|
في خضم الاجواء التي تسود منطقة الشرق الاوسط، والتي تشوبها محاور كثيرة للتوتر في بقع عديدة منها، خاصة في دولة لبنان، التي تحاول بصبر وتأني ان تخرج من آثار الحرب الاهلية وطوق السيطرة الاقليمية لدولة مجاورة لها حكمت بمقدراتها السياسية لأكثر من ثلاثين عاما بموافقات دولية واقليمية لحسابات سياسية معقدة، ونتيجة لهذا الوضع بقيت لبنان ترضخ تحت آثار الادوار الاقليمية لبعض الدول في المنطقة، وخلال هذه المراحل تعرض الشعب اللبناني الى معاناة ومأساة كبيرة تعاطف معه الكثير من الشعوب المحبة للحرية ومنها الشعب الكوردستاني. ولا شك ان المسيرة التي قطعها اللبنانيين في بناء عملية السلام ومنهم حزب الله في الجنوب اللبناني احتوت على ملفات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة معقدة ومستعصية ومرتبطة بالصراع العسكري بين الدول العربية واسرائيل، ونتيجة هذه التعقيدات تعرض الشعب البنان الى حروب مأساوية فقدم قافلة طويلة من الضحايا الابرياء دون مبرر عقلاني بعيدا عن حكمة المنطق والعقل، حتى انبرى الوطنيين منهم للعمل على اخراج هذه الدولة المتنوعة الاطياف من ازامتها المستعصية لوضعها على مسار السلام والبناء والعمران، وكان لشهيد لبنان الاول رفيق الحريري الدور الريادي في عودة لبنان الى الحياة بحلة زاهية جديدة. إزاء هذا الحال، ومما لا ريب فيه ان الكورد تالموا كثيرا لما حصل للبنان، لانهم شعب عانوا من ويلات الحرب والعنف من عهود طويلة بسبب سياسة الجور والظلم التي مارستها الانظمة العراقية تجاه الشعب الكوردستاني لمطالبته بالحقوق القومية والوطنية الكوردستانية والعراقية. فأبدى الشعب الكوردستاني حالة من التعاطف الشديد مع اللبنانيين والفلسطينيين في محنهم وويلاتهم، وكانت لهذه الصورة من التعاطف أثر كبير في احترام الشعب اللناني وثقافته المتنوعة من قبل من السياسيين والمثقفين الكورد. ولكن مما يؤسف له ان سماحة الشيخ حسن نصرالله الامين العام لحزب الله اللبناني، فيما يبدو قد غاب عنه هذه الحقائق عن الكرد وحبه للسلام واحترامه للشعوب، وغاب عنه أيضا حقيقة اصرار الشعب الكوردستاني وقيادته السياسية على الحفاظ على العراق وحمايته من كل مكروه ومن كل محاولة لجر العراقيين الى ويلات حروب اهلية وطائفية، هذا في وقت أثبتت الحقائق السياسية في واقعنا الراهن بلا شكوك ان الكورد اثبتوا بكل جدارة انهم الحامي الحقيقي والراعي الامين للعراق في هذه الظروف القاسية التي تمر بها الامة العراقية، ولا يخفى على الجميع ان فيادته السياسية الممثلة بالتحالف الكوردستاني يبدي جهدا عسيرا للجمع بين الكتل والاحزاب والتيارات والحركات السياسية العراقية لتوحيد شمل العراقيين تحت خيمة وطنية واحدة لايصال العراق الى شاطيء الامان. أجل غياب هذه الحقائق الجوهرية عن سماحة السيد نصرالله عن الشأنين العراقي والكوردستاني، قد دفعه الى ارتكاب خطأ تجاه الكورد، نأمل ان يكون زلة لسان وغير متقصد، يعتذر عنه زعيم حزب الله اللبناني في وقت لاحق، لان ما عبر عنه الشيخ نصرالله في خطابه الاخير حول العمل الارهابي الذي اصاب قبة المرقدين الشيعيين في سامراء، يشكل بادرة غير طيبة من قبله تجاه الكورد، ان كان يقصد ذلك ، ونأمل ان يكون ذلك غير متقصد. لهذا جاء استنكار التحالف الكوردستاني لتصريحات سماحة السيد نصرالله في محله، لكي لا يتكرر مثل الاراء التي لا تأتي لا بقول طيب ولا بعمل خير، خاصة من شخصية سياسية ودينية مثل سماحته، وكما جاء في بيان التحالف " يتعاطف التحالف مع كل كلمة قالها السيد حسن نصرالله بحق الجريمة النكراء التي تعبر بحق عن طبيعة الفاعلين ونفسيتهم ووحشيتهم واجرامهم ،وهو حر فيما يطلقه من أحكام وآراء في الشأن اللبناني والعربي". و " لكنه ليس حراً في إقحام الآخرين الذين اعتبر أنهم مستفيدون منها (الجريمة)ووصفهم بأنهم (الصهاينة في شمال العراق في غطاء مختلف وعناوين مختلفة)". وجاء في البيان أيضا "إذا كان السيد حسن نصرالله يقصد بهذه العبارة أي جزء غير كردستان.. فالأمر متروك لأهل هذا الجزء للرد عليه، أما إذا كان يقصد كردستان والأحزاب الكردستانية.. فلا يحق له أن يلقي التهم جزافا". وهذه التهم "هي تهم ظالمة طالما أطلقها الأعداء.. ولغايات بائسة ،وسبقه آخرون فرددوها حتى تعبوا أو بان لهم ضلالها". وأشار البيان إلى أنه " كان الأجدى بالسيد نصرالله أن يلتفت إلى مشاكل لبنان ، ويتذكر تفاهم نيسان (السري–المعلن) قبل أن يتهم الآخرين بالصهيونية"، ولفت البيان إلى أن " كردستان معقل الأحرار.. وليست لقمة سائغة لمن يكن الشر لها". لهذا وفي الوقت الذي نود ان يكون هذا الموقف عابرا، وزلة لسان، والى حين يعلن سماحة السيد نصرالله عن اعتذاره لهذا لقول، نذكر سماحته بالمثل العربي الذي يقول ما هكذا تورد الابل يا سماحة شيخنا، لان الساحة السياسية المعاصرة باتت لا تقبل الا الحقائق المبنية على الرؤية الطيبة والنظرة الحسنة، ولاشك ان السيد نصرالله ادرى منا جميعا بهذه الحقائق لان التعامل معها بواقعية ومرونة في عالم السياسة تجلب كل ما هو خير وكل ما هو طيب، وهذا ما نأمله من سماحة الشيخ، لكي يقدر ويعبر عن احترامه للرؤية الطيبة التي يتمتع بها الكورد تجاه اللبنانيين والفلسطينين وتجاه جميع شعوب المنطقة ومنها الشعب الاسرائيلي، وهي رؤية متسمة بالاحترام والتقدير والاقرار بحق الجميع في الحياة والعيش بسلام وأمان لضمان مستقبل آمن لشعوب المنطقة وأجيالها اللاحقة، وقول الله تعالى "يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير" خير ما نختم به المقال عملا بالنية الحسنة والكلمة الطيبة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |