|
التشدد الديني و الإسلام السياسي دراسة من أربعة أجزاء: الجزء الثاني احسان طالب قدمنا في الجزء الأول من دراستنا استعراضا جزئيا للمحور الأول منها انتشار التشدد الديني ، المظاهر الأسباب والدعائم. نتابع في الجزء الثاني رؤيتنا التحليلية وقرأتنا لمجمل الجوانب المرتبطة به .
عقدة التفوق الحضاري اعتاد العقل والفكر العربي على استساغة بديهية أو مسلمة مفادها أن الحضارة العربية وتاريخها هي أعظم ما عرفته البشرية وما يمكن أن تعرفه في الحاضر والمستقبل وبناء" عليه كانت النظرة الفوقية تجاه الآخرين تحجب الموضوعية العلمية في تقيم الأمور والنظر إليها ، و لما كان الواقع المادي المشاهد يشير إلى تقدم وتفوق مادي وربما أخلاقي للأمم التي تعد مشركة أو كافرة ، حدث تناقض بين المعتقد والواقع المخالف له مما يستدعي النقد والمراجعة إلا أن ردة الفعل كانت معاكسة تماما وتحول الشعور بالهزيمة أو النقص تجاه الآخرين إلى عودة نحو الخلف وبحث عن الطرائق والأساليب والمناهج التي حققت أمجاد الماضي السحيق ( لا يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها ) . ومرة أخرى تم الهروب نحو الخلف والبحث في أدق تفاصيل معيشة السلف وإعادة إ حياءها وتطبيقها من جديد بشكل لاعقلاني وأسلوب ظاهري بحت ، وغدا التمسك بطرائق المأكل والملبس و العلاقات التي كانت سائدة منذ ما يربو على أربعة عشر قرنا أمراً مطلوبا بل وحتى مفروضا .ولما كان ذلك الأسلوب لا يتيح منافسة أو مسايرة الأمم الأخرى بل ويتسبب بمزيد من التخلف والتفاوت الحضاري تم اللجوء إلى تغطية العجز الحضاري المعاصر باستحضار الإنجاز القديم وصبغه بصفة الإعجاز الذي لا يمكن تجاوزه أو حتى الوصول إليه من قبل الآخرين, بما يلغي المنافسة ويبعد الشعور بالهزيمة أو النقص . " و كفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا." الأحزاب 25 وأخذت هذه الفكرة منحى عبثياً وأصبح يتم اللجوء إلى النصوص المقدسة والنقول المتوارثة لإثبات أن ما وصلت إليه الحضارات الأخرى من علوم وتقدم واكتشافات إنما قد تم سبقها والوصول إليها من قبلنا. فكلمة واحدة في القرآن الكريم مثلاً وهي كلمة ـ وغير مخلقة ـ " فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة " الحج 5 تكفي للدلالة على أن المسلمين سبقوا العالم إلى علم الاستنساخ ، كلمة تكفي لتجاوز عشرات السنين من العمل الدءوب لآلاف العلماء وتغطي أموالا هائلة بذلت في البحث العلمي كلمة تتغلب على مئات المؤسسات العلمية الراسخة البنيان والمنتشرة في أرجاء المعمورة ! أما " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ليعلم الله من ينصره ورسوله بالغيب إن الله قوي عزيز " الحديد 25 . فهي تدل بما لا يدع مجالاً للشك على استيعاب علوم الفيزياء واكتشاف قوانين الجاذبية وتلك التي تنظم حركة الكون . " إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها " الزلزلة 1ـ2. فهذا سبق علمي يدل على استيعاب العلوم الجيولوجية ويفصح عن القوانين والدراسات المبينة لظواهر البراكين والزلازل والتسونامي . والمشكلة إنما تكمن حقيقة في علماء الشريعة الذين عجزوا عن دفع الشعوب للحاق بركب التألق العلمي فلجأوا إلى دفاترهم القديمة لتغطية التخلف والعجز ، ولا تكمن المشكلة في حد ذاتها في النص المقدس ـ القران الكريم ـ المفتوح نحو فهم أكثر عقلانية وأكثر فاعلية . إلا أن الأمر يتطلب جرأة وثقة وإمكانيات علمية تراثية فائقة لديها القدرة على فهم روح العصر إلى جانب قدرة على استيعاب النص وتفسيره بكفاءة تحفظ له مكانته وقدسيته ولا تحشره لتبرير الضعف أو العجز. لقد طغى الوهم وانعكس إحباطا وعجزاً عن الفعل من جهة وتزمتاً وتشدداً وهجوماً على الآخر من جهة أخرى.
التدمير المنظم للمجتمع المدني : اتخذت الأنظمة الشمولية منذ توليها زمام الحكم في أواسط القرن الماضي مبدأ عقائدي يقضي بتسخير منظمات وهيئات المجتمع المدني لخدمة السلطة وعقائدها والدفاع عن وجودها وبقائها متجاوزة الهدف والضرورة من وجود مظاهر المجتمع المدني المتمثل في تأطير الحياة المدنية واستقرار المجتمعات وفق معايير حضارية تنتعش خلالها المشاركة السياسية والحياة الثقافية والإبداعية لأعداد متنامية تكاد تشمل كافة أفراد الشعب وتهيؤها أيضاً للتلاقي الإنساني مع الأمم والحضارات الأخرى . ولتحقيق الهدف السلطوي كان لا بد من تسخير المظاهر الحضارية المدنية وتنظيمها ضمن أطر حزبية وعسكرية مكرسة لأيديولوجية استبدادية تنتهج العنف وتقصي الآخر أو المختلف وتسبب ذلك بعزوف جماهيري وفردي أتاح فرصة لموت العديد من الهيئات والمنظمات المدنية واستعاض الناس عنها بحلقات الدرس في المساجد والانتماء إلى جماعات الإسلام السياسي. وفي بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي غيرت الأنظمة استراتيجيتها بإسباغ طابع التدين على التجمعات المدنية. وتوجيه الناشئة والشباب نحو الانخراط في المعاهد الشرعية والكليات الدينية وإعطائها هامشاً من الحرية يتيح لها حرية الحركة والعمل مع تقديم الدعم المادي والمعنوي والإعلامي مما نتج عنه تنام كبير جداً في أعداد الهيئات والمؤسسات الدينية التي تستوعب مئات الآلاف بل الملايين من أبناء الشعب . في إحصائية للدكتور محمد حبش ــ عضو مجلس الشعب المؤيد للنظام ــ ارتكزت على عدد المساجد في سورية والبالغ تسعة آلاف مسجد وجد أن ثلثي السوريين متدينون وملتزمون بالشعائر والمظاهر الدينية . وأبقيت بعض المؤسسات المدنية والثقافية الموجهة مباشرة والمساهمة في نشر فكر وفلسفة الحزب الواحد وقصرت منافذ الفن والإبداع على فئة معينة أثبتت ولاءها وانتماءها السياسي. وهكذا انحسرت النشاطات السياسية والمدنية والثقافية وتحول عموم الناس نحو الالتزام بمظاهر التشدد والتعصب الفكري والعملي وغدت مسائل وقضايا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والدفاع عن المرأة ومساواتها ومشاركتها أموراً ثانوية بل ومنافية للأخلاق والقيم الوطنية وفقاً للفكر الديني الشعبوي السائد. ولم يعد الناس يناقشون الأمور المرتبطة بحياتهم ومستقبل أبنائهم ومقدرات وطنهم وبيئة بلدهم وابتعدوا عن الخوض في السياسة الداخلية وطفت على السطح أولويات واهتمامات كبرى لا علاقة لها مباشرة بما يجرى داخل الوطن من فساد وظلم واستبداد حيث الأولوية الإيمانية تفرض التفكير بالجهاد والقضاء على امة الكفر ومحاربة الأعداء المتربصين خارج الحدود للانقضاض على القيم والعقائد التي يهون في سبيلها الغالي والرخيص ، وهكذا أفرغ المجتمع من كل مضامينه المدنية وتحول إلى حالة استنفار دائم لحرب وشيكة مقدسة تقتضي فيما تقتضيه تمسكا وتشددا والتزاما كاملا بالحدود والضوابط الشرعية الصارمة . سياسات الغرب المسؤولية الأدبية والمباشرة : حسب الاعترافات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن فان العالم الغربي استمر في دعم الأنظمة الاستبدادية طيلة ستين عاما متغافلا عن آلام الشعوب ومتناسيا حقها في الحرية والديمقراطية غير عابئ بانتهاكات حقوق الإنسان ، مما أعطى الحرية المطلقة للاستبداد ليفعل ما يشاء بذريعة الحفاظ على الاستقرار. لم يغب عن أذهان الشعوب العربية والإسلامية تاريخ العهد الكولونيالي المرتبط بجرائم ضد الإنسانية واستراتيجية مستمرة في السيطرة والاستغلال ـ الجزائر نموذجا ـ ولم تتمكن القيم الحضارية والإنسانية للدول الأوربية والولايات المتحدة من تغير تلك الصورة الراسخة في مخيال الشعوب خاصة وأن الغرب ولعهود طويلة تجاهلها أوعدها همجية ومتخلفة غير قادرة على اللحاق بركب الحضارة . وجاء عدم جدية العالم الغربي أو عدم قدرته أو تأخره في حل ا لمشاكل الإقليمية العالقة والمتفجرة ـ فلسطين و كشمير مثالا ــ وربما حسب ما يعتقد البعض إثارة للنزاعات المسلحة لإبقاء السيطرة وتصدير السلاح أسبابا كافية لتزيد من حدة صراع الحضارات وتسبغ عليه أشكالا دينية بعد أن كانت أخلاقية ومادية في خمسينيات القرن الماضي. ولم تكن محاولة العالم الغربي احتواء ومن ثمة دمج المهاجرين واللاجئين إليه من بلدان العالم الثالث هربا من الطغيان ورغبة في الحرية ناجحة فبعد عدة عقود نشأت أجيال من الشباب عاشوا في فيء نظم ديمقراطية ومتحررة وغدوا أشد تمسكا وحرصا على التراث والماضي من الآباء والأجداد واكتسب التدين لديهم صيغة سياسية وتنظيمية مما أفرز قادة وأئمة يجاهرون بالدعوة للتعصب والعنف , استطاعوا السيطرة والتأثير على شعوب بلدانهم الأصلية ونجحوا في شحن الأجواء بمزيد من التزمت والتشدد. وأخطأ المفكرون الغربيون ثانية عندما اعتقدوا أن بإمكانهم السيطرة على الأصولين واستيعاب حركتهم الفكرية والتنظيمية وكان سبب ذلك , الفشل في الفهم العميق للتراث الفقهي وأصوله وآليات استنباط الأحكام ،حيث استطاع الأصوليون تأسيس مدارس فكرية ومذهبية جديدة ذات طابع سلفي محض متمكن يمتلك كل الأدوات والشروط والأدلة اللازمة للاستمرار وإحياء التراث الأصولي القديم من جديد. وكانت الفوارق المادية والمعيشة الهائلة بين العالمين الأول والثالث وحالة البؤس والفقر والجوع والتخلف في مقابل معدلات عالية للاستهلاك والإسراف مع الوصول إلى الحد الأقصى من الكماليات في الدول المتقدمة وما ترافق معها طيلة القرن الماضي من اعتبار ها للبلدان المتخلفة موردا للمواد الخام وسوقا للمنتجات المصنعة،كل ذلك أعطى مبررات مادية مقنعة لعداء الغرب العلماني أو الصليبي ، ومع انحسار المد الشيوعي والاشتراكي الفكري والسياسي وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت الساحة خالية ومهيأة لقبول الفكر الديني بصورة أكبر وأوسع من ذي قبل وتم استلام راية الثورة الحمراء وفقا لمنطق الجهاد ونشر الدعوة وإقامة دولة الخلافة.
