بيان مؤسسة تراي الثقافية المستقلة
من اجل الحقوق الكاملة للاقليات العراقية
 

مؤسسة تراي الثقافية المستقلة

 

بعد سقوط نظام البعث اشرفت مخابرات القوى الصدامية وزمر المنتفعين من النظام البائد وبمساندة أمراء الفكرالوهابي-السلفي بتشكيل شبكات الإرهاب التي تلقت الدعم المادي والمعنوي والميداني من القوى الطائفية الحاقدة في المنطقة فأخذت تنشر سمومهافي وطننا محذرة الغرب وامريكا من مخاطر الهلال الشيعي وتغلغل شبح النفوذ الايراني الى المنطقة عبر بوابة العراق. وهكذا بدأ الشعب العراقي يتروع بجرائم تصفية العلماء والمثقفين, والقتل على الهوية, وتفجير المنشآت و الأماكن العامة المزدحمة بالناس البسطاء, ونهب الثروات وسرقة وتهريب الآثار وبيعها في السوق السوداء وتخريب البنى الاقتصادية التحتية بتفجير أنابيب النفط, وتخريب الطرق وقطع أسلاك الاتصالات وخطوط الكهرباء، والقيام بعمليات تدمير مختلف دور العبادة والتي كان ابلغها التفجير المروع للاضرحة المقدسة كما حدث لمرقدي الامامين العسكريين الشريفين في سامراء. فلاشك أن هذا العمل الإجرامي قد القى بظلال قاتمة السواد، ليس فقط على تشكيل الحكومة التي لازالت تراوح في مكانها بين بيوت السياسيين ومكاتبهم، ولكن ايضا على العملية السياسية وآفاقها في لحظة تأريخية ملتبسة، وماترتب على ذلك من الشحن الطائفي الذي أراد له أعداء العراق أن يذكى بحرب طائفية مقيتة لايعلم بمدى سعيرها وآثار خرابها إلا الله . لكن الشعب العراقي أعطى درسا للسياسيين قبل غيرهم بوحدته وقوة لحمته ومجابهته لكل أنواع التحديات المصيرية، فانكفأت على أعقابها كل الدول والدوائر والمخططات الإجرامية المتربصة بالعراق شعبا وأرضا وتأريخا وحاضرا ومستقبلا، وماعلى السياسيين إلا التنازل عن الكراسي من أجل الشعب الذي تمزقه يوميا المفخخات والأحزمة الناسفة، والعمل على تجسير الهوة بين أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن كونهم من الاغلبية أو من الاقلية، ذلك ان الهوية الوطنية الواحدة هي التي ستقود الوطن إلى بر الأمان.
ان هدف الارهاب الاول هو اشعال فتيل الحرب الاهلية وتقويض العملية السياسية الهادفة الى استقرار البلد ووضعه على طريق السلام والديمقراطية والتقدم. ولايخفى على احد من ان الارهاب والفوضى وعرقلة العملية السياسية تهدف بالاجماع الى زعزعة ثقة المواطن العراقي بمستقبله الجديد وفتح الباب للدول المجاورة المعادية للتغيير الديمقراطي والسماح لها بالتدخل ودعم مشروع عودة الدكتاتورية والحكم الطائفي القومي/ الشوفيني الكريه. فاشاعة القتل العشوائي والمستهدف ونشر الرعب والفوضى والتخريب في البلاد هي الستراتيجية السياسية التي تسعى الى جعل الحاضر جحيماً قياسا بذاكرة الماضي القريب المحفورة بالمقابر الجماعية والاعدامات, ومصادرة الحقوق والحريات وبتر الآذان والالسن, و مآسي تهجير وسبي الاقليات, وجرائم الابادة الجماعية بالغازات السامة وتصفية المعارضين والتعذيب, واستنزاف الموارد الاقتصادية وتحطيم البيئة وهدم الثقافة والقيم الاجتماعية العريقة واستيراد التعصب الديني وزرع بذوره المسمومة.
الان، وبعد جولتين من الانتخابات الديمقراطية الحرة والتصويت الشعبي على الدستور الجديد لايزال الصراع قائما بين الاحزاب والقوى السياسية ولاتزال البلاد تعيش في أتون الفوضى والارهاب. واذا قدر أن يهدأ هذا الاعصار المدمر فسيكون الاحتمال الاكبر ان تتفق أكبر القوى السياسية على المحاصصة واقتسام الغنائم وسيظل مستقبل السواد الاعظم من مواطني العراق المستقلين معلقا بمديات انتماءاتهم السياسية وارتباطاتهم القومية والطائفية والعشائرية والعائلية كبديل لمعيارالارتباط البعثي الذي كان قد أُقحم على الضميرالعراقي كمعيار للمواطنة بل حتى كشرط لاستنشاق الهواء!! ولعل اكثر المنزلقات خطورة عبر تداعيات العملية السياسية الحالية في العراق هو تهميش الاقليات القومية والدينية التي ستدفع ثمن وطنيتها الحقة وعدم تسييسها ورفضها للعنف وتحفظها على الانغماس في المزايدات السياسية. وهذه الاقليات العراقية المتأصلة في تأريخ وحضارة العراق تمثل المجاميع البشرية التي تعايشت في بلاد مابين النهرين وتمازجت بتكاتف وطني وتفاعل اجتماعي مكونة نسيجا انسانيا واحدا منذ بدء التأريخ ، ولم يستطع اي دين فيها عبر القرون المنصرمة أن يلغي دينا آخر ولامذهب أن يعلو على مذهب آخر، ولاطبقة تستهين بطبقة اخرى. وباستثناء حكومة الجمهورية العراقية الاولى التي اغتالها البعث بالغدر والسمسرة والاجرام فأن الحكومات العراقية السابقة واللاحقة وحكومات الجوارالعربية وغير العربية لم تمنح تلك الاقليات حقوق المواطنة الكاملة بل عاملت افرادها كرعايا للانظمة او مواطنين من الدرجة الثانية في احسن الاحوال. وهذا هو الامر الجوهري الذي يدعونا للمطالبة بانتزاع حقوق هذه الاقليات في المواطنة الحقة ومحو كل آثار التفريق والتمييز بينها وبين الاكثريات القومية والدينية المتنفذة منها وغير المتنفذة، وذلك باعتبار هذه الاقليات جزءا لايتجزء من الدم العراقي وتربة الوطن ونسيجه التاريخي والثقافي والحضاري. ومن هذه الاقليات التي تواجه اخطار العملية السياسية الحالية والتي نرفع اصواتنا صاخبة معها في المطالبة بحقوقها الكاملة هي:
* الاكراد الفيليون : وهم أكثر فئات الشعب العراقي تعرضاً للظلم والقهر لازدواج السببين العرقي والطائفي. ولم يكن بخاف على أحد كيف طالتهم أيادي الغدر في مااقترف صدام و نظامه الوحشي بحقهم من جرائم التمييز العنصري و التطهير العرقي ومصادرة الاملاك وسبي العوائل واعدام الشباب بغير ذنب سوى وطنيتهم.
* مسيحيو العراق من الآشوريين والأرمن والكلدان واليعاقبة والسريان: وهم الاقليات الدينية التي كان لها دور كبير في البناء الاقتصادي والنهضة الثقافية في العراق عبر الترجمة والتأليف باعتبارهم البوابة الثقافية على الغرب والثقافات غير الاسلامية. فعلى مر العصور ظهرت منهم كوكبة من الأسماء الأدبية والفكرية اللامعة وكان بينهم صحفيون ومربون وعلماء واختصاصيون وفنانون من كلا الجنسين . كما ان عددا كبيرا من المسيحيين غادرالعراق بعد سقوط النظام البعثي بسبب أعمال العنف التي طالت حياتهم وكنائسهم.
* الصابئة المندائيون الذين يتدينون بنور الله ، هذه الديانة التي بدأها سيدنا آدم وبشر بها الرسل سام بن نوح و شيت بن آدم ويحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان الذي عمّد سيدنا المسيح). وهم أيضا من الاقليات العراقية القديمة التي ساهمت عبر آلاف السنين بالنهضة العراقية وتميزت بالتعايش السلمي البناء وعرفت بالاخلاق الدمثة والطيبة ورفض العنف. ولعل كون الديانة الصابئية سمحاء محبة للسلام وتحرم استخدام العنف قد جعل أبناء هذه الطائفة ضحية سهلة لممارسات المتطرفين الإسلاميين الذين ارتكبوا ويرتكبون أبشع الجرائم بحقهم. إن المئات من أفراد الصابئة المندائية من سكنة مدن الجنوب قد غادروا الى الأردن وسوريا هرباً من أوضاع صعبة ومريرة , ويقدر أعداد الفارين حتى شهر فبراير (شباط) من هذا العام ثلاثة آلاف صابئي.
* الايزيدية : الاقلية العريقة التي تعرضت للأذى من قبل المتطرفين الأصوليين الأكراد ولحملات الابادة والتهجير من قبل النظام الطائفي العنصري المقبور . وهي اقلية شعب طيب مسالم لا يمارس العنف, بل يدعو للسلام ويتجنب المشاركة في الحروب.
* الشبك : اخواننا الذين تعرضوا الى حملات مجرمة للتشكيك بهويتهم القومية وبولائهم للعراق فقام البعث المجرم بتهجيرهم واهمال تقديم الخدمات لقراهم وبيئتهم, على الرغم من أن مجتمع الشبك هو مجتمع مسالم متدين يحمل تقاليد عراقية أصيلة كعفة النفس والكرم والشهامة والطيبة.
* التركمان : وهم من سكان العرا ق الاصليين وليست لهم أيّة تبعية الى أيّة دولة على وجه الارض .ولقد لحقهم في عهد الطاغية صدام الكثير من القهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي وخاصة الشيعة منهم. كما تعرضوا للظلم من بعض غلاة الأكراد من العنصريين الطائفين والذين لا زالوا ينظرون اليهم من عل ويغبنون حقوقهم في شراكة الوطن وخيراته. ولا يمكننا أن ننسى الأكراد الكاكائية وأهل الحق وغيرهم من الملل والنحل والمذاهب الصغيرة التي يتوجب على الجميع رعايتها وحمايتها لأنها من ثروات العراق وقوس قزحه الجميل.
ان الحيف الذي طال السواد الأعظم من العراقيين في زمن الطاغية يحتم علينا جميعا الاقرار بالمساواة والتكاتف واشاعة مشاعر الاخوة والمواطنة الحقة. على أن المساواة بين العراقيين على اختلاف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم وانتماءاتهم ليست منة أو مكرمة يتكرم بها الغالب على المغلوب ، انما هي حق دستوري مقرور وممارستها واجب انساني ووطني مقدس يجب صيانته من الاعيب السياسة وشرور التعصب القومي والعنصري والديني. فبعد أن تغير الزمن وسقط الطاغية، سوف لن يسمح العراقيون النجباء لطغاة جدد أن يعتلوا الظهور من جديد ويعيثوا في الارض فسادا ويخربوا هذه الفسيفساء العراقية الجميلة الزاهية الالوان، مصدر الفكر والابداع وماكنة البناء والتعمير. إننا نطالب الغالبية العراقية بحماية الأقليات والدفاع عنها وتمثيلها في الجمعية الوطنية القادمة ودعمها ومنحها الحقوق الكاملة المنصوص عليها في الدستور لتتمكن من استرداد هويتها العراقية بعد طول إقصاء وتهميش. فلقد صار لزاما على رجال العهد الجديد أن يجعلوا القول فعلا ويحولوا الشعارات الى ممارسات لتصبح المساواة والعدالة الاجتماعية حقيقة معاشة بدلا من ان تكون موضوعا للخطابات الفارغة. فليتم بالفعل مافوّضهم الشعب عليه في تسديد فاتورة الامن والاستقرار والاستقلال الكامل وتعمير البلاد وانصاف شعبها الصابر والتي مضى على اوان تسديدها دهرا


الموقعون من اعضاء البورد في مؤسسة تراي الثقافية المستقلة:
د. مصدق الحبيب رافع الصفار طارق حربي فؤاد ميرزا د. اعتقال الطائي آزاد اسكندر رضا حسن رضا


من أجل مساندة البيان والتوقيع الرجاء إستخدام الرابط التالي:
http://www.iraqiwriter.com/Iraqi_Writers/azad/bean_03.htm
 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com