنى ان اكون مخطئا بدرجة أو باخرى , لكن لامكان للتمنيات في عالم السياسة , فن الممكن في واقع متحرك بسرعة كواقعنا العراقي . هناك رأي يذهب الى ان الديمقراطية المقبولة هي تلك التي ترسم خطوطها وتوازن تركيباتها ويتم التحكم بأتجاه مسارها أمريكيا وعن بعد بواسطة أحصنة طروادة من كبار ضباط الجيش والأجهزه الأمنية والأستخباراتية , وهي تشبه الى حد كبير تلك الموجودة في تركيا حيث الخطوط الحمراء التي تظهر على السطح بين الحين والآخر عندالمنعطفات الكبيرة التي تنذر بتحولات نوعية في الوجه السياسي للبلاد لاتنسجم مع ما مرسوم لها . لقد قامت الجيوش التي حمت دكتاتورية الأقلية في أكثر البلاد العربية بهذا الدور سابقا وقبل أحداث سبتمبر. وهذا يفسر الرغبة الأمريكية السابقة وربما الحالية أن يكون علاوي رئيسا للوزراء الذي أعاد البعثيين في حقبته الى قيادة المفاصل الأساسية للأجهزة الأمنية واصراره على الأبقاء عليها دون احداث اية عمليات تطهير فيها وان يتولى هو قيادتها . وما التقارير الأخيرة من تدريب ضباط عراقيين موالين للدكتور علاوي في أميركا على أمور تقنية أمنية خاصة , وألأصرار على تشكيل مجلس حل وعقد مشابه لمجلس الأمن القومي التركي الا قرائن قد ترتقي الى مستويات الأدلة في قوتها لتثبت صحة تشخيصنا المذكور .
مايعزز من مخاوفنا : ينقسم المنظرون الأمريكيون أو بشكل أعم الغربيون عند مناقشة الديمقراطية إلى فريقين:
الفريق الأول يؤيد ان تكون الديمقراطية أسلوباً سياسياً مطلقاً, بل يرى ان تحقيق الديمقراطية في مجال التطبيق العملي في دول العالم الثالث لا بد ايضا ان تتوفر على بعض الشروط والنظريات والظروف الخاصة, لولاها يكون هذا الأسلوب غير صالح بل وضار أحياناً . ومن هذه الشروط امور مقبولة كترافقها مع النمو الأقتصادي مثلا وارتفاع المستوى العلمي , مع البدء حالا بالممكن , وقد يضيف بعضهم شروطا اليها ترتبط بمصالحهم السياسية والأقتصادية وهذه كما ذكرنا سابقا في مناسبات اخرى ايضا مقبولة لدينا , بشرط المنفعة المتبادلة , وقلنا جيد ان تلتقي المصالح, واكثر من جيد هي ديمومة هذا الألتقاء لأمد ليس آني بل متوسط مثلا , وأكثراكثر من جيد أذا التقت الأهداف مثلا حول مشروع حضاري اساسة التفاهم المبني على قاعدة العدالة , لكن السلبي اذا نظروا اليها من منظارهم التقليدي الذي جلب الويلات على العالم بأسرة , بأن نلغي شريحة واسعة أو نعرقل دورها في الوصول الى الحكم وان وصلت تعمل كل ما بجهدها ان يكون هذا الوصول محدودا ومطوقا بآليات تعيق أطلاق الأيدي للمسؤولين في التصدي الحر لمتطلبات مسؤولياتهم بشروط موضوعة دستوريا . حتى لوأتت تلك الأعاقة بأستخدام اساليب تتعارض مع مبادئ العمل الديمقراطي , وهنا سوف تجدنا انتقلنا الى تشخيص الفئة الغربية الثانية , وهي بدرجة لاتقل تطرفا من تطرف التكفيريين اعداء اللة والأنسانية - من جهة الفكر الأقصائي- ففيهم هؤلاء المنظرين الأمريكيين من لا يفكر الا بطريقة الألغاء , ولم يتحرر من طريقة تفكير عقلية الحروب الصليبية ولا يحاول ان يفتح عينيه امام, واقع كبير ومؤثر ومتنام ي في العراق التاريخي,وهو واقع الحالة الأسلامية واضطرادها في النمو. حتى قد يصل الامر بهؤلاء إلى سحق متبنياتهم كالديمقراطية وحق تقرير المصير للشعوب ومبادىء حقوق الأنسان عندما تكون هذه المتبنيات والمرتكزات الاساسية في حالة يمكن ان تستفيد منها التنظيمات الأسلامية الشيعية العراقية , بحجج ومخاوف غير صحيحة ومعروفة .نقول رغم أنهم يشاهدون وبأستمرار أن الأسلام لا يمانع في قيام انتخابات شعبية حرة بقطع النظر عما أذا افرزت اسلاميين أم غير اسلاميين , عندها يتعاونون مع من فاز عليهم تعاونا حضاريا , بل يعضدوه , بأبداء المشورة الحسنة له خدمة للمجتمع , باعتبار ان التعددية في اطارالأسلام الذي نفهمه والمطبق في الحالة العراقية لايضع حق نقض اسلامي على غير الاسلاميين المشاركين في الأ نتخابات بصورة , غير دستورية .
ماهي المتاحات أمام القائمة الفائزة الأولى أذا لوحظ ألتفافا أو تآمرا على النهج الديمقراطي الوليد؟
- ألأظهار المستمر والمتصاعد لتبني مبدأ الوسطية والتعاون البناء لخدمة العراق الجريح دون التورط في مشاريع أخرى على قاعدة مبدأ السلم الأهلي والتعاون الدولي البناء , بعيدا عن العنف بكل مستوياته , ابتداءا من عنف الفكرة والموقف وانتهاءا الى الأرهاب الذي نجد مصداقه يوميا ضد كل مايمت لأهل البيت(ع) بصلة.

بدرأ كل تلك المفاسد , والتمييز بين صلابة المبادئ من حيث ماتمليه العقيدة ومرونة الأساليب من حيث ما تمليه الحكمة التي هي ضالة المؤمن والتي تشكل مرتكزا اساسيا في ساحة الممارسين للسياسة من موقع الدولة . فليفهم ذلك كل البعيدين عن الحالة الأسلامية , قبل ان يطلقوا عبارات او جملا غير لائقة ضد الأسلام العلوي الأصيل .
- التلويح بأوراق القوة المتمثلة بأمور : منها زخم الملايين من الناخبين الذين وجدوا في ممثليهم أملا لهم في طوي لحالة الصدامية وأجتثاثها من كل الميادين وبمختلف السبل . وهنا يأتي كذلك التلويح بالتصريح أو التلميح الى وجود كيان يمكن أن يكون مستقلا وله كل مقومات الأستقلال من حدود وجغرافية وموارد ومنافذ وأحتياطات عملاقة للطاقة وثروة بشرية حياتها فوق الوحدة الوطنية غير المبنية على العدل وفوق أي شعار آخر .لأن حياة المواطنين تكون في المقدمة ثم حياة الدولة .فأن تهددت الأولى ,أنتفت الحاجة الى الثانية ,لأنها مؤسسة وظيفتها الحفاظ على المواطن ومصالحه وخياراته وحاضره ومستقبله وليس كيانا مقدسا .

هنا سيفهم الجميع الأسس الصحيحة لبناء الوطن وقيام وحدة وطنية حقيقية .
ونكتفي بهذا ألآن
 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com