|
أهل الحل والعقد
وداد فاخر* / النمسا
تردد في الفترة الأخيرة مصطلح ( أهل الحل والعقد ) كنوع من الحل للوصول لإجماع كامل حول الكثير من القضايا التي تهم الوضع السياسي العراقي . ورغم تحمس البعض من السياسيين العراقيين لوضع هذا المصطلح موضع العمل ، إلا أن الائتلاف العراقي الموحد ( الشيعي ) وقف بالضد من تحقيق هذا المطلب الذي يتعارض حسب رأيه مع التوجه العام للقوى السياسية العراقية نحو تحقيق ديمقراطية حقيقية لا تتوافق مطلقا مع هذه الطروحات التي تثير مخاوفهم من عودة جديدة للدكتاتورية من خلال تحكم مجموعة ( أهل الحل والعقد ) المقترحة التي ستكون بديلا عن ( مجلس قيادة الثورة المنحل ) . وللرجوع إلى اصل وتاريخ هذا المصطلح نرى أن هذا المصطلح هو نفسه ما يطلق عليه ( مجلس الشورى ) ، أو ( الحسبة ) ، والذي عمل به في أول العهد الراشدي وبعد وفاة النبي محمد مباشرة . فقد ظهرت فكرة «أهل الحل والعقد والاختيار» في فترة مبكرة من عهد الخلافة الراشدة، بدأت بعدد محدود ، وكان الهدف منها عقد البيعة للخليفة الخلف، ثم اختفت مع ظهور أنماط مختلفة من نظم الحكم في العهود الإسلامية اللاحقة. وقد كانت حادثة السقيفة التاريخية التي تم فيها اختيار أبو بكر الصديق ( ت 13 هـ ) ، ثم توسعت هذه الممارسة عندما أوصى الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب ( ت 23 هـ ) بتعيين مجموعة من ( أهل الحل والعقد ) لاختيار خليفة للمسلمين من بعده من بين ستة أشخاص بضمنهم ( عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف ) ، حيث تم اختيار عثمان بن عفان ( قتل 36 هـ ) في المدينة المنورة . وقد بني الرأي حول العمل بمصطلح ( أهل الحل والعقد ) أو ( الشورى ) بموجب النص القرآني ( وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله ) – آل عمران 159 - ، وهذا لا يعني إن سلطة الرسول (ص) الشرعية مقيدة برأي الأمة ، لأن المولى عز وجل لم يوجب عليه ـ بصفته الرسالية ـ الأخذ بما يشار عليه من صحابته . فاذا ورد النص التشريعي من قبل الله أو الرسول ، فليس لأحد الاجتهاد ، بل عليهم الأخذ به حتماً ، بموجب النص القرآني ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) – الزخرف 78 - ، والآية الأخرى ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ) – يونس 35 - فالمشاورة التي أمر الله سبحانه رسوله الأخذ بها كانت منحصرة في الأمور العرفية فقط . لذلك فالفكرة من تطبيق مفهوم ( أهل الحل والعقد ) ما هو إلا تفويض من قبل جمهور العامة بتكليف أشخاص للعمل نيابة عنها ، وهذا التوكيل نابع من مفهوم إن للأمة الحق في توكيل من تشاء للتعبير عن رأيها في إدارة شؤون الدولة ؛ فيكون للوكلاء نفس الحقوق التي يملكها موكلوهم . ولما كان التوكيل عملاً شرعياً في المعاملات التجارية والاقتصادية والعقود والإيقاعات ، فانه يصح في المعاملات السياسية أيضا لإطلاق أدلة الوكالة وعدم تقييدها بحقل معين من التوكيل ، وهو مفهوم بدائي ينطبق على وضع الشكل الجديد من الحكم الذي لم يصل حتى لمفهوم الدولة المؤسساتية في بداية العصر الإسلامي ، وضمن مجتمع بدائي بسيط جدا خرج للتو من ظلام الجاهلية . وقد طبق هذا المفهوم في العصر الحديث بتعيين مجالس( شورى ) في عدد من الدول الإسلامية يجري تعيين بعضها من قبل ( أولوا الأمر ) ، أو أن يتم تعيين نصفهم وانتخاب نصفهم الآخر ، وهو خلاف تام للمبدأ الديمقراطي السائد في العصر الحديث عند تطبيق المبدأ الديمقراطي الذي لا يقيد ممثلي الشعب ويترك لهم حرية سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية . بينما يكون رأي ( أهل الحل والعقد ) استشاريا فقط . فالنص القرآني يحدد ويوجه ( مجلس الشورى ) وفق النص القرآني ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) - المائدة44 - ، بينما تعطي الديمقراطية لممثلي الشعب الفرصة للاختيار دون المس بالتشريع القرآني . لذا فعند مراجعة تطبيق مبدأ ( أهل الحل والعقد ) في عصرنا الحاضر نرى إن النظر للدول الحديثة التي تزخر بالمؤسسات العديدة ، وظهور الحريات والقوانين التي تكفل حرية إبداء الرأي ، كل ذلك يجعل من تطبيق مبدأ ( أهل الحل والعقد ) مبدءا متخلفا كون هذا المصطلح يتمثل في الاختيار السلطوي لمجوعة من الناس يكون لهم إبداء الرأي وفق مبدأ الحل والعقد بعيدا جدا عن رأي الأغلبية الممثلة في المجلس النيابي المنتخب ، وبالتالي ستكون لها الغلبة في تمرير وتطبيق العديد من الآراء والقوانين التي يحتمل أن لا تصب في مصلحة الأغلبية كما كان يحدث في زمن الدكتاتورية العفلقية عندما كان ( مجلس قيادة الثورة ) المنحل هو من يشرع القوانين وما على مجلس نواب صدام حسين سوى الموافقة الشكلية على ما يصدره مجلس قيادة الثورة . فالدولة الحالية هي دولة مؤسساتية متشعبة الإدارات وتحكمها قوانين ونظم لم يحتاج لها الحكم الراشدي البدائي في أول عهد الإسلام ولا في أواسطه أو في أخريات أيامه . ولم يتم تأسيس الدولة البدائية إلا في العام 41 هـ ، وفي عهد الخليفة الأموي الأول ( معاوية بن أبي سفيان ) " ت 60 هـ " ، والتي كانت دولة جنينية بسيطة لا ترقي حتى في أوج قوة الدول الإسلامية التي أعقبتها والتي كان آخرها الدولة العثمانية لما وصلت عليه الأمم الحاضرة في العصر الحديث. لذلك يبقى تطبيق هذا المبدأ متخلفا جدا بالقياس لما عليه حال الدول الديمقراطية في عصرنا الراهن . وتكون الأفضلية في الديمقراطيات الحديثة للمجالس البرلمانية المنتخبة التي يترك فيها لممثلي الشعب حرية اختيار القوانين الديمقراطية التي تصب في صالح المجموع . وتظل فكرة أهل الحل والعقد فكرة بدائية تمثل تعيين مجموعة من المقربين للسلطة الذين سيقومون بطرح الرأي والتشريع بعيدا عن رأي وحقوق الأغلبية .
* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |