|
برزان في المحكمة حمزة الجواهري عاد برزان وظهر اليوم بملابسه العادية بعد أعطانا فرصة مجانية للضحك في الجلسات الماضية، وتبين اليوم أن جهاز المخابرات الذي يرأسه كان وراء مجزرة الدجيل من خلال الوثائق التي قدمها الادعاء وليته لم يفعل ذلك الآن لأعطانا فرصة مجانية أخرى لمشاهدة مسرحية هزلية من مسرحياته. حين أتذكر صورة برزان وهو يجلس على الأرض بملابسه الداخلية وظهره للقاضي، أحمد الله على أن العراق قد خرج من حكمهم وهو مازال بلدا واحدا، له أرض وسماء وفيه شعب مازال يمارس كل أشكال الحياة، ذلك لأن حثالة من البشر على شاكلة برزان قد استطاعت أن تحكمه على مدى أربعة عقود!! كم كانت طويلة!! ومع ذلك خرج من هذه المحنة وهو مازال يحمل نفس الاسم، عراق! وإن كان محطما، لأن البلية التي ابتلينا بها كانت في حقيقتها أكبر بكثير من تصور البشر الأسوياء، وأكبر من كل تجارب الشعوب التي مرت بنكبات! حيث هذه النفايات من البشر التي نراها في القفص كانت تعتقل وتحقق وتحاكم وتحكم، وهي الخصم وهي الحكم وهي الجلاد وهي الذي يدفن الموتى، وحتى دفن الأحياء! بعد الجلسة قبل الأخيرة، كانت فضائية العربية قد طلبت العون من طبيب نفساني لكي يفسر الحالة التي كانت تسيطر على صدام وأعوانه وهم في القفص، طلبت الاستشارة من طبيب أردني! لعلها تجد عند هذا الطبيب ما يطيب خاطر العرب وهم يروا تلك التصرفات الصبيانية التي لا يمكن أن تصدر عن أناس أسوياء بأي حال، بقي الطبيب في حرج أمام السؤال لأن ما شاهده حقا لا يمكن أن يصدر حتى من أولاد، ولا يستطيع أن يجرح شعور العرب المشاهدين لعلمه بمدى تعاطفهم مع قتلة شعوبهم، من جانب آخر كان يخشى الوقوع في الخيانة لقسم ابوقراط والخروج عن الالتزام المهني لأن العالم كله يشاهد ويسمع، لذا كانت إجابته إلى حد ما مبهمة لكنها لم تخفي الحقيقة، حقيقة أن كيف استطاع الشعب العراقي الخروج حيا ومن كان يحكمه هو صدام وهذا الرهط من المشاغبين! بل حثالة أبناء الشوارع!! لكنهم في الجلسة الأخيرة عادوا وهم يرتدون ملابسهم بعد أن تأكدوا أن محاولاتهم للإخلال بالجلسات غير مجدية. حين كنت أشاهد ذلك العرض المجاني لبهلوانات البعث الذين حكمونا على مدى ثلاثة عقود، كان وقتها يوسف ذو الأربعة أعوام يلعب ويشاهد من حين لآخر أحداث المحكمة، وحين انتبه إلى برزان وهو يجلس على الأرض بملابسه الداخلية سيطرت عليه حالة من الضحك، كان يتصور أنها إحدى حلقات برنامج الكامرة الخفية التي يحبها ويتابعها دائما، فهو يسمي أي فلم كوميدي "الكامرة الخفية"، وقد كان فلم المحاكمة كوميديا بامتياز وله خصوصية حيث شاركه بالضحك جميع الكبار، حتى أبيه، المشغول عنه دائما، كان قد شاركه الضحك أيضا. لكن الكاميرا الخفية اليوم قد خيبت ظنه ولم يضحك فانصرف إلى لعبه. لهدوء القاضي وحزمه كبير الأثر في ضبط الجلسة، واستطاع أن يرد كيد هذه الزمرة المشاغبة ومحاولاتها للإخلال بسير الجلسات كما تعودوا على ذلك من قبل، وما اعتبرته نوعا من الإبداع هو أن القاضي وهيئة الادعاء العام قد جعلوا من تلك السلوكيات وسيلة لكشف حقيقة ما تخفيه تلك النفوس القذرة من وضاعة وسوقية بمستوى التفكير، وقد تبين إن أي منهم مجرد ""بوز مهانة"" كما نعبر عنها في العامية العراقية، وهكذا بقيت أتمنى أن يتحدث أحدهم، لأنه بالتأكيد سوف يسيء السلوك وسوف ويكون عرضة للإهانة، حتى لو عد البعض إن زجر القاضي لهم نوعا من الإهانة. حقا كان من أجمل المناظر للعراقيين رؤية صدام أو أي مجرم من مساعديه يهان على الفضائيات وتمسح الأرض بكرامته، فلو قصر القاضي قليلا في زجرهم، فإن المشاهدين كانوا يكملون ما كان يجب على القاضي أن يقول. إنها فعلا شخصيتهم الحقيقية ظهرت كما هي، بلا رتوش، وبلا زيف أو مواربة، وهكذا سقطت جميع الأقنعة التي تقنعوا بها عبر سني حكهم الجائر، وإذا بهم أولاد شوارع بلا منازع، وفعلا "بوز مهانة" خصوصا ذلك القميء المضحك برزان. عقلية كهذه كانت تحكم العراق! لك الله يا عراق. كان برزان يعتبر الأكثر رزانة من غيره في زمن صدام، وحتى أن الكثير كان يصفه على أنه حكيم العوجة وآل المجيد! حيث فضل البقاء في سويسرا بجانب المليارات التي هربها هؤلاء الأقزام، وهذا ما حدا بالبعض أن يعتبره نوعا من الحكمة، لأن مصير صدام والنفايات من حوله كان معروف مقدما وإنه سوف يسقط هذا السقوط المريع مهما طال الزمن. لك أن تتصور أيها القارئ إن هذا العار كان يعتبر الحكيم لدى عصابة آل المجيد! فما بالك بالصغار من هذه العصابة حيث كان معظمهم من الشباب النزق ويملكون التفويض لقتل أيا كان من العراقيين؟! حظور أو غياب المحامين لم يغير من النتائج، ولم يؤخر من سير المحكمة، بل على العكس سارت المحكمة بسرعة شديدة خلال الجلستين الأخيرتين رغم شغب هؤلاء الأوغاد، وهناك من يقول إن غيابهم يضر بمصلحة الموكلين، على هذه النقطة بالذات لدي أعترض شديد، لأن المجرمين الذين يدافعون عنهم قد اقترفوا جرائم فاقت حدود التصور لذا فإن وجودهم كان مثارا للشفقة، هذا فضلا عن غبائهم، فمن يتذكر أسئلة القطري النعيمي، ربما يستنتج فورا أن غياب هذه الهيئة لصالح صدام وزمرته وكذلك من صالح الشعب، لأن العراقي يريد أن يسمع النطق بالحكم النهائي بأقرب وقت ممكن، أضف إلى ذلك أن هذه الشلة من المحامين، بغبائها كانت تقدم الأدلة الدامغة على إدانة موكليهم، فمثلا محاولة الهيئة إثبات أن سبب قتل وإعدام هذا العدد من الأبرياء هو ضلوعهم في محاولة الاغتيال المزعومة، إن هذه المحاولات من الدفاع تعني أن النظام فعلا قام بإعدام هذا العدد الكبير من الناس، وهي إدانة ضمنية قدمتها هيئة الدفاع للمحكمة، لأن لا يوجد قانون يحكم على أحد لمجرد ضلوعه بمحاولة يزعم النظام أنها محاولة اغتيال لم يتضرر منها أحد، فلو كانت المحاولة قد تمت بالفعل وإن عددا من مرافقي صدام قد قتلوا، يمكن أن يقال أن البعض منهم يستحق الإعدام، ولكن ليس الجميع، وإذا عرفنا أن أي من مرافقي صدام لم يصب بأذى، بل ولم تقطع أزرار قميص أحدهم، فكيف يحكمون على هذا العدد الهائل من البشر بعضهم لم يكن أصلا موجودا في المدينة؟ والأكثر إيلاما، إن من بين الذين قتلوا كانوا أطفالا ونساء، بعضهن حوامل، وشيوخ وعجائز! يدينون أنفسهم في كل حديث، فصدام يقول لأحدهم كنت أتمنى لو قلت هذا الكلام آن ذاك! يقول هذا والعالم أجمع يسمع! فإن هذه العبارة تؤكد ما كان النظام يفعل بالناس، وإن جميع القصص التي تداولها الناس عن جرائمهم هي حقيقة لا لبس فيها. أما برزان الكارثة فله شأن آخر، حيث يصفه خبير قانوني غربي بقوله "أن دقيقة واحدة فقط من خطابات برزان الهتافية تكفي لإقامة أكثر من دليل، أيا منها كاف للحكم عليه وعلى جماعته بالإعدام"، فهو يقول مرة، إنها محاولة اغتيال رئيس الدولة، فماذا تتصورون؟ هل نربت على أكتافهم وندعوهم للانصراف؟! وهذا أكثر من اعتراف ضمني، بل اعتراف صريح لا لبس فيه بما فعلوا بأهالي الدجيل. المحكمة تعكس أن ديدنهم بإرهاب الناس وقتلهم مازال مستمرا لأنهم يملكون الكثير من الأعوان مازالوا طلقاء، وهذا ما عكسته الحقائق اليومية لمجريات المحاكمة، حيث الكثير من الناس أدلوا بشهادتهم وهم خلف الأستار وبصوت مموه، وآخرون قدموا شهاداتهم مكتوبة ولم يجرئوا على المثول أما المحكمة، وأزلام النظام المقبور قد غيروا أقوالهم بعد أن كانوا قد وقعوا عليها أمام قاضي التحقيق، وهناك من رفض الإدلاء بشهادته بأي شكل من الأشكال، وهذا يعني أن بطش هؤلاء بخصومهم كان عظيما ومازال مستمرا، وهو ما يعني أيضا وجوب التخلص منهم لكي لا يقتلوا المزيد، فصدام من داخل قفص الاتهام في جلسة علنية تنقلها الفضائيات، ومع ذلك يتوعد! فما الذي سيفعله أعوانه القتلة في الخارج؟! إن بقاء هؤلاء المرضى بحب القتل أحياء لحد الآن يعد جريمة بحق الإنسانية. الكثير من دول العالم قد ألغت عقوبة الإعدام، الفلسفة التي قام عليها هذا الأمر تكمن بحقيقة أن المجرم سوف لن يكون قادرا على إلحاق الأذى بالناس مادام في السجن حتى يموت، فلماذا الإعدام؟ لكن في حالة صدام وأعوانه، الأمر مختلف تماما، إذ باستطاعة صدام إيذاء من يريد وهو في سجنه، وهذا هو الخطر الحقيقي على الناس، وإن الإبقاء عليهم أحياء، بالتأكيد سوف يتسبب بمزيد من القتل وإيذاء الناس، حيث لهم بالفعل أذرع منتشرة في كل مكان، تنفذ ما يشاؤون، وأنا لا ألوم الذين رفضوا الإدلاء بشهادتهم لا أمام القاضي ولا من خلف الأستار.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |