النفط العراقي عرضة للنهب بعلم الحكومات

حمزة الجواهري

مهندس نفط عراقي مختص بإنتاج وتطوير الحقول النفطية والغازية

hjawahri@yahoo.com

قرأت خبرا نشره الملف-نت من بغداد بتاريخ18\2\2006 ونقله موقع صوت العراق حول تصريحات لأحد الموظفين الكبار في وزارة النفط لم يشأ أن يذكر اسمه، ربما خوفا على حياته، مفاد الخبر أن العدادات التي تحسب كميات النفط المصدرة من موانئ التحميل في البصرة قد تم تخريبها ورفعها منذ زمن النظام السابق ولم تعاد لحد الآن رغم مرور ما يقرب من ثلاثة أعوام على سقوط النظام!

إن هذا الخبر أثار بنفسي الأسى والهياج في آن واحد، لذا قررت الكتابة عن الموضوع، لكن شاءت الصدف أن تدعوني فضائية العربية في دبي كضيف للاستوديو على برنامج أسواق العراق ويكون الضيف من بغداد أحد الوزراء السابقين للنفط، فكانت فرصة مناسبة للتأكد من الموضوع وذلك لخطورته وهذا ما سأشرحه في سياق الموضوع.

بالفعل تحدثت عن هذا الخبر مؤكدا على جانب منه وهو أن العاملين في الإنتاج قد لاحظوا فروقا كبيرة على حد تعبير المسؤول العراقي بين كميات النفط الذي ينتج من الآبار وما يصدر من الموانئ، أكد السيد الوزير غياب العدادات ولكن لم يؤكد الفروقات، لذا فإني قد اعتبرت تغاضيه عن هذا الأمر اعترافا ضمنيا بوجودها، وكذلك أكد أن هذه العدادات تمت إزالتها من قبل سقوط النظام السابق ولم تستطع الوزارة إصلاحها وإعادتها أو شراء أخرى فائقة الدقة بدلا عنها! وأضاف إن الفنيين الآن يعتمدون على طريقة أخرى تدعى الذرعة متبعة في الجزائر لحد الآن على حد قول السيد الوزير! ولي ملاحظات على قوله ليس من باب التشكيك في نزاهته أو نزاهة باقي المسؤولين ولكن لابد لي من طرح الموضوع إعلاميا من أجل الشفافية من ناحية وحث المسؤولين على الإسراع وتدارك هذا الأمر الخطير.

نعم إن هذه الطريقة مازالت موجودة ومتبعة ليس في الجزائر وحسب، بل في كل مكان من العالم، ولكن لغرض المقارنة والتأكد من سلامة العدادات التي تعتبر المعيار الأخير الذي يتم على أساس منه تحديد كميات النفط المباعة وبالتالي المبالغ المترتبة عن البيع، وفي حال وجود فرق بين الذرعة والعدادات، يتوجب صيانة هذه الأخيرة بأسرع وقت ممكن ومهما كان الثمن، وذلك لأنها يجب أن تكون مضمونة من قبل الجهة المالية المسؤولة عن المحاسبة والمراجعة كهيئة الرقابة المالية في وزارة المالية أو أي هيئة أخرى مستقلة تابعة للدولة، لأن الذرعة يمكن التلاعب بأرقامها بسهولة تامة، فهي تتم بواسطة أشرطة القياس للعمقDip Meters ويمكن للموظف الفاسد أن يكتب في وثائقه أرقاما مختلفة، ولا يستطيع العامل الذي قام بالقياس محاسبته، بل وحتى لا يعلم ما الذي تم كتابته. وهكذا فإن ترك الموضوع للذرعة يعني أن النفط المباع متروكا إلى ذمة الموظفين، وهذا الأمر يشجع ذوي النفوس الضعيفة على السرقة!

دعوني أضع تصورا للقارئ الغير مختص في مجال النفط عما يعني وجود فروقات ما بين ما ينتج وما يباع:

• فلو كان الفرق الكبير الذي تكلم عنه ذلك الموظف بحدود العشرة بالماءة، وهناك من يؤكد أن الفرق أكبر.

ونحن نعرف إننا نبيع أكثر من مليون ونصف برميل نفط من ميناء البصرة البحري العميق، فإن الفرق يعني حوالي165 ألف برميل يوميا كفروق بين ما يتم إنتاجه فعلا وما يتم بيعه.

• تقدر قيمته بحدود تسعة ملايين دولار يوميا، وتعني أيضا أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا، أما إذا كانت الفروق أكبر، أو إن الإنتاج أكثر، فإن الخسارة ستكون اكبر بالتأكيد.

أنا لا أتهم أحدا في هذا المقال، حاشى لله أن أفعل ذلك، ولكن الأمر لا يمكن السكوت عليه لوجود الثغرات الكثيرة فيه والتي يمكن تلخيصها بالشكل التالي:

أولا: الجميع يعرف أن نظام صدام كان يسرق النفط ويهربه لصالحه، لذا قام بتخريب هذه العدادات، وذلك لأن الأمم المتحدة أرادت أن تراقبها بواسطة شركة كطرف ثالث من أجل النزاهة والشفافية، لأن الأموال تعود للشعب العراقي، ومسألة وجود الطرف الثالث لأداء هذه المهمة هو أسلوب تتبعه جميع بلدان العالم والشركات الكبرى لتسد الطريق على الفاسدين إداريا ومنعهم من السرقة، لكن لتراخي الأمم المتحدة والمسؤولين عن برنامج النفط مقابل الغذاء، استمر العمل بأسلوب الذرعة لحين سقوط النظام، ولكن كان ينبغي أن تعاد هذه العدادات فائقة الدقة والتي تسمى بالFiscal Meters أي عدادات العائد المالي للنفط يوم سقوط النظام، ولكن خلال ثلاث سنوات وقد تعاقب على البلد ثلاثة حكومات متتالية ولم يتم إصلاحها ولا شراء جديد منها، بالرغم من أنها موجودة في الأسواق وتستطيع أي شركة صناعية متخصصة تأمين عددا منها في وقت قصير جدا، أو إصلاح المخرب بوقت لا يتجاوز الأيام. لكن مع ذلك بقي الوضع على ما كان عليه وكأن الأمر لا يعني أحد!

إن سرقة النظام البعثي للنفط خلال سنيه الأخيرة أمر مؤكد أثبتته التحقيقات الجارية حول ملفات الفساد في موضوع النفط مقابل الغذاء، وصدرت التقارير التي تؤكد ذلك، هذه الحقيقة بحد ذاتها تؤكد إمكانية سرقة النفط بغياب هذه العدادات، وإلا لما قام النظام بتخريبها وعرقلة وجود طرف ثالث للمراقبة في هذا الشأن.

ثانيا: إن السيد الوزير الذي أكد غياب هذه العدادات وإبدال عملية القياس بطرقة الذرعة، لم يعطي سببا مقنعا لعدم إصلاحها، فقد ذكر السبب هو خوف الشركات من الوصول للعراق بسبب تردي الحالة الأمنية! وهذا غير مقنع لأن العراق مستمرا بالإنتاج من حقوله الجنوبية منذ سقوط النظام ولحد الآن، ويقوم بإصلاح جميع المرافق النفطية وإجراء الصيانة للأخرى ويقوم أيضا ببناء أجزاء جديدة بالكامل للمنشأة ويقوم بحفر الآبار ويقوم بالعمليات التشغيلية اليومية، فكيف يقوم الفنيون بكل هذه الأعمال ولم يستطيعوا أن يعالجوا هذا الأمر الصغير والكبير في نتائجه؟! هذا هو الأمر الذي لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال!

ثالثا: كيف نفهم أن الوزارة لم تستطع شراء أجهزة قياس لا يتعدى ثمنها، مهما غلت، بضعة ملايين من الدولار! هذا الأمر غير مقبول أيضا لأن المبالغ التي يمكن سرقتها بغياب هذه العدادات تقدر بالمليارات!

رابعا: قال أيضا أن الشركات العالمية تخشى الدخول للعراق بسبب الحالة الأمنية، وهذا ليس صحيحا، لأن عشرات، بل مئات الشركات تعمل في الجنوب بأمان مطلق، فكيف تخشى الشركات الذهاب للخليج لإصلاح أجهزة في جزيرة تحميل وفي عمق مياه الخليج وتحميها القوات الأمريكية والإيطالية والعراقية؟!

خامسا: يقول السيد الوزير إن الوزارة قد اتفقت مع شركة قبل بضعة اشهر على إصلاح هذه العدادات لكن عمليا الإصلاح لا يمكن أن يتم قبل منتصف هذا العام! هذا هو الجزء الأكثر غرابة من القصة التي أوردها السيد الوزير على فضائية العربية، في برنامج أسواق العراق يوم23\2\2006 وإعيد في اليوم التالي! كيف نستطيع أن نفهم هذه الأمر!؟

سادسا: لماذا يخشى الموظف الكبير في وزارة النفط من ذكر اسمه بالرغم من أنه ذكر أمرا معروفا في الوزارة وهو موروث من النظام السابق وقد مر عليه ثلاثة سنوات متواصلة بعد سقوط ذلك النظام ويعرف به كل من له علاقة بالأمر؟ فما الذي يخشاه هذا الموظف الكبير تحديدا؟

سابعا: إن هذا الأمر تشترك به حكومة بريمر ومجلس الحكم والحكومة المؤقتة والحكومة الانتقالية ومازال مستمرا لحد الآن! أي يشترك به جميع المسؤولين الكبار على مستوى الحكومة والوزارة! هل جميعهم غافلين عن صيانة وحفظ أموال العراق؟! كيف يمكن قبول أمرا كهذا؟

ثامنا: يمكن للوزارة أن تعتمد عدادات أقل دقة من نوع الترباين ميترTurbine Meters متوفرة في كل مكان وحتى موجودة بداخل الشركة في أماكن عدة تستعمل لأغراض فنية أخرى، لكن تكون فترات صيانتها وإثبات دقتها أقصر من تلك التي تكون في العادة مع العدادات عالية الدقة من نوع الPD Meters ، ويمكن أن يعهد بها إلى شركة تتولى صيانتها والتأكد من دقة قياسها بشكل دوري وأن تكون مقفلة بأختام هيئة رقابية تابعة للدولة إضافة إلى أختام الشركة التي تتولى هذه المهمة.

تاسعا: لقد ذكر السيد الوزير أن الشركات التي تشتري النفط وتتعامل معها الوزارة هي شركات محترمة، وهو ما يعني أنها لا يمكن أن تسرق، ربما يكون هذا الأمر صحيحا، ولكن ماذا عن ربابنة ناقلات النفط؟ فلو عرفنا أن ميناء البصرة تحمل منه يوميا ما بين خمسة عشر ناقلة إلى عشرين ناقلة، أي سنويا هناك أكثر من سبعة آلاف ناقلة للنفط، هل جميع ربابنة هذه السفن من الشرفاء المحترمين ولا يمكن أن يكون بينهم من هو فاسد؟ هل يعقل هذا الأمر؟

للإنصاف ينبغي الإشارة إلى أن مسألة وجود فروقات بين ما يتم إنتاجه من النفط وما يتم بيعه أمر معروف ويعتبر من مشاكل الشركات العاملة في هذا المجال، الأسباب تدرس في العادة من قبل لجان متخصصة وتقدم النصائح بتلافي الأخطاء، وفي حال اكتشاف حالة فساد مالي يتم التحقيق بها فورا. وهكذا لم ولن تتراخى الشركات أو الدول عن موضوع حساس كهذا أبدا، لذا فإن من أعراف الفسكل ميترز، أي العدادات ذات العائد المالي للنفط هو أنها تكون مراقبة من قبل هيئة رقابة مالية مستقلة ويقوم بالعمل نيابة عنها وتحت إشرافها شركات فنية متخصصة تقوم بصيانتها وإدامتها وإثبات دقتها بشكل دوري لا يتعدى الثلاثة أشهر، وأن توضع عليها أقفال مختومة بأختام هيئة الرقابة المالية وأختام الشركة المتخصصة بالصيانة وإثبات الدقة. بغير هذا يمكن أن يتعرض النفط الخام للسرقة من قبل ذوي النفوس الضعيفة.

لذا بصفتي الشخصية كعراقي، ومختص في هذا المجال أدعوا المسؤولين العراقيين في الدولة ووزارة النفط وهيئة الرقابة المالية القيام بتدقيق يقوم به طرف ثالث مستقل وأن يجري التدقيق بأسرع وقت ممكن واتخاذ اللازم لضمان نزاهة عمليات تصدير النفط وضبط العائدات المالية له بطريقة مهنية وشفافة.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com