|
ظاهرة العنف والمعنف وادانة العنف وداد عقراوي مع نهاية يوم بارد اتسم بترك قطرات ندى ثلجية على اكوام الثلوج والاغصان العارية جلست بخشوع امام لوحة المفاتيح متأملة الشاشة لاكتب مادة حول العنف ضد المرأة بمناسة يوم المرأة العالمي، لاسجل الم الحروف الابدي في ذاكرتي، لاطفئ النيران ولاشارك في اشعال نارٍ تذيب الثلوج في الخارج وانقاذ ما يمكن انقاذه من الدمار والتناسي، فاذا بجملة تتردد بصدى عالٍ في مخيلتي واذا بي عاجزة ان ابدأ الكتابة الا بذكرها. تلك الجملة تتردد على أسماعنا كثيراً فهي من بين ما قيل عن الرجال "عظماء الرجال هم عظماء في حبهم... وأقوياء الرجال هم أقوياء في عواطفهم". قد يكون امراً طبيعياً ان تراودني هذه المقولة فالمجتمع متداخل ومتشابك في عناصره الرجالية والنسائية ومشاكل العنف ضد المرأة ترتبط اساساً بالرجل، فهو ـ بلجوئه الى العنف ـ يمارس سلطته ويشيد باحتكاره لتلك السلطة وباستمراره في تهميش واذلال المرأة عبر التأريخ... ولكن ـ وبعد ذكري للجملة الاصلية ـ دعونا منها ومن تساقط زخاتها الشبيهة بالزخات المطرية الربيعية المبهجة ولندخل في الموضوع. ظاهرة مزمنة ووبائية وعالمية يعد تفشي ممارسة العنف ضد النساء ظاهرة مزمنة ووبائية انهكت شتى أنحاء العالم حتى النخاع، في حين لم تأخذ هذه الجريمة البشعة حقها من التسليط الإعلامي لكي توجه الانظار باستمرار الى وقائع الانتهاكات الواضحة لحقوق الانسان وتجسّد هذه الكارثة الانسانية الكبرى التي تتجاوز الحدود الثقافية والدينية والإقليمية والاقتصادية والعرقية والانتروبولوجية لتشمل جميع الشعوب على اختلاف ألوانهم وصفاتهم وعاداتهم وحالاتهم وفئاتهم وأعمارهم وطباعهم. تكاليف الخسائر البشرية والمعاناة البشرية والأضرار الاجتماعية والانسانية لهذا العنف المتزايد باهظة ومؤلمة، والاحصائيات والبيانات والدراسات والابحاث الرسمية بدأت في السنوات الاخيرة تأخذ وضعية معقّدة بعض الشئ ومقلقة للغاية. فلنطلق العنان للارقام لتتحدث بلغتها الخاصة:
· 40-70 بالمائة من النساء في كل من أستراليا وإسرائيل وجنوب إفريقيا وكندا والولايات المتحدة ممن تعرضن للقتل قُتِلن على أيدي ازواجهن او رفاقهن، عادة في سياق علاقة تقوم على الإساءة. · بصورة عامة يمكن القول بان 40 بالمائة من النساء اللاتي يتعرضن للقتل يلقين حتفهن بأيدي الزوج أو الرفيق. · 70 بالمائة من ضحايا العنف في السويد كن قد عايشن بعض أشكال العنف أو التحرش الجنسي. · 200 ألف امرأة في هولندا تتعرض سنوياً للعنف على أيدي ازواجهن. · 8 من بين كل 10 نساء في الهند هم ضحايا العنف وفي كل يوم تلقى 14 زوجة حتفها على يد أسرة زوجها. · في 40-68 بالمائة من حالات العنف ضد المرأة في الجمهورية الدومينيكية يكون المعتدون رفاق الضحايا أو رفاق سابقين لهن. · 50 بالمائة من الأسر في جورجيا تمر ببعض أشكال العنف المنزلي. · 6 من بين كل 10 نساء في بوتسوانا هن ضحايا العنف المنزلي. · 31 بالمائة من الفتيات والشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16 و19 عاماً في مولدوفا يخضعون للعنف الجنسي. · في كل عام تتعرض الملايين من النسوة للاغتصاب على أيدي الأزواج او الاخلاء او الاقرباء او الأصدقاء او الغرباء او ارباب العمل او الزملاء في العمل او الجنود او افراد الجماعات المسلحة.
هذه الارقام تحمل بين سطورها وجعاً وأنيناً يستشري في اجساد المجتمعات ويزيد أعباء المهتمين والنساء بصورة مباشرة بسبب معاناة الضحايا اللامحدود. من الملاحظ ان العنف ضد المرأة لا يميز بين عصر واخر، ولا يفرق بين لون او فئة او جهة او طبقة واخرى، وانما يشمل كافة الازمان والاماكن والبلدان. من المهم والمؤسف جداً هنا التركيز على جانب مهم الا وهو حقيقة كون المعنف غالباً ما يكون من بين الذكور المحيطين بالضحايا. فقد يتحول المنزل او مكان العمل الى اخطر الاماكن بالنسبة للمرأة وهذه الحقيقة تبين مدى انتشار مختلف اشكال العنف في كل مكان وحجم المأساة العالمية وفي نفس الوقت تَمَكْن الجناة من إلافلات التام من العقاب.
الاعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة في المادة الثانية من الاعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة الذي صدر وفق القرار 48/104 في ديسمبر 1993 تم تحديد اشكال العنف باسهاب، فهناك العنف البدني والجنسي والنفسي الذي قد يحدث في إطار الأسرة او في إطار المجتمع العام او العنف الذي ترتكبه الدولة او تتغاضى عنه، أينما يحدث. في المادة الرابعة يتم حث الدول على ادانة العنف ضد المرأة وعدم التذرع بأي عرف او تقليد او اعتبارات دينية للتنصل من التزاماتها وينبغي عليها اتباع سياسة للقضاء على العنف ضد المرأة والاستعانة بكل الوسائل الممكنة من اجل تحقيق ذلك. لهذه الغاية يتوجب على الدول منع ممارسة العنف ضد المرأة، والتصديق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة او الانضمام اليها او سحب تحفظاتها عليه، وان تفعل كل ما بوسعها لدرء افعال العنف عن المرأة والتحقيق فيها والمعاقبة عليها، وفقاً للقوانين الوطنية، سواء كان مرتكب الافعال افراد او الدولة نفسها او المسؤولين الحكوميين او الذين يتصرفون بموافقة الدولة. للنساء اللواتي تعرضن للعنف الحق في المطالبة بتعويضات عن الاضرار الجسدية والنفسية التي سترافقهن كظلالهن طوال حياتهن وينبغي تشجيع الدول للامتثال لتعهداتها الدولية ودعم فتح فرص الوصول إلى آليات العدالة أمام النساء وان تتاح لهن سبل فعالة لاقامة محاكم عادلة. لضمان ذلك يقع على كاهل الدول ـ بعونٍ من المنظمات غير الحكومية،ولا سيما المنظمات المعنية بمسألة العنف ضد المرأة ـ تقديم المعلومات المستوفية التي بموجبها تصبح النساء على دراية بحقوقهن في التماس التعويض من خلال الفرص المتاحة. من ناحية اخرى يجب التكفل بمناهج وقائية وتدابير قانونية وادارية وسياسية تنشر الوعي وتعدل انماط السلوك الاجتماعي والثقافي للرجل والمرأة وتعزز حماية المرأة والدعوة لتولي المرأة للسلطة السياسية، والمشاركة في صنع القرار، ووجوب تمتعها بحقوقها كاملة ـ تلك الحقوق المجسدة في الصكوك الدولية ، منها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهنية، واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة التي لو نُفذت بشكل فعال ستساهم في القضاء على العنف ضد المرأة، وإعلان القضاء على العنف ضد المرأة من شأنه أن يسهل هذه العملية. من المفروض وضمن اطار ميزانية الدول و/ ضمن اطار التعاون الدولي تقديم المساعدات، كإعادة التأهيل البدني والنفسي، والمساعدة في علاج ورعاية الاطفال وتربيتهم واعالتهم وتحسين الخدمات الصحية والاجتماعية بكافة مستوياتها، بالاضافة الى انشاء الهياكل التنظيمية والمؤسسات الداعمة للضحايا.
حملة منظمة العفو الدولية بدأت منظمة العفو الدولية في مارس 2004 حملة عالمية تحت شعار "أوقفوا العنف ضد المرأة". تهدف الحملة الى حشد دعاة حقوق الإنسان، رجالاً ونساءاًً، في عمل منظم من اجل التصدي لاشكال العنف ضد المرأة. الحملة موجهة للحكومات والمجتمعات المحلية والافراد للمشاركة في وضع نهاية للعنف، وتدعو إلى أن يقر كلٌ بمسؤوليته عن وقف هذه الفضيحة العالمية. من خلال الحملة تستكشف العلاقة بين العنف ضد المرأة وبين الفقر والتمييز وتفشي النزعة العسكرية فضلا عن العنف المستخدم ضد النساء والفتيات كسلاح حربي في اوقات النزاعات المسلحة.
متى يدخل العنف ضد المرأة ضمن نطاق جرائم حرب/ جرائم ضد الإنسانية؟ من الجدير بالذكر بان القانون الدولي واتفاقيات جنيف يقضي بحظر اعمال العنف ضد المرأة اثناء النزاعات. اما قانون روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي اعتمد في روما في 17 يوليو 1998 ودخل حيز النفاذ في 1 يوليو 2002 وبدأت المحكمة عملها في العام 2003، فينص على منع عدد من اشكال العنف ضد المرأة باعتبارها جرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية. فالاغتصاب والاستعباد الجنسي والاجبار على ممارسة الدعارة والاجبار على الحمل والتعقيم الاجباري تعتبر جرائم حرب، وفي حال ارتكابها في سياق مسلسل انتهاكات اجرامية ضد جماعات من السكان المدنيين فانها تشكل جرائم ضد الانسانية. بالرغم من حجم المأساة والمعاناة التي تخلفها مواجهة حقائقها وتأثيراتها على ارض الواقع يجب علينا التعاضد والتضامن والتعاون والتكافل لكي ننجح في كسر حلقة العنف المريعة ونمنع تشويه المجتمع وقتل النساء بقتل المحبة، فكما قال افلاطون: "المرأة بلا محبة... ميتة..." وختاماً لنذكر هاتين المقولتين لنحييي المرأة بمناسبة عيدها ولزرع روح الامل: " اذا محوت المرأة من القاموس... لن يبقى في اللغة كلام ذو معنى" و"اذا صغر العالم كله فالمرأة تبقى كبيرة".
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |