alhawzawya@hotmail.com
اضطرب في داخلي وجد الشجون للكتابة حول "أبعاد الثورة الحسينية" التي جسّدتها واقعة الطف على أرض كربلاء .
فأشعلت فتيل شمعة سوداء لتنير الزوايا المعتمة وأمسكت بقلمي ورزمة أوراقي ..
تأملت في الشمعة التي بالرغم من سوادها إلا أنها أضاءت؛؛وأنارت .
تماماً كواقعة الطف التي برغم بشاعتها إلا أنها توهجت وستظل متوهجة متى ما أشرقت شمس ولاح قمر .
أكثر من ألف عام طوته تلك الفاجعة الأليمة والتي لا تزال في كل عام تلهب شغاف قلب كل مؤمن موالي إن لم تكن تدمي فؤاده وتستثير غدة دموعه وتحمّي غيرته .
واقعة الطف مصنع الشخصية وثورة مجتمع فهي أكبر من كونها مجرد ثورة ؛ فليس كل ثورة تمتلك استحقاق الخلود في صفحات التاريخ وحيث ما يميزها عن عموم الثورات هو خلود مضمونها الرسالي الكبير،إذن تستحق أن توصف بالنهضة .
فهاهي هي في كل ذكرى لها ترزع في أعماق كل إنسان هدفاً يثور لأجله مطالباً باسترجاع الحق الذي سُلِب منه انطلاقاً من مقولة الحسين عليه السلام "إني لم أخرج أشرا ولا بطرا..وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"
تلك المقولة المضيئة التي انعكست ظلالها على تراب كربلاء في شهر باهتةٌ ألوانه؛؛ مرّةٌ أوقاته؛؛ حزينة لياليه؛؛ داميةٌ آثاره ..
تلك الحادثة التي لا يستطيع التاريخ أن يخبئ صفحة وجهها بأبعادها وأهدافها خلف أصابع الزمن .
فهي عنوان الكرامة والإحساس بالمسؤولية والضمير الأخلاقي والحرية والدليل إن كل كلمة نطق بها أبو الشهداء "ع"، عبّرت عن منتهى ما يطلبه الأحرار .
وكنظرة ثاقبة نحو الأفق كان يرى الإمام الحسين عليه السلام لوائح النصر وبشائر النجاح المستقبلية في ثورته .
وهذا مادعاه للتحرك والتقدم والإصرار على المواصلة والإنطلاق بثورة الحق كلها على الباطل كله ؛ ليقدّّم ثمناً باهظاً أرخصه في سبيل الله مردداً"إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني "
في حين كان يظن الأعداء والزمرة الإرهابية السفيانية تحقق النصر بقتل الحسين عليه السلام ؛؛ ولكن كذب الموت فالحسين مخلدُ .
فقد خلّد – عليه السلام - مآثر وبطولات لم تندثر رغم مرور الأزمنة وتوالي الحقب .
فلقد أظهر الحسين أنه ليس طالب ملك، بل طالب كرامة.
وليس طالب غلب بل طالب تحرر.
وليس طالب دنيا بل طالب آخرة.
وليس طالب ثأر بل طالب عدالة.
ولا يخفى على أي متتبع لخطة الإمام الحسين "ع" وهدفه المنشود الذي لم يولد من رحم الأشر والبطر أو بغيّة القتال إنما كانت خطته تسير وفق تخطيط إلهي ربانيّ من وحي"الإصلاح" وتعديل الاعوجاج وتدعيم مركز أهل البيت عليهم السلام .
وقد تحققت أبعاد تلك الثورة حينما قال بأسى وهو يصفق راحة كف بالأخرى "على الإسلام السلام إذا بليت الأمة براعٍ مثل يزيد" .
واختم مقالي بقوله تعالى في سورة غافر الآية 78 "وجاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون"
مع إنني واقعاً كلما حاولت أن اختم حديثي وأضع نقطة الختام الأخيرة أجد إن خلف كل نقطة أخيرة فقرة أخرى وحديث جديد ؛؛ لأن قضية الحسين عليه السلام أعظم من أن تكفيها سطور محدودة وأكبر من أن تحتويها أوراق معدودة فشمس الحسين "ع" لا تغيب ولا يحجبها ركام السحاب الأسود الكثيف .
فالحسين في أرواح وأذهان وأفئدة ودماء كل عشّاقه المتيمين الذي يحيون ذكراه تخليداً لحبهم وتعبيراً لجنونهم به ..
فلتسرج روحك سيدي عالية خفاقّة محفورة كالوشم في عمق الذاكرة .