أثر النصوص وتفاسيرها في تبني التشدد: مر التشريع الإسلامي بمراحل متعددة وأطوار مختلفة طبقا لنزول الوحي مجزئا وعلى فترات، مسايرا ومعلقا و مصوبا لمسيرة تأسيس وإقامة و بناء الدولة الإسلامية المحمدية . ووفقا للسياق التاريخي للدعوة تباينت المواقف والنصوص بين الحدة والشدة من جهة وبين اللين والتسامح من جهة أخرى . فمن " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة " البقرة 208 " لااكراه في الدين " البقرة 256 " ورحمتي وسعت كل شيء " الأعراف 156 " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " الأنبياء 107 " كتب ربكم على نفسه الرحمة " الأنعام 54 إلى :
" وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " التوبه36 " وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبه29
وقف فقهاء الشريعة مواقف منتاقضة ومتضاربة , ففي حين أعتبر العديد من دعاة الوسطية والتجديد أن الغلبة هي للنصوص التي ترجح التسامح والرحمة والسلام وعدّوها قيما عليا و مبادىء سامية جاءت الدعوة لترسيخها وتعميمها على العالم أجمع ، اعتبر التيار المتشدد أن الغلبة والسيطرة هي للنصوص المؤسسة للجهاد وقتال وحرب الكفار والصليبيين وأنها ناسخة لما خالفها أو سبقها. ولسنا هنا بصدد دراسة فقهية مقارنة بل بصدد توضيح أن الرأي الثاني هو الذي غدا سائدا لدى الأكثرية الغالبة من عموم المسلمين في العقد الأخير من الزمن . مما أعطى مرجعية شرعية وفقهية وسندا قويا للتشدد والتزمت خاصة وأن الفقهاء الأقرب زمنيا إلى عصر الرسالة لم تتهيأ لهم ظروف علمية ومدنية تتيح لهم فرصة لتحديث الفقه والتشريع بما يلاءم لمستجدات تاريخية ذات طبيعة ثقافية وسياسية متباينة مع الزمن الذي سادوا فيه ، ذلك أنهم عاشوا فترة الحروب والفتوحات والصراعات السياسية فمالوا إلى مجاراة الظرف السياسي والفكري الذي سيساعد الدولة على الاستمرار في صراعاتها ,فكان ذلك التراث الضخم من التفاسير والشروح والأحاديث والأصول والمتون الفقهية المتراكمة زادا وذخرا لا ينفذ من الأدلة والأسانيد الداعمة لمذهب التشدد و خيار القوة والعنف . ولم تكن الظروف مواتية في يوم من الأيام كم هوا لحال عليه الآن للمراجعة والبحث من جديد وإعادة تقويم الدراسات والعلوم الشرعية التراثية وما تحتويه من أحكام وشروح وتفاسير تنطوي على روح العداء للآخر واقصائة أو حربه وإخضاعه. هذا وقد شجعت الأجواء الثقافية والفكرية المشحونة بالتشدد و التطرف اليميني في الغرب (نظرية صراع الحضارات ، نظرية نهاية العالم ,مثالا ) على إزكاء نار الصراع الحضاري والانغلاق والعنف الموجود أصلا في ثنايا الموروث الفقهي والثقافي القومي( نحن بعث إذا مسنا جنح ضيم نحرق الأرض والسماء والوجود )، إلا أنه أعطى المبررات للظهور على السطح واعتلاء منابر الثقافة والوعظ ، ودفع بالأنظمة التي كانت تتستر بثوب العلمانية إلى خلعه وارتداء جبة التراث وعمامة التدين
أثر التجربة العلمانية : من أربعينيات وحتى ستينيات القرن الماضي شهدت.الدول العربية إنعتاقا من الاستعمار الأوربي العسكري الحديث ورافق ذلك العهد روح وطنية وقومية جارفة رافقها استقطاب جماهيري كبير تجاوز الحدود القطرية ، وكان في ذلك تماشيا مع الاحتكاك المباشر بالحضارة الغربية والنظريات القومية التي سادت فيه لعقود سابقة واكتسبت التجارب القومية في البلدان العربية (الناصرية في مصر و البعثية في العراق وسوريا والبومدينية في الجزائر ومن ثمة القذافية في ليبيا ) صفة الدكتاتوريات العلمانية ورفعت لواء محاربة الإسلام السياسي والتدين الظاهر وطرحت شعارات قومية وحدوية اشتراكية شاملة معتبرة الإسلام تراث يستضاء به ويبقى حبيس التاريخ والعلاقات الاجتماعية المحدودة. ولم تمضي سنوات حتى ذاقت الشعوب الويلات من ظلم تلك التجارب واستبدادها وفسادها ,على درجات متفاوتة بينها لكنها بالمجمل لم تبق في ذاكرة الناس أثرا طيبا لتوالي هزائمها في صراعها الخارجي ـوإن حققت بعض النجاح في ظل ظروف دولية خاصة ـوفشلها في إدارة الصراع العربي الاسرائلي وعجزها الكبير في تحقيق العدالة والتنمية ففقدت صدقيتها ورصيدها الشعبي وتفاقمت علاقتها السيئة بأبناء بلدانها . وفي خضم ذلك الجو السياسي المشحون تنامت تيارات ثقافية ليبرالية كانت متواجدة و ناشئة في العهد الاستعماري وكان لها روادها أمثال : أحمد لطفي السيد في مصر وعبد الرحمن الشهبندر في سوريا وغيرهم ، إلا أنها لم تتمكن في عهد الدكتاتوريات من مغادرة النخب الثقافية ولم تستطع الوصول إلى شرائح واسعة من الناس ، بل على العكس كان ارتباطها الفكري بالأنظمة الشبه علمانية الحاكمة سببا إضافيا أفقدها رصيدها الشعبي الضعيف أساسا. كل تلك الظروف هيأت الأجواء العامة للبحث عن بدائل وتجريب أفكار وقيم مختلفة أو متعارضة مع النهج العلماني ,فكانت العودة إلى الفكر الأصولي بحثا عن حلول وسعيا وراء نماذج جديدة لم يتم تجربتها وتطورت العودة لظروف كثيرة شرحناها سابقا إلى تقمص لأفكار متطرفة ومتشددة . ولم يجد التيار الأصولي صعوبة كبيرة في الوصول إلى أذهان وقلوب وعقول الشعوب بسبب رصيده التاريخي القديم والإيمان المسبق بمبادئه ومعتقداته مما أعطاه الثقة قبل الاقتناع والتجربة . ولم تستطع العلمانية الوطنية المناهضة للاستبداد الوصول إلى الجماهير كونها لا تملك سنداً تاريخياً ، ولقصر التجربة الزمنية التي مارست فيها الحكم ( فترة الحكم الوطني في سورية بعد الاستقلال ، وفترة الحكم الملكي في العراق قبل ثورة البعث ) تم طمسها وتجاوزها بفعل الانقلابات العسكرية والثورية التي أحكمت الخناق على البلاد والعباد . ولم تمتلك العلمانية الوطنية حلولاً جاهزة للأزمات القائمة والمشاكل المزمنة والمتمثلة في الفقر والتخلف والظلم الاجتماعي ولم تتمكن في سنين سابقة من فصل طروحاتها عن الأنظمة فزاد جفاء الناس لها وانحسر تأثيرها أمام التيار الديني الجارف .
نهاية الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |