|
لــمـاذا الجعفري ...؟ علي الشلاه / كاتب عراقي تتصاعد هذه الأيام أصوات مختلفة تطالب بتنحية مرشح الأئتلاف العراقي الموحد الدكتور ابراهيم الأشيقر الجعفري زعيم حزب الدعوة الاسلامية أعرق الأحزاب الاسلامية العراقية وأكثرها شهداءً والذي ظل طوال سنوات الدكتاتورية الصدامية الساقطة رمزاً للمعارضة والثورة على النظام حتى ان نظام صدام اصدر امراً باعدام المنتمين اليه وعد ذلك قانوناً واجب التنفيذ، ولذا يمثل حزب الدعوة رمزاً متفرداً في الوجدان العراقي حتى بعد انشقاق بعض اجنحته وكوادره ، وكان لموقفه المستقل وعدم تسليمه بنظرية ولاية الفقيه وغلبة الزعامات العربية في قياداته أثر كبير في تشكيله خطاً وسطاً في المشهد الشيعي العراقي جعل اقترابه من التيار الصدري والمستقلين وزعامات الداخل أمراً طبيعياً، وخلافاً لمشكلات سائر الاحزاب العربية والعراقية فان مشكلة حزب الدعوة في كثرة منظريه ومثقفيه الذين يصعب ان ينقادوا بيسر للاطر الايدلوجية والتنظيمية وهو ما يفسر كثرة الآراء داخله وربما بعض الانشقاقات عليه. وحين تولى الدكتور الجعفري زعامة الحزب فقد انحاز اليه كثيرون لما يتمتع به الجعفري من احترام داخل البيت العراقي وخصوصاً لدى الشيعة والذين هم اكثرية الشعب العراقي ، اذا وجدوا فيه اضافة الى مؤهلاته الشخصية حلاً وسطاً لاشكالية العلاقة مع ايران والتي طالما اتهم بها شيعة العراق من كتبة وساسة الأشقاء العرب، فالأشيقر ليس عدواً للجمهورية الاسلامية وليس ممن ينقادون اليها ، فهو يضع العراق اولاً وأخيراً منذ كان معارضاً بامكانيات محدودة، فلم يساوم على استقلالية حزبه، وقد ترسخت هذه الرؤية بعد تسلمه زعامة العراق ،فلا حلف ولا اتفاق قبل العراق الوطن الحر الموحد المستقل، ولم تجره طائفية بعضهم ولا تشنجاتهم الى الخروج عن منطقه الوطني الجامع رغم الحملة الظالمة وغير المسبوقة التي تعرض لها من الاطراف كلها، بل ظل متوازناً متـزناً مما أكسبه شعبية كبيرة في الشارع العراقي ، خصوصاً بعد تجاوز مرحلة الخلاف مع المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق وظهور التنظيمين الكبيرين متآزرين في المشهد السياسي الذي تلى سقوط الطاغية. لقد تصرف الجعفري وفقاً للدستور كرئيس وزراء للعراق وحاكم فعلي له ، ولم تكن الاشكالية بينه وبين الرئيس طالباني بسبب تفرده بل لأن السيد طالباني يمتلك مؤهلات شخصية هي اكبر من مؤهلات رئيس رمزي ، وقد سعى الكرد الى تحجيم منصب الرئيس وتهميشه في الدستورخوفاً من وصول صدام آخر، ولم يدر بخلدهم انهم سيكونون على كرسي المنصب متضررين مما سعوا اليه ، ولذا فقد ادرك السيد مسعود برزاني ان اضافة صلاحيات للرئيس ليست من مصلحة الكرد فالرئاسة ليست من نصيبهم على المدى الطويل، كما ان وجود رئيس كردي للعراق يبطل الحلم الكردي بالدولة المستقلة أو الفدرالية الخاصة، ويجعلهم وسط معمعة العراق العربي ويربك قواعدهم التي ربوها على حلم الاستقلال والوحدة مع الأشقاء المتوزعين في جوار العراق، فكيف تستقل عن بلد تحكمه انت ؟ ولذا ظل الرئيس برزاني حذراً من طموحات الرئيس طالباني ولم يخدعه الموقف المتذبذب للسنة العرب الذين سكتوا عن كركوك التي طالماً دعوا الى ابعادها عن اقليم كردستان، ولكنهم سكتوا عندما اصبحت محل خلاف بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس الرئاسة ، وكل همهم اضعاف الجعفري حتى على حساب الوحدة الوطنية التي تعني لديهم حكم طائفة بعينها فاذا لم تكن عربية فلتكن كردية ولتذهب عروبة العراق الى الجحيم اذا كان الذي سيحكم هم الشيعة العرب. ان المراهنة على شق الائتلاف وازاحة الجعفري امر خطير جداً قد يؤدي الى عصيان مدني في الفرات الاوسط والجنوب اضافة الى ثلثي بغداد، وهاهي المظاهرات قد بدأت من النجف ومدينة الصدر والبصرة والعمارة وبابل وباقي المحافظات الشيعية التسع، ويلاحظ المراقب ان المواطنين ينظرون الى المطالبة بتنحية الجعفري على انها جرح كبير بالكرامة واهانة لمن رشحوه وللأكثرية التي تسير خلفه ، ولذا فان المراهنين على ذلك سيواجهون مشكلات كبرى ليست في حساباتهم الضيقة خصوصاً وأن الشيعة عبر تاريخهم كانوا يتعاطفون مع المظلومين من قادتهم حتى وهم في أتون القهر والترهيب، فكيف اذا كان بامكانهم التعبير والتظاهر والعصيان؟ ان القبول بالجعفري هو الخيار الأفضل للوحدة الوطنية العراقية ، وأرجو ان يدرك الرئيس طالباني ذلك بحكمته المعهودة ويجنب حلف المظلومين التاريخي انكساراً لا رجعة عنه ، وان اختار فخامة الرئيس كلماته المشككة بمرشح الائتلاف بلغة حريرية، فالعراقيون لعبتهم البلاغة والشعر ولن يرتبكوا امام الأغراض الواضحة مهما رقت لغتها الظاهرة ثم انهم لم يألفوا الحرير بعد.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |