المرأة العراقية ... والديموقراطية ..!
قرنفلة حمراء للمرأة في عيدها !
هادي فريد التكريتي
hadifarid@maktoob.com
المتصفح لمواقع الصحافة الألكترونية ، يلاحظ تزايدا في عدد أسماء النسوة الناشطات اجتماعيا وسياسيا ، وهذا ما يفرحني بأن أجدهن كاتبات على هذه المواقع ، في مختلف المجالات الأدبية والثقافية ، من مقالات وبحوث وشعر وقصة ، كما في السياسة والاقتصاد والفن ، فإن دل هذا على شيء ، إنما يدل على أن المرأة ، تخيرت طريق حريتها ، وهي ليست بأقل من إمكانيات وقدرات أخيها الرجل ، إذا ما نجحت في انتزاع حقوقها ، وُأتيحت لها الفرص المتساوية لممارستها في كل مجالات الحياة ، وأقر لها المجتمع بحقوق المواطنة المتساوية ، وضمنت لها القوانين السائدة بهذه الحقوق ، اختيارا وممارسة وتعبيرا ، عن وجهة نظرها بحرية كاملة ، في كل ما يخص الشؤون الحياتية للمجتمع الذي تعيش فيه ، سياسيا واجتماعيا ، وأهمها المشاركة في العمل السياسي واتخاذ القرار ، باعتبارها عضوا فاعلا ومؤثرا في المجتمع .
منذ سنوات الحكم الأهلي ، وبواكير تأسيس منظمات المجتمع المدني ، أحزابا ومنظمات اجتماعية ومهنية ، على قلة أعدادها ومحدودية نشاطها ، حاولت المرأة العراقية أن تساهم وتنشط ضمن الأطر المتاحة لهذه التنظيمات آنذاك ، إلا أن الدستور ، رغم توصيف النظام الملكي للدولة بأنها دستورية وديموقراطية ، لم يفسح في المجال للمرأة بالنشاط السياسي ، انتخابا وتمثيلا في المجلس النيابي ، وحتى في المجالس البلدية ، وجردهن من حق المساهمة في صنع القرار ، وهذا ما جعل نصف المجتمع الذي تشكله المرأة ، مشلول التأثير ومعطل الفعل ، رغم القدرات والإمكانيات الجمة التي تتمتع بها المرأة العراقية ، فالمؤسسات التعليمية ، مدارس وكليات ، على قلتها ومحدودية فروعها ، لعبت دورا فعالا في بث الوعي المعرفي بين نساء المدن الكبرى ، وخلقت بعض أجواء للمطالبة ، في أوساطهن بحرية العمل والمساواة ، والتمتع بحقوق سياسية كاملة أسوة بالرجل .
معوقات النظام الملكي التي وضعها أمام المرأة ، كثيرة ، وبنتيجتها خسر المجتمع ، كمًا كبيرا من أعضائه عن مساهمته في بنائه وتطويره ، ولعلنا نجد نموذجا لنصفه المغيب ، في امرأة لعبت دورا عفويا ، لكنه متميزا في تشخيص الوضع السياسي القائم آنذاك ، من خلال مراقبتها للحالة الاجتماعية والاقتصادية السائدة ، وهي محجوبة عن كل مشاركة في أي نشاط اجتماعي أو سياسي ، فقبل أكثر من ستين عاما ساهمت هذه المرأة من \" خلف الكواليس \" كزوجة لسياسي ، أو كمراقبة عاطلة عن العمل ، في نقد سياسة بلدها ، العراق ، متمتعة بوعي عال وكفاءة سياسية ومهنية يقل تواجدها بين رجال العهد الملكي آنذاك ، فالسيدة منَور الهاشمي تكتب لزوجها ، المنفي سياسيا في استنبول ، الفريق طه الهاشمي ، وزير الدفاع العراقي الأسبق ، رسالتين مؤرختين على التوالي 12 كانون ثاني و 5 أيار 1943 ، عن الوضع السياسي والاقتصادي السائد في البلد لتلك الفترة ، وكأنها تكتبها اليوم عن العراق ، أتي عليها حنا بطاطو ضمن كتابه { العراق ، الكتاب الثاني ص130 } تقول السيدة مَنور في رسالتها الأولى :ـ \" ليس عدلا أن تبقى في استنبول بعد تلقي الأذن ( بالعودة ) . أرجوك أن تأتي بلا تأخير . النصائح المخالفة التي تلقيتها إنما أتتك من أناس لا يريدونك أن تأتي إلى هنا لأنهم يخافون أن تصبح عقبة في وجه سرقاتهم إذا ما أصبحت وزيرا . الفئران تتكاثر بسرعة وإلى درجة أن عدد القطط لم يعد كافيا ...والناس الذين كانوا في السابق يركبون عربات تجرها الثيران صاروا يقودون اليوم السيارات وجيوبهم ملأى بأوراق اللعب .والذين لا يرغبون بمجيئك هم هذا النوع من الناس ، وبينهم الكثير من الأصدقاء والأقارب ...\"
الرسالة الثانية :ـ\"...عزيزي ، الحياة مكلفة جدا . لقد أصبح الدينار بقيمة الفلس ...حتى الخيار صار ب 300 فلس ، والقماش القطني المطبوع يباع ب 250 فلسا للذراع ..، يمكنك أن تتكهن بالحالة المزرية ... سألت أحمد شوقي إن كانت الحكومة ستتخذ أية إجراءات وقائية ..رد بالقول :ـ ( ليس لنا أي حق بالتدخل لأن التجارة حرة ويمكن أن يبيع بضاعته بالسعر الذي يرغبه ) إني أستغرب لماذا يبقى أمثال هؤلاء الجهلة في المدينة \" هاتان الرسالتان تصوران بصدق واقعا لوضع اجتماعي تعيش فيه امرأة عراقية ، تعبر عن رأي قطاع كبير من النساء يحيون حياتها ومثلها وهي تتلمس واقع العراق ، إلا أنهن لم يجدن الوسيلة للتعبير ، نتيجة لأوضاعهن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتخلفة والسائدة في البلد ، تتحكم فيهن عوائق لنظام حكم رجعي ـ إقطاعي ، بتقاليد وقيم اجتماعية عشائرية متخلفة ، ودين يضع حواجز أمام المرأة ، تحول دون ممارستها لحقوقها في حياة طبيعية كالرجل ، كل أو بعض من هذه الأسباب حالت دون مشاركة المرأة ورغبتها في بناء الوطن .
النظام السياسي والاجتماعي السائد ، سلبها حريتها وحقها من أن تمارس أي نشاط سياسي أومهني ، وحولها إلى إنسانة معاقة أو قاصرة مجردة من أهليتها في المشاركة بحياة طبيعية لعضو كاملة العقل وصحيحة البدن ، وفرض عليها قيودا صارمة حتى على خروجها من البيت ، فهي لا تخرج إلا مرتين ، مرة من بيت وليها لزوجها ، والثانية منه إلى القبر ، وبين هذا وذاك لا خروج إلا بصحبة محرم ، حتى وإن كان هذا المحرم جاهلا أو معتوها أو طفلا ، في ظل مثل هذه الأوضاع هل يرجى للمرأة من مخرج ؟ .
. إذا كان الدستور ، رب القوانين ، قد أنكر وتجاهل كل حق للمرأة ، فعلى شاكلته تكون كل قوانين البلد الأخرى ، وهي تستمد من الدين والقيم العشائرية المتخلفة أحكامها وموادها ، فحقوقها منقوصة ، في أهليتها وميراثها ، وحريتها الشخصية معدومة ، حتى في البيت تعاني من عسف الزوج وإهانته ، حتى عندما يناديها فلا يناديها إلا بصفات مهينة ، وكل فعل تمارسه مرهون بوصاية الرجل عليها . هذه القيود جعلت من هذه المرأة وغيرها ، يعشن خلف أبواب موصدة ، في حين كان ، ولا زال ، المجتمع وقوانينه الذكورية تفسح في المجال لأمثال \"أحمد شوقي \" الذي استغربت هذه السيدة ـ منور ـ أن يبقى أمثاله من الجهلة والقاصرين ، فكرا ووعيا يحكمون البلد ، وهذا واقع كان على المرأة أن تجد البديل له . والبديل هو المواجهة والتحدي لانتزاع حريتها وحقوقها المهضومة .
تجاهل حقوق المرأة دستوريا ، والتحديدات الاجتماعية التي فرضها المجتمع ، بتقاليده وأعرافه المتخلفة ، ُأريد منها حجب مساهمة المرأة العراقية عن النشاط العام ، في كل مجالات الحياة ، إلا أنها لم تفلح ، لسببين :ـ الأول ـ نتيجة لتزايد وعيها بأهمية دورها في بناء المجتمع ، ودأبها المثابر على مطالبتها وبإصرار ، على تمتعها بأهلية كاملة في المجتمع وأمام القانون وضرورة التخلص ، أو التخفيف من ثقل القيود المفروضة على حريتها ، والمعيقة لتطورها وتقدمها .
الثاني ـ يتعلق بتطور العملية الديموقراطية السياسية العراقية ، وبدعم ومساعدة منظمات المجتمع المدني للمرأة من أجل نيل حقوقها دستوريا ، التي لعبت دورا إيجابيا وفعالا ، على مختلف العهود ، في نضالها من أجل أن تحقق للمرأة ما يمكن تحقيقه ، من حقوق سياسية ومدنية ، ارتباطا بالنضال السياسي العام ، والمسيرة الديموقراطية في البلد ، وما تحقق فيها من نجاح أو فشل ..
دخول المرأة ساحة المعترك السياسي عن طريق التنظيمات الحزبية ، عزز من مكانتها ودورها الفاعل في المجتمع ، باعتبارها عنصرا مهما في تنميته ، وتسريع وتائر تقدمه اقتصاديا وثقافيا وسياسيا ، من خلال مشاركة المرأة الفعلية ، في توجهاتها نحو ديموقراطية سياسية ، تنتزع من خلالها حقوقها كاملة .
الحزب الشيوعي العراقي ، وهو يسعى لتغيير بنية المجتمع سياسيا ، وعلى كل المستويات الاجتماعية الأخرى ، كان له السبق في تنظيم المرأة سياسيا وإشراكها في رسم سياسة الحزب ، وتأهيلها لقيادة الكثير من قطاعات المجتمع منذ العام 1941 ، حيث شغلت المرأة مركزا متقدما في صفوفه ، وأصبحت أمينة الرحال ، أول امرأة عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ، وهذا السبق للمرأة ، على الرغم من ضآلة تمثيله في الهيئة القيادية للحزب آنذاك ، إلا أنه يعتبر خطوة كبيرة ، ونقلة نوعية متقدمة للمرأة نحو الديموقراطية السياسية ، وبذا يعتبر الحزب الشيوعي ، أول مؤسسة سياسية عراقية ، يعترف عمليا بمساواة كاملة للمرأة ، ويضعها في هيئة إصدار القرار السياسي الحزبي ، قبل أن تظهر أية تنظيمات مهنية للمرأة بأكثر من عشر سنوات .
نظام الحكم الملكي القائم آنذاك ، ودستوره ، لم يقرا للمواطن الذكر بحق الانتخاب المباشر للسلطة التشريعية ، إلا في خمسينات القرن الماضي ، أما المرأة فلم يعترف لها بأي حق من الحقوق الديموقراطية ، ومن ضمنها حق المساهمة في أختيار ممثلي المجتمع إلى المجلس النيابي ، وشعورا منها بغبن يقع عليها كمواطنة ، وضرورة الدفاع عن حقوقها ، انخرطت في النضال الوطني والسياسي ، لتأكيد ذاتها ، ومن أجل نيل حقوقها ، جلب عليها غضب النظام الملكي ، فصدرت عليها الأحكام بالسجن .
فثورة 14 تموز الوطنية في العام 1958 ، أسقطت نظاما ملكيا رجعيا وعميلا ، وأسقطت معه الكثير من القوانين المقيدة للحرية ، وهي من حررت المرأة ، وأعادت لها حقوقها التي كانت تطالب بها ، بتشريع قانون الأحوال الشخصية المرقم 188للعام 1959 ،كما أطلقت سراح السجينات السياسيات من النساء ، وأعادت لهن حريتهن وحقوقهن المدنية والسياسية . كما أقرت للمرأة حق المساهمة بالقرار السياسي ، من خلال إسناد أول منصب وزاري ، ربما في عالمنا العربي آنذاك ، للسيدة نزيهة الدليمي ، رئيسة رابطة المرأة العراقية ، فكانت هذه أول خطوة باتجاه الديموقراطية للمرأة ، إلا أن النواة الجديدة للسلطة الديموقراطية ، وحقوق المرأة وطفلها ، والمواطن ، قد أتى عليها الطاعون القومي ـ البعثي ، منذ العام 1963 وحتى نهايته في 2003 ، فاصبح كل شيء مرهون بمؤسسات غير دستورية ، ووفق رغبة الحاكم الفرد ، الذي عبا السجون والمواقف ، بالمرأة وطفلها ، وبمن يمت لها بصلة من الرجال ، وأصدر أحكاما جائرة عليها بما فيه الإعدام ، وما عاد الحديث عن حقوقها إلا من قبيل التهكم والسخرية ، بالوحدة والحرية والاشتراكية .
المرأة العراقية كانت قد شخصت ، بوقت مبكر ، من أن تحقيق حريتها ، و مساواتها بالرجل ، يتطلب مساهمتها الجادة والفاعلة ، لتغيير قناعات خاطئة عن المرأة وقصورها العقلي ، ترسخت في المجتمع وجسدها القانون . فتحقيق حقوقها وإقرارها دستوريا ، مرهون بنضالها وقدرتها على المشاركة في تغيير الظرف السياسي ، واستبداله بواقع آخر ، يقر ليس فقط بما لها من حقوق ، بل ولتطويرها ديموقراطيا ، والدفاع عن حقوق الشعب أمام السلطة وانتهاكاتها ، وسلبها حرية وحقوق المواطنين أيضا ، وهذا ما فعلته عندما ساهمت مع فصائل الأنصار من مقاتلي الحزب الشيوعي العراقي ، في نهاية سبعينات القرن الماضي ، عندما رفعت السلاح بوجه النظام الفاشي ـ البعثي ، دفاعا عن حريات الشعب ومؤسساته الديموقراطية ، وحق المواطن في حقوق متساوية ، والعيش في وطن آمن .
بعد إسقاط النظام البعثي ـ الفاشي في العام 2003 ، تم تعزيز دور المرأة في مجلس الحكم ، وأقر لها الدستور الجديد بحقوق سياسية كاملة ، في الانتخاب والترشيح للمجلس النيابي والتمثيل في مجلس الوزراء ، إلا أن حقوقها المكتسبة بفضل وعيها ونضالها والمحافظة على هذه الحقوق ، مرهونة بمدى يقظتها والمثابرة على تطوير ما حصلت عليه ، وإبداء كل مقاومة للمحاولات التي ستبذلها القوى الدينية ، بكل طوائفها ، المناهضة لهذه الحقوق ، كما فعلت بقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 عندما حاولت الغاءه ، وستعاود الكرة مرة أخرى ، لأن تعيد المرأة أسيرة البيت ، منقوصة الحق والحقوق ، بالالتفاف على ما تحقق وتحجيم دورها من جديد .
تفعيل دور المرأة ، وحشد النساء للمشاركة بفعالية في تطوير حقوقهن ، مرهون بالواقع السياسي والوضع الأمني السائد في البلد ، الذي يحول دون المساهمة في نشاطات المرأة خارج البيت ، لحشدهن في المطالبة بترسيخ وتطوير ما توصلت إليه من حقوق أقرها الدستور ،هذا الواقع ، بدوره أدي إلى تدني المشاركة الفعلية في إزالة المعوقات التي تقف أمام المرأة .. المعوقات المعرقلة للمرأة ومساهمتها في تطوير قدراتها ، كثيرة ومتعددة ، البعض أمني ، ما أسلفت ، نتيجة لعدم قدرة المرأة على الوصول إلى المكان الذي تريد وترغب فيه ، وبعضها ثقافي ، حرمها من المشاركة الجادة والفاعلة ، نتيجة لتقاليد متخلفة ، من قيم طائفية وعشائرية ودينية ، كما هو نتيجة حرمانها من ممارسة نشاطات ديموقراطية ، محليا وعالميا ، أدت إلى انعدام في الخبرة والتجربة ، كما هو يكمن في تبعيتها الاقتصادية للرجل ، وعدم توفر فرص العمل لها ، كل هذه الأمور تتطلب معالجتها ، ووضع الحلول المناسبة لها ، ليس من قبل المرأة لوحدها ، ولا بمساهمات جادة من قبل منظمات المجتمع المدني فقط ، بل ويلعب النظام السياسي السائد دورا مميزا في توفير متطلبات الحياة الآمنة والمستقرة ، لممارسة حياة ديموقراطية سليمة وآمنة.
التجربة الماضية / الحالية تحققت فيها للمرأة فرصا لتسنم مناصب وزارية ، ولإشغال مواقع رفيعة في مؤسسات اجتماعية واقتصادية ، كما وإن نسبتها في المجلس التشريعي كانت ما يعادل 25% ، إلا أن دورها السياسي كان ضعيفا ومهمشا ، وهذا ناتج عن كوتا المحاصصة الطائفية والعنصرية ، وتبعية المرأة لتنظيمات سياسية ـ طائفية ، يقودها رجال ممن لا يؤمنون أساسا بعمل المرأة سياسيا ، جيء بها كديكور تنفيذا لنص دستوري ليس إلا ، وهذا ما يجب النضال ضده ودون تحقيقه ، لأنه يؤثر على سمعة عملها وكفاءتها ، وضرورة المساهمة من واقع الكفاءة والمواطنة والمساواة ، من أجل بناء العراق الجديد ، ولتلافي هذا التدني في الكفاءة ، ينبغي العمل على معالجة أسباب وظروف التخلف وإيجاد السبل الكفيلة بتسريع مكافحة الجهل والأمية ، ليتسنى بناء مؤسسات ديموقراطية حقيقية ، تكون فيها المرأة صاحبة قرار واعي ومؤثر ، للنهوض بمجتمع يعاني أكثر من نصفه إعاقات اجتماعية وسياسية ، على مستويات مختلفة .
في الجمعية الوطنية ، السابقة ، كان عدد النساء الناشطات في المناقشة واتخاذ القرار عن وعي وإدراك بمصالح البلد ، لم يتجاوز حضورهن الفاعل ، عدد أصابع اليد الواحدة ، أغلبهن كان محسوبا على أجنحة ليبرالية وديموقراطية ، وفي المجلس الجديد لم يكن الحال أفضل من سابقه ، أغلبهن من تنظيمات دينية ، لا تؤمن بالمرأة وحقها في الحرية والمساواة بالرجل ، وإنما وفق ما يقره الدين ، مع الإقرار والتسليم بمبدأ \" النساء ناقصات عقل ودين \" و\" لا خير في رأي تراه امرأة \" كما تقر بنقصان أهليتها \" للذكر مثل حظ الأنثيين \" ، ففي مثل هذا الحال تكون المرأة تابعا لما يخططه لها الرجل ، أو بما يبديه تجاهها من حسن نية ، في أحسن الأحوال ، وللحيلولة دون أن يتحقق هذا كله ، يتطلب الأمر كفاءة ومقدرة من المرأة على العمل ضمن النساء ، لرفع مستوى وعيهن بخطورة تولي نسوة ينكرن حقوق المرأة ، بالعمل على إبعاد كل من لم يؤمن بحقوق المرأة من تمثيلهن ، ليس في المجالس النيابية فقط بل وفي أي مجال مهني آخر . كما تجدر الإشارة إلى أن الكثير من مواد الدستور لا زالت بحاجة ماسة ، للتعديل فيما يخص المواد المتعلقة بحقوقها وحقوق الأسرة والطفل ، وضرورة ربط هذه الحقوق بتشريعات قانونية ، وتوثيقها دوليا بالإقرار والتصديق عما يصدر عن المنظمات الدولية وحقوق الإنسان فيما يتعلق بهذا الجانب .
في الجانب الأخر ليس صحيحا ، أو واقعيا ربط كل ما ينتقص من الحقوق ، الديموقراطية والسياسية للمرأة ، بالتشريعات الدستورية المشرعة ، إنما قصور المرأة وتراخيها ، وعدم متابعتها للنشاطات السياسية والثقافية والأقتصادية في البلد ، تلعب دورا كبيرا من انتقاص في حقوقها وتشريعها ، ويؤثر على إثبات قدراتها السياسية والإدارية ، وأهليتها على نيل الحقوق المساوية للرجل .
على المرأة اختراق وتحطيم الكثير من الحواجز المصطنعة والمتخلفة التي تعيقها وتمنعها من تمتعها بحقوقها المدنية ، وتلك التي تحد من نشاطها ومشاركتها الجادة ، في الحياة السياسية والديموقراطية ، فالأمية متفشية بين أفراد المجتمع ككل ، والقيود الإجتماعية والدينية لا زالت تفرض على الفتاة وتكبلها ، في الكثير من المناطق الريفية البعيدة عن مراكز المدن ، وتحول دون تعليمها في مدارس مختلطة ، إن استمر هذا لفترة طويلة ، فسيؤثر على المسار الديموقراطي في المجتمع ، فالمرأة هي ركن أساسي من أركان تطور العملية الديموقراطية ، وبدونها لا يمكن تحقيق نجاحات ، حتى وإن ضمنت التشريعات حقها في ذلك ، فالممارسة هي ما يغني العملية ويطورها ويجعلها متسقة مع واقع التشريع ، ولتجاوز التخلف في المجال التعليمي ، ضرورة المطالبة بتخصيص المزيد من التخصيصات في الميزانية للتعليم وتطويره ، وخصوصا في المناطق الريفية والنائية النظام الملكي ومؤسساته الرجعية والقمعية من جهة ، وسياسات الدولة القومية ـ الفاشية ، للنظام السابق من جهة أخرى ، لعبت دورا أساسيا في تخلف المرأة العراقية وإبعادها عن كل نشاط سياسي يؤثر في تطوير اتجاهات ديموقراطية للمجتمع ، على الرغم من أن هذه الأنظمة كانت علمانية في قوانينها وتوجهاتها ، إلا أنها رجعية في إجراءاتها، وما يحصل عندنا اليوم هو العكس ، بعد سقوط النظام الفاشي ، فالدستور بسمات دستورية ديموقراطية ، يقر حقوقا متقدمة للمرأة إلا إنه يقيدها بقيود إسلامية ـ طائفية ، مازجا بين قيود الدين وأحكامه ، وتقاليد القبيلة والعشيرة المتخلفة ، جاعلا من الدستور في جوهره مناقضا لكل الأنظمة واللوائح التقدمية والديموقراطية التي أقرتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ، التي سبق للعراق أن إعترف بها ، وبذلك ُتجرد فقرات الدستور من دلالاته الديموقراطية ، وتبعده عن كل ما هو إيجابي في نص مواده ، وهذا ما يتطلب من المرأة جهدا متواصلا ، وضغطا مستمرا على السلطة التشريعية ، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني العراقية ، وحقوق الإنسان العالمية ، لتصحيح مسار الدستور فيما يخص القيود الدينية المفروضة على مواده ، وتشريعات منظمة الأمم المتحدة .
على المرأة أن تقنع المجتمع بأهميتها ، في تطوير كل مجالات الحياة ، كما عليها أن تدرك ، أن لا حياة ديموقراطية فاعلة دون وعي بأهمية مشاركتها ، ومساهمتها في العمل والقرار السياسي ، وتحقيق حقوقها وتطويرها مرهون بنضالها ، إن أرادت أن تشغل الموقع الذي يجب كإنسان متحضر ومتمدن ....!!
العودة الى الصفحة الرئيسية