|
الوحدة الوطنية والتأسيس لثقافة سياسية شيعية جديدة
المهندس صارم الفيلي في العراق الجديد يجري التأكيد دائما على مصطلح الوحدة الوطنية في وسائل الأعلام والتصريحات والبرامج السياسية وبشكل مستمر مما يوحي بوجود شكوك حول مدى تجذر مصداق هذا المصطلح في أرض الواقع العراقي الحالي . الكل ينادي لفظيا بها , كمناداة الأنظمة العربية سابقا بالوحدة " وتصديق الكثيرين لها " بينما كانت المؤامرات البينية على مستوى قيادات الدول تحاك على قدم وساق . الوحدة الوطنية لاتتحقق بواسطة آليات الفرض الحكومي , ولا ان تنصهر مكونات الشعب من جديد في بودقة اللامساواة سابقا والأرهاب حاليا , بل ان يقتنع الجميع ان العراق الجديد يقوم على مبدأ أحترام خط شروع المساواة في القيمة الأنسانية والفرص لكل الوان طيفه , والمشاركة الوجدانية بينها عند تعرض فئة من الفئات لمآسي كالقتل على الهوية كالتي يتعرض له الشيعة وبشكل منهجي مخطط له . لا أن نجد الآخر الطائفي لايرتقي حتى الى مستوى الأدانة اللفظية لتلك الأعمال الأجرامية , بل عمل بعضهم على انكارها أو القاء تبعتها على على الأخرين وربما على الضحايا أنفسهم كمحاولة منهم للتغطية على القتلة الحقيقيين ومساعدتهم على افراغ مواقع الجرائم والأفلات من العقاب والتحضير لجرائم اخرى الغرض منها أدخال الرعب في قلوب الأكثرية المسالمة , وبالتالي اليأس من امكانية تصديهم لمسؤولية قرارهم الذي جاهدوا في الوصول اليه عن طريق ادلائهم بأصواتهم في ذلك اليوم الأنتخابي العصيب . والا كيف نفسر وفي أي سياق نضع تصريحات عبد السلام الكبيسي من خطورة مايسميهم" الغربان ألسود والذئاب المتوحشة " على حياة "المسكين المهادن"حارث الضاري ؟إ . في الوقت تستمر حملات القتل والتهجيرعلى الهوية للمواطنين الشيعة الأبرياء , وفي كل يوم . ان استمرار التحالف البعثى السلفي في زرع الخوف والرعب في قلوب الأمنين وسيلة تمت استدعائها من ماضيهم الأسود , و ما فيه من مشاهد قطع الرؤوس واستباحة المدن المقدسة المختزنة في ذاكر ة الضحايا والجلادين معا , ومن ممارسات البعث والقومجية للأغتيالات السياسية التي مهدت لتسلطهم على الشعب المغلوب على أمره . نعم لم يتخلى الشيعة يوما عن ثوابتهم الوطنية وحبهم للبلد بمكوناته المختلفة وتجسيدهم للمبادئ الأنسانية بكافة مضامينها بينما نجد وضعهم الأمني وسلامة أفرادهم وصل الى مالا يمكن السكوت عليه . حيث لايمكن الأبقاء على نفس السياسة السابقة في التعامل مع المجرمين والتحاور معهم . ان اخضاع مسألة الأرهاب الى مساومات سياسيةمع القتلة وممثليهم لاتأتي بنتيجة سوى الى تشجيع الأرهابيين على مواصلة مثل هذه الأعمال السادية لأشبعاع متعة الحقد الأعمى , وأرواء لذة الأنتقام لذهاب صدامهم وحكمه القمعي . على الشيعة قادة وأناس عاديين أن يتركوا زاوية التخوين الذي وضعنا فيه لقرون طويلة من الزمن وعلى كافة النواحي . كالتخوين والأتهام على أساس العقيدة , وكذلك على أساس الأنتماء للوطن . تلك البنى التي أمتدت على خط الزمن الطويل وكان الهدف منها نفي الشيعة , أختزال وجودهم , جعل هذا الوجود غير فاعل وغير ذي جدوى . كانت ولازالت غايات سياسية تدفع بالآخر لتبني هذا البهتان والظلم كمقدمة لتسويغ قتلهم على الهوية وتدمير أماكنهم المقدسة . ويسأل من يسأل لماذا لم يتم تدمير ضريحي الأمامين العسكريين في الفترة السابقة , ويقصدون بالتحديد قبل سقوط صنم النظام ؟ يبدو ذلك تساؤل مشروع عند النظرة الأنطباعية الخاطفة له , لكن سريعا وبقليل من التأمل نستطيع الأجابة عليه ودحضه وقذفه على السائل كتهمة تاريخية وكذلك آنية . كيف؟ الجواب بشقين الأول تراكمي تاريخي يمتد عموديا , والشق الثاني أستيعابي أفقي بدأ بالتصاعد المطرد في السنين العشرة الأخيرة من حكم الطاغية . الأول هو تاريخ من جبال الحقد والكراهية المورثة منذ ذلك العهد السقيفي المشؤوم ولحد يومنا هذا وبدون توقف ولو لحظة واحدة لعمليات الحذف المستمرة أما بالقوة أو بالفعل . بالقوة عندما يكون المألوف هو السائد , أقصد به حكم الآخر العقدي الأجتماعي , أقصد المألوف كذلك أستمرار تهميش الشيعة سياسيا وأضعافهم ككتلة أقتصاديا , وان ظهر هذا الثري أوذلك المتمكن المادي هنا وهناك , فهم شواذ عن القاعدة التي كانت لها أن تسود لتؤدي الى جعل الأمتداد البشري الكبير لشيعة أهل البيت في العراق في تصحر مستمر , مليون حالة وفاة في سنين الحصار الظالمة على الشعب العراقي , ذلك الذي قوى النظام وساعده في أستئناف وتسريع لعمليات الأختزال البشرية للشيعة عن طريق اجبارهم على الهجرة الأقتصادية في الجانب الأعم , بعد أن كانوا قد أجبروا قبلها على التهجير القسري والأبادة في المقابر الجماعية . أما غير المألوف هو عندما كان يظهر من الشيعة من يرفض الواقع المنحرف حينها تتم أبادته كفرد , كأبادة علمائهم الأبرار , وكمجموع منتفض كما حدث من خلال القسوة والوحشية في قمع الأنتفاضة الشعبانية المباركة ورفع شعار الحقد "لا شيعة بعد اليوم " . ونشر ذلك المنشور الطائفي في جريدة النظام الرسمية ليمتد التخوين عندها ويأخذ بعدا أخلاقيا ظالما , لتضاف الى التخوينين السابقين العقدي والوطني . غير المألوف أيضا هو ما حصل بعد التاسع من نيسان من عمليات أبادة فاشية للشيعة وانتقام أعمى منهم , وهو أبرياء عزل آمنين في بيوتهم , أو في حركته كسب قوتهم اليومي في هذا الزمن الصعب جدا . ألتقت وتحالفت الوهابية التكفيرية والنازية البعثية الطائفية على قاعدة الظلامية الكالحة المتوارثة من الهمجية البدوية والقسوة والوحشية المتأصلة في النفوس المتلوثة في الولاء لكل ماهو شاذ , كأشخاص أو "أفكار". هنا نتوصل الى نتيجة وهي أتباع كل ماهو بالأمكان ضد الشيعة أذا ظهرت بوادر من شأنها أن تعيد توازن المعادلة التاريخية السياسية المنحرفة. أما الشق الثاني الذي أطلقنا عليه أستيعابي أفقي فيتمثل بأستراتيجية النظام البائد في التسعينييات للتسريع من أنتشار الفكر الوهابي التكفيري لذلك من الخطأ الأعتقاد بأن تاريخ السلفية في العراق قد بدأ بعد سقوط صدام , وأنما قبله وفي الفترة التي أشرنا لها , عندها تقوت الوهابية بصدام , الذي بنى لها الجوامع الضخمة ووفر كل أمكانية نموها المتصاعد , مثل تسهيل قدوم السلفية من الدولة الوهابية الجارة , رغم العداء الشكلي بينها وبين الطاغية على خلفية غزوه للجارة الكويت , وتحت ستار المساعدات الأنسانية . لتحصل على الضمانات الأمنية والتنظيمية في تحركها , وصار العراقيون يتداولون النكات حول الوهابي الذي يوزع الحليب والمواد التموينية في الجوامع , مع كتب أبن تيمية ومحمد عبد الوهاب . فأخذ التدين السني عند قطاع واسع يأخذ الشكل التنظيمي التكفيري الخطير . ناهيك عن نجاح الوهابية في التأثير على بعض الشباب الشيعي أيضا في ديالى ومناطق مختلطة من بغداد , مستغلة العوز المادي وعدم الحصانة الفكرية لهذا النفر . لتصبح الوهابية الجديدة عند ألبعض من اهل السنة حاضنة , شكلت النواة للجماعات التكفيرية التي أنتظمت بعد سقوط الصنم " وهي تعتبر تاريخيا فترة الشذوذ عن القاعدة الأجتماعية السياسية المنحرفة تاريخيا " . وهنا تتحول الأجراءات والأفعال أو ردود الأفعال من كمون , وحقد بالقوة الى فعل, أجرام وتفجير للحياة الشيعية بكل أبعادها . ماذا يفعل الشيعة وقياداتهم السياسية في هذه المرحلة الحرجة من عمليات القتل والتهجير على الهوية التي تطالهم وبشكل متصاعد؟ الجواب : يتضمن ذلك القيام بأجراءات ميدانية شعبية وكذلك تثقيفية سياسية : - نقل الجماهير الشيعية الى قلب الحراك السياسي واستخدام زخم ضغوطاتها للأيفاء بعقد التوكيل بينها وبين نوابهم المنتخبين بموجب البرنامج الأنتخابي المبني على الأيفاء بالنقاط الدستورية المفصلية . والأظهار للعالم أجمع بأن هذه الملايين ستشعر بالغبن أن لم تحافظ العملية السياسية على حقوقهم ويحترم الجميع أراداتهم, كشرط لرضا الناس على سير الأمور في البلد , وبعكسه سوف يكفر الكل بهذه الديمقراطية العرجاء والمشوهة . -- ألأظهار المستمر والمتصاعد لتبني مبدأ الوسطية والتعاون البناء لخدمة العراق الجريح دون التورط في مشاريع أخرى , كمشاريع خارجية لا يتحمل العراق بشكل عام وشيعته المستهدفين خاصة تبعاتها الستراتيجية . وهنا يأتي دور ترسيخ مبدأ التعاون البناء الأيجابي الداخلي والأقليمي والدولي , على قاعدة مبدأ السلم الأهلي والمنفعة المتبادلة , بعيدا عن العنف بكل مستوياته , ابتداءا من عنف الفكرة والموقف وانتهاءا الى الأرهاب الذي نجد مصداقه يوميا ضد كل مايمت لأهل البيت(ع) بصلة. بدرأ كل تلك المفاسد , والتمييز بين صلابة المبادئ من حيث ماتمليه العقيدة ومرونة الأساليب من حيث ما تمليه الحكمة التي هي ضالة المؤمن والتي تشكل مرتكزا اساسيا في ساحة الممارسين للسياسة من موقع الدولة . فليفهم ذلك كل البعيدين عن الحالة الأسلامية , قبل ان يطلقوا عبارات او جملا غير لائقة ضد الأسلام العلوي الأصيل . -التأسيس لثقافة سياسية لدى الجماهير والنخب , بل وحتى بعض القادة السياسيين . هنا لا أقصد بالثقافة السياسية جانبها العلمي المتضمن للتنظير السياسي , والأدارة الداخلية والخارجية وغيرها مما هو أكاديمي معروف في هذا المجال . بل ثقافة تتحدث عن حاضر ومستقبل شيعة العراق وحقوقهم وواجباتهم . والعوامل التي تؤثر وتحرك كل تلك المفردات , مثل تفعيل مستمر للحراك الداخلي من أجل السلطة , والقوة , المنعة , أعادة الحقوق المهضومة , الموقف من الآخر الداخلي وألآخر الخارجي من أجل الحصول على أكبر قدر من الحقوق المشروعة والمنسجمة مع ألأمتداد البشري لشيعة العراق والتضحيات الجسام لهم على كافة المستويات ولمختلف الحقب , وبما ينسجم ويتناسب مع الثروة الهائلة لمناطقهم , بأختيار من السبل أمثلها , مما تحقق وجودهم الفعال , لا حذفهم السابق , وتهميشهم السابق . ومحاولات تهميشهم الحالية من قبل بعض الأرادات الداخلية المعيقة بأمتداداتها الخارجية المتآمرة والطامعة . بدراسة العامل الدولي وأتجاهاته والقوى المؤثرة في توجيه أو أعادة توجيه تلك الأتجاهات , بوضع خطط وقاية ومشاريع وقاية من كل الكيدييات والعقبات التي توضع للحيلولة دون تمكينهم من التصدي لمسؤوليتهم التاريخية والأجتماعية وحماية بعدهم العقائدي . على الشيعة من اليوم فصاعدا عدم الخوف من تهم الطائفية . وأثبات النقيض ولو على حساب مصلحتهم . لأنهم أثبتوا عكسها وتاريخهم البعيد والقريب يشهد لهم بذلك . فهم قاوموا من أجل الدفاع عن الآخر الطائفي الذي أذاقهم الويلات في بعض المقاطع , وأقصد الدولة العثمانية , ليهدوا ثمرة جهادهم لنفس نوع الآخر من جهة الطائفة ليكافأهم على ذلك بتهميشهم وعلى كافة المستويات ومنها الثقافية , وكلنا على علم في المنهج التعليمي لساطع الحصري الذي مارس الألغاء مع كل ما يمت للثقافة الشيعية بصلة , وبجميع ابعادها . الأخرين عليهم أن يثبتوا عدم الطائفية , وعليهم أن يخرجوا من شرنقتها التي وضعوا أنفسهم فيها لعقود وقرون . على الشيعة أن يؤسسوا للفعل ,لا أن يتحركوا من موقع الأنفعال وردود الأفعال . هذه وغيرها من الأجراءات هي وحدها الكفيلة للحد من جرأة الجناة البالغة في تبرأة التكفيريين وأعوانهم من أزلام النظام . جرأتهم في أغتيال الحقائق والشواهد من خلال أعلامهم الداخلي والخارجي المتواطئ معهم من فضائيات تشارك في التهيأة لأجواء تتم خلالها المزيد ثم المزيد من أعمال القتل على الهوية للشيعة الآمنين .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |