|
بمناسبة الثامن من آذار عيد المرأة العالمي واقع المرأة العراقية اليوم يتطلب نضالا دائباً لتحقيق طموحاتها في التحرر والعدالة الاجتماعية حامد سليمان على الرغم من التخلف الذي كان سائداً في العراق عند تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ، بسبب تلك الحقبة الزمنية التي جاوزت الأربعة قرون من حكم الإمبراطورية العثمانية الاستعماري المتلبس برداء الدين ، والذي ليس فقد لم يعر أي اهتمام لحقوق المرأة وحرياتها الإنسانية ، بل كان قد صادر كل تلك الحقوق ، وامتهن إنسانيتها ، فقد كان تأسيس الدولة العراقية عام 1921 قد ساهم إلى حد ما في النهوض بواقع المرأة وأقدم على فتح المدارس للبنات بعد أن كان دخول البنت المدرسة يعتبر مخالفاً للعادات والتقاليد السائدة آنذاك والتي حرمها من تلقي العلم ، وحكم عليها بالسجن بين جدران البيت . ورغم صدود الكثير من أولياء أمور البنات عن إرسالهن إلى المدرسة ، إلا أن الحال بدأت تتغير يوماً بعد آخر ولاسيما بعد أن ظهرت حركات فردية و جماعية منظمة تحث الآباء إلى إرسال بناتهم إلى المدرسة ، والتمتع بحقهن في تلقي العلم والثقافة التي تؤهلهن لممارسة حقوقهن في العمل ، وفي سائر النشاطات الاجتماعية جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل ، وكان في مقدمة الدعاة لتحرير المرأة وتمتعها بحقوقها وحرياتها لإنسانية الشاعرين الكبيرين [معروف عبد الغني الرصافي] و[جميل صدقي الزهاوي] مستفيدين من نص المادة 18 من الدستور العراقي الذي تم إقراره في 10 تموز 1924 ، والتي نصت على أن العراقيين متساوون في التمتع بحقوقهم ، وأداء واجباتهم . لكن قانون الأحوال المدنية لم يكن بالمستوى الذي يحقق كامل الحقوق والحريات التي ينبغي أن تتمتع به المرأة بسبب التخلف الذي تركه لنا العثمانيون ، ولم يكُ من السهل التخلص من ذلك الأرث المتخلف . وجاءت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي قادها بنجاح الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم لتحدث طفرة كبرى فيما يخص حقوق وحريات المرأة ومساواتها بالرجل ، من خلال إصدار قانون جديد للأحوال المدنية رقم 188 لسنة 1959 الذي لقي ترحيباً شديداً من القوى الديمقراطية الساعية للنهوض بواقع المرأة وتمتعها بحقوقها وحرياتها الإنسانية التي حُرمت منها . وفي الوقت نفسه لقي القانون الجديد معارضة شرسة من قبل القوى الرجعية بوجه عام ، ومن المراجع الدينية الشيعية منها والسنية بوجه خاص حيث اعتبرت ذلك القانون خروجاً على نصوص الشريعة الإسلامية !!. وعندما حدث انقلاب 8 شباط الرجعي المشؤوم عام 1963 ، واستتب للانقلابيين الأمر، أقدمت الحكومة على إجراء تعديلات على القانون ، بتأثير تلك المراجع الدينية ، وأفرغته من العديد من الحقوق والحريات التي نص عليه القانون ، لكنها لم تجرأ على إلغائه كما فعل السيد عبد العزيز الحكيم عندما ترأس مجلس الحكم بعد إسقاط نظام الطغيان الصدامي ، واستبداله بقانون رجعي يسلب حقوق وحريات المرأة ، لكن الحاكم المدني الأمريكي [ بريمر] ألغى قانون عبد العزيز الحكيم الجديد . وجاءت الحملة الإيمانية الكاذبة التي قادها دكتاتور العراق صدام حسين نكسة كبرى في كفاح المرأة العراقية من أجل التحرر والمساواة بينها وبين أخيها الرجل ، وعادت بقضية المرأة إلى المربع الأول ، وزاد في الطين بله الحروب التي شنها النظام الصدامي الداخلية منها والخارجية ، والتي استمرت أكثر من عقدين ، والحصار الاقتصادي الظالم الذي فرضته الولايات المتحدة على الشعب العراقي دون صدام ونظامه الفاشي ، والذي أوصل الشعب العراقي إلى حالة من اليأس نتيجة عملية الإفقار والتجويع والأمراض ، وتدهور العملة العراقية نحو الحضيض ، وبالتالي فقدان الدخل العائلي لقيمته الشرائية ، كل ذلك شكل عاملاً حاسماً في التوجه الديني لكي يتخلص الشعب من تلك المحنة القاسية التي أوقعه فيها النظام الصدامي المتخلف !! . وهكذا هيأ النظام الصدامي الأجواء المناسبة للقوى والأحزاب الدينية لكي تحقق انتصارها في الانتخابات التي أعقبت سقوط النظام الصدامي على أيدي القوات الأمريكية والبريطانية في 9 نيسان 2003 ، وتمكنها من تشريع دستور جديد للعراق متجاهلاً العديد من الحقوق والحريات الأساسية للمرأة، مستغلة التخلف الذي حل بالمجتمع العراقي على يد دكتاتور العراق صدام حسين وحزبه الفاشي ونظامه الرجعي المتخلف . وعلى الرغم من أن قانون إدارة الدولة الذي تم وضعه من قبل مجلس الحكم تحت إشراف الحاكم المدني بريمر المباشر ، والذي نص على أن يكون حصة المرأة في البرلمان لا تقل عن 25 % من عدد أعضاء المجلس ، إلا أن الكم لم يحقق الهدف المنشود من ذلك وهو إشراك المرأة في تقرير مستقبل البلاد في الشأنين الداخلي والخارجي ، وجرى تجاهل المرأة في كل الحوارات الجارية الآن في مسألة تشكيل الوزارة العراقية . لقد وصل الأمر ببعض نائبات الأحزاب الإسلامية إلى الدفاع العلني ، وعلى شاشات التلفزيون عن اضطهاد الرجل للمرأة وحقه في ضربها ، وقد شاهدت بنفسي إحداهن وهي تصرح بقبولها بضرب الرجل لزوجته ، فكيف نتوقع من نائبات على هذا المستوى من التخلف بتحقيق طموحات المرأة في التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة مع الرجل . إن الواقع الحالي للمرأة العراقية ، وهو الذي ينطبق تمام الانطباق على واقع المرأة في العالم العربي يتطلب جهوداً كبيرة ومتواصلة للفئة المتنورة رجالاً ونساءاً في النضال من أجل تحقيق طموحات المرأة التي تمثل نصف المجتمع في التحرر، ونيل كامل حقوقها الديمقراطية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة ، والذي ينبغي أن يكون مادة أساسية في دساتيرنا العربية . إن الثغرات التي تضمنتها العديد من مواد الدستور العراقي الجديد تقف حجرة عثرة أمام تحقيق طموحات المرأة العراقية في أخذ دورها الفاعل في المجتمع وفي إدارة شؤون البلاد ، وهذا يعني شل نشاط نصف المجتمع العراقي ، ولا سبيل لمعالجة واقع المرأة الحالي دون أعادة النظر في العديد من المواد التي تضمنها الدستور الذي جرت صياغته ليتجنب الإشارة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، حيث تعتبره الأحزاب الدينية متعارضاً مع بنود الشريعة الإسلامية !!. إن عملية تحرير المرأة العراقية في ظل المجتمع الرجولي السائد ، وهيمنة الأحزاب الدينية اليوم ليس بالأمر الهين ، وهي تتطلب كفاحاً مريراً وتضحيات جسام من جانب كل القوى الديمقراطية الخيرة لفصل الدين عن الدولة ، ولبناء نظام ديمقراطي علماني يؤمنْ حقاً وصدقاً بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات ، وهذا هو السبيل لبناء عراق ديمقراطي جديد ينعم فيه سائر مكونات شعبنا بمختلف أجناسهم وقومياتهم وأديانهم وطوائفهم دون تمييز بحياة حرة وكريمة .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |