|
مرة اخرى يطل علينا الأرهاب بوجهه الكالح، الغادر، ليفجر واحد من الأماكن المقدسة التي يأمها العراقيين من مختلف أنحاء العراق. جاء تفجير مرقد الاماميين علي الهادي والحسن العسكري بعد جولة من المفاوضات المتأزمة بين الكتل والقوائم العراقية الراعية للعملية الديمقراطية. لكن هذا الحدث الجلل جاء ليتخطى الخطوط الحمراء التي يحاول قادتنا بعدم الاتفاق عليها فيما بينهم. أن هذا الحدث جاء ليكمل مسيرة تعميق ثقافة تكسير المقدسات وانتهاك مشاعر المواطن والوطن مهما كانت غالية. لقد أعتاد الشعب العراقي الذي سلم أمره لقادته، على أن حل كل ازمة سياسية أو أنتخابية، سيكون ثمنها دماءه المهدورة بدون قيمة ولا أعتبار وأجساده المفحمة، المتناثرة، في الطرقات. وبعدها يكتفي المسؤولون في بيان خطابي عالي التردد يدينون ويستنكرون ويشجبون ويرفضون وسيحاسبون...وغيرها من الكلمات الحماسية وأحيانا يدّعون انهم عثروا على منفذي الجريمة وسينالون القصاص العادل. ولحد اليوم لم نر لا قصاص عادل ولا حتى ظالم ولم يقدم الى المحاكم إلا مجموعة قليلة ممن أرتكبوا ابشع الجرائم بحق الشعب. ثم تطوى صفحات الحدث وتقيد ضد مجهول وتعاد كرّة المفاوضات من جديد التي تسمى بمفاوضات سلمية او ديمقراطية لكنها بواقع الحال هي مفاوضات مكتوبة مفرداتها بدماءالشعب العراقي. بل والأنكى من هذا كله، أنهم بعد أن يلقوا القبض على زمرة من القتلة، تتيقض، بمسؤولي القرار، الروح الانسانية والعدالة الاجتماعية ناسين ما نفذه هؤلاء السفاحين من جرائم يندى لها الجبين. فتفجير مرقدي الأماميين الشعيين في مدينة يسكنها عراقيين من ذوي الأنتماء السني ( كم هي كريهة هذه اللغة الطائفية لكني أجد نفسي مضطرا لكتابتها لإستمكال مناقشة الحدث الجلل) هو محاولة صب زيت شديد الاشتعال، على نار الفتنه الطائفية التي أذا أشتعلت فستحرق الاخضر واليابس ولم ينجوا منها لا قادة ولا شعب العراق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو من يقف وراء هذه الأعمال التي تجاوزت كل المقاييس الوطنية...أهي لتمرير صفقة سياسية جديدة؟ لماذا تم الان أستهداف المراكز الدينية وخصوصا في هذا الوقت بالذات؟ ولم لا تتم أتباع سياسة وطنية شاملة لمكافحة الارهاب؟ لمَ لا تنفذ اقصى العقوبات بحق الذين ذبحوا أبناء العراق؟ ولمَ يطلق سراح مئات المجرمين من السجون؟ فأنا لأول مرة أرى على الفضائيات العراقية أشكال الذباحون العراقيون والعرب الذين يفتخرون بأنهم ذبحوا عشرين أو ثلاثين مواطنا عراقيا وبعدها ممكن ان يحكم عليهم باحكام مخففة؟ أليس هذا أستخفاف بكرامة المواطن العراقي وانتهاك صارخ للمقدسات الوطنية؟ هذه مرتكزات ثقافتنا الديمقراطية الجديدة. إن الذي لم نألفه هو أن الجسد العراقي بات لا يفي بالحل أحياناً بل دسنت مقدسات الوطن ايضا إذ تمادت الاحداث الأرهابية لتصل الى الكنائس والمعابد وبيوت الله، كل هذا الاجرام، لكنهم لم ينجحوا بتمرير هدفهم. وكل مرة يطالب قادة البلد الشعب العراقي بالتحلي باليقضة وتمرير الفرص على الأعداء. لكن هذا الحدث الجلل جاء ليلهب نار الفتنة التي يقف وراءها قوى داخل وخارج العملية السياسية. فجاء رد الفعل سريعا بحرق 136 مسجدأ أضرمت النار علنا وبدون وازع أو أحترام للمشاعر، ووجدت 40 جثة مجهولة الهوية مرمية في أطراف بغداد، مما حدى بكل المرجعيات الأسلامية الى مناشدة أبناء طائفتهم لوقف هذا الحريق الطائفي. ترى من هو الذي يؤجج لهذه الحرب الطائفية؟ أهو الشعب العراقي الاعزل الذي لا يعرف متى سيقتل وأي يد غدر ستطوله، أم أن هناك قوى تراهن على بقاء حال الأشتعال الطائفي مستمرة في العراق؟ هذا المسلسل الذي مورس عشرات المرات بحق الشعب العراقي، أبتداءا من اغتيال المرجعيين الشيعيين العراقيين ومرورا باغتيال قادة وطنيين وأستمرارا بتفجير الصحن الحيدري واليوم يفجر مرقد الاماميين الطاهرين والقادم اشرس. ورغم كل هذه الفواجع الجلل يصاب الارهاب بنكسة جديدة فيقف الشعب العراقي هادئا غير منحار أحيانا الى هذه الحرب. لكن الغريب بالامر أن كل هذه الفواجع يتحملها الشعب العراقي وممتلكات الوطن وتراثه، أما قادة العراق المنتخبين فلم يتحملوا شيئا بل ولم يستفيدوا من العبر والدروس وكل مرة تفوت عليهم الفرصة ويتباعدون اكثر ويتناحرون في خطاباتهم مما يتمخض عن ذلك فاجعة جديد تكلف المواطن والوطن دمارا حقيقيا. إذاً من هو الذي يخدم النار الطائفية؟ اهو الشعب الاعزل أم قادته المتناحرين، المتباعدين، الذي حولو البلد الى مدن أمنة واخرى ملتهبة. واستمرار مناحراتهم وخلافاتهم سهلت الفرص أمام اعداء الوطن لتنفيذ مخططاتهم. حتى المرجعيات الدينية أدركت الخطر فإتحدت وللممت صفوفها وطالبت اتباعها بضرور عدم الأنجرار الى حرق وتدمير بيوت الله وانتم أيها القادة لا زلتم، متفرقين، متباعدين. ان الغريب بالامر هو المعالجة غير الجذرية للحدث. فبعد كل فاجعة يتسابق قادتنا الكرام الى فتح صناديق التبرعات والتبرع برواتبهم أو مئات الأف من الدنانير لعوائل الشهداء. واليوم رأيت اتقاف بين قادة الحكومة وهم يتسابقون في تبني مبادرة أعادة بناء قبتي الاماميين الطاهرين وجزاكم الله خيرا. لكن لا اجد تفسيرا للسؤال التالي...لمَ تتفقون وتتضامنون فقط في المفاجع والنكبات وتختلفون وتبتعدون في المكاسب والمناصب والمواقع الحكومية. كما نرى أن وزارتي الداخلية والدفاع قد رفعتا حالة الأنذار الى درجة * ج * وفرض حذر التجول على مدينتي بغداد وتكريت اعتبارا من يوم الخميس. مهلا أيها القادة الوطنيين!! فهذه المعالجات هي محاولة ذر الرماد في العيون. فليس المال وأعادة البناء ولا هذه الاجراءات الامنية هي الحلول الجذرية الشاملة، التي ستحفظ أمن المواطن وتصون مقدسات الوطن وترابه. ان الحل يكمن في وحدة الصف الوطني لكل للأحزاب العراقية وأنتهاج سياسة عراقية وطنية هدفها تشكيل حكومة قوية قادرة على اجتثاث الارهاب وأبعاد نار الطائفية التي بدأت تصاعد في الاونة الاخيرة. مرة اخرى ارى خطابات قادتنا منسجمة بوتيرة واحد. فهم يناشدون الشعب العراقي للتحلي باليقضة ووحدة الصف وتفويت الفرص على الارهابيين والصنميين لمنع نار الطائفية، لكن ماذا عنكم أنتم ايها القادة الذين تصنعون القرار بأيديكم ومستقبل الشعب العراقي مرهون باجتماعاتكم؟ ألن يحن الوقت لنبذ الماضي وأنهاء حالة الاحتراب السياسي فيما بينكم؟ ألن تكفي هذه المفاجع والضحايا للتسامح والقبول بالقاسم المشترك؟ ألن تكفي هذه الدروس لتذكركم بأن الحكومة يجب ان تشكل كل اطياف الشعب العراقي؟ انا اناشدكم بنفس خطابكم الوطني، الذي تهيبون بها الشعب الى التحلي باليقضة، ولّم الصف الوطني فيما بينكم . فالكرة باتت متخمرة في ملعبكم منذ شهور مضت وليس في ملعب الشعب العراقي الذي اعطاكم صوته ومنحكم القوة. وما هو مطلوب منكم أجراءات عملية، وطنية ،توحد الصف العراقي. ألا يستحق منكم هذا الشعب المستباح، بأن تضحوا من اجله وتتناسوا أحقادكم السياسية وتجلسون على طاولة واحدة لحل مشاكلكم؟ إلا يستحق هذا الوطن الذي منحكم اسمه وشرفه لأن تناظلوا حقا من أجل أعمار ه والقضاء على الارهاب وتحقيق مجتمع عراقي أمن خالي من الممارسات الطائفية المتهورة. ومن خطابات قادتنا الوطنيين أنهم يطالبون بحكومة وطنية، قوية تضرب دابر الارهاب. وهذا خطاب نظري رائع...لكن يا ترى لمن هذه المخاطبة؟ أهي للشعب العراقي الذي سلم امره لكم وأنتم في موقع المسؤولية؟ ترى من سيحقق هذه الامنية العزيزة على قلوب كل أبناء الشعب العراقي؟ الستم أنتم السلطة التشريعية والتنفيذية الشرعية؟ أنتم يا قادتنا الاشاوس من يفترض بكم أن تتصالحوا مع بعضكم وتنبذوا خلافاتكم. الستم أنتم صناع القرار ام انكم مغلوب على امركم مثل شعبكم؟ إذاً فما فائدة هذه الخطابات المنمقة وأنتم في صرح الموقع، أهي محاولة لأبعاد دوركم عن ما حدث وسيحدث؟ أننا دائما نجد في المعالجة غياب من هو المسؤول عن ما يجري. فالكل يطالب ويناشد ويتخذ الاجراءات لكن لايدخلون دائرة الاتهام المباشر بل يرمون اللوم على الارهابيين والصنميين. ولنسلم جدلا بهاتين المفردتين. لكن اليوم أنتم تمتلكون معطيات جديدة كافية للقضاء على هذين الوبائين. إذ أن كل قادة العراق دخلوا العملية السياسية وفازوا بالانتخابات والحكومة العراقية تمتلك اليوم جيش وامن وشرطة قوامها أكثر من 200 الف متطوع ومعهم نفس العدد إن لم يكن أكثر من الميلشات الحزبية المسلحة وكما شُكل جيش جديد من أفراد العشائر المسلحة. كل هذه القوى جندت نفسها لمحاربة الارهاب بالأضافة الى القوات المتعددة الجنسية التي لوحدها اسقطت أكبر صنم في القرن الواحد والعشرين. كما ان كل الاحزاب العراقية وأعضاءها وجماهيرها ملتفه حول الهدف المركزي لمحاربة الارهاب.أليست هذه القوى كافية للقضاء على هذين الوبائين؟ فهذه اول مفارقة في نضال الشعوب. إذ أن الشعب وأحزابه والحكومة وقواتها المسلحة ومسندة من القوات المتعددة الجنسية وكلها متحدة لمواجهة فلول من قوى ظلامية تكفيرية، صنمية خارجة عن القانون. ترى من يقف وراءهم ومن يمولهم ويحميهم وأين قاعدة أنطلاقهم ومراكز تدريبهم؟ بعد أيام ستبرد المشاعر الملتهبة وسيسجل هذا الحدث الجلل ضد مجهول مثلما سجل غيره من احداث فاجعة الصحن الحيدري وجسر الائمة والحلة وبغداد والمدائن وغيرها. وتعود المفاوضات العقيمة الى دائرة البحث وندخل في نفس الدوامة المظلمة التي ليس لها افق واضح. وليس هناك من دروس وعبر لما يجري.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |