الرسومُ الملعونةُ
الدكتور عبد العزيز شبّين
أديب وشاعر جزائري مقيم في مانجستر – المملكة المتحدة
قصيدةٌ في بيان قُدسيّة الرسول الأعظم محمد (ص)
جُنَّ الظَّلامُ بما أملى مِنَ الكَذِبِ
تَبّاً لغَرْبٍ كما تَبَّتْ يَدا لَهَبِ !
مِنَ النّدى اللّوحُ مظفورٌ بغُرَّتِه
شمساً لعزَّتِهِ جازَتْ على الشُّهُبِ
مّدَّتْ سَمَاواتها فتْحاً وخاتمةً
مسْكاً به افترَّ معسولاً مِنَ الذَّهَبِ
ماذا تخطُّ القوافي وهْيَ ثامِلَةٌ
بكرْمِ أحْمَدَ لا مِنْ كرْمَةِ العنَبِ !؟
للشَّاربينَ لذيذاً فاضَ مَشْرَبُهُ
مِنْ نهْرِ كوثَرَ يروي الرُّوحَ بالأدَبِ
يا سدْرَةَ العشْقِ ضُمِّي ألفَ سابحَةٍ
لأَحْمَدَ انْكشَفَتْ في اِثرها حُجُبي !
أيُّ الرُّسُومِ التي مَسَّتْ لَنَا قُدُساً
الى الجحيمِ بما رامَتْ مِنَ الرِّيَبِ !
قومٌ عَمُوا دَخَلوا كهفَ الظَّلامِ سَرَا
حيناً ، ولَنْ يخرُجُوا مِنْ لجَّةِ السَّخَبِ
لمْ يعلموا السِّرَ مِنْ أيِّ الطُّلوعِ أَتَى
مِنْ طَلْعِ آمِنَةٍ فَرَّاجَةِ الكُرَبِ
باِسمِ الذي منَحَ الكونينِ أحْمَدَهُ
لطفاً بكلِّ دَمٍ في الجَهْلِ مُنْسَرِبِ
باِسمِ الذي وهَبَ الأنوارَ خاتَمَهُ
لولا الهَوى مِنْ ضُحى عيْنَيْكَ لَمْ يَهَبِ
خطاكَ أخصَبَتا بيداً مُهَشَّمَةً
لمّا خطوتَ بها تدْعو منَ الرَّهَبِ
إذا مَشَيْتَ مَشَى غيمٌ بلا قَدَمٍ
وإنْ بَذَرْتَ نَمَا زَرْعٌ بلا عُشُبِ
على جناحك بسْطُ الخيرِ مُنْفَلِقٌ
وَمِنْ يَدَيْكَ تَنَامى الفيضُ لا السُّحُبِ
أتيتَ أرضَكَ محصوراً بأبْرَهَةٍ
يُثيرُ غاشيَةً عقْرى مِنَ الجَرَبِ
ولُحتَ كالبَرْقِ في غبْراءَ مُهلكَةٍ
فاضتْ ببعثٍ كعَيْنِ النَّشْرِ مُنْسَكِبِ
بعطْرِ غاديَةٍ ، عنْقَاءَ شادِيَةٍ ،
أخرجْتَ مِنْ ليلها صُبْحاً مِنَ الطَّرَبِ
علَّمْتَ أحرُفَهَا في الدَّهْرِ خالدةً
لمْ يَنْسها قارىءُ الرُّجْعَى وَلَمْ يَخَبِ
يا أحمدَ العرْشِ مبْرورٌ تَوَحُّدُنَا
طَلَعْتَ تُنْقِذُ دنيا الخَلْقِ مِنْ صخَبِ
نزلْتَ بالرَّحْمةِ المُهْداةِ مِنْ أفُقٍ
أعلى تُخاطبُ قوْمَ الجَهْلِ في صَبَبِ
غسلْتَ في الجسَدِ المَدْفونِ باطِنَهُ
حينَ التَظَى وَتَلاقَى الجنُّ بالعَرَبِ
لَقَدْ تعاليْتَ عنْ رسْمٍ وعَنْ شَبَهٍ
كَمَا طهُرْتَ على الأوثانِ والصُّلُبِ
مِنْ عيْنِ مكْرُمَةٍ باللهِ ما ظَمِئَتْ ،
وَرَوْحِ ذي هِمَّةٍ في اللهِ مُرتَهِبِ
وَوِرْدِ عامِرَةٍ لمْ يَطْوِها شظَفٌ
وَظلَّ طائرةٍ قُدْسيَّةِ الرُّكَبِ !
حلٌمْتُ أنْ أسْكُنَ الكونينِ في يدِكَ
الخضْرَا مَدَائنَ لمْ تُطمَسْ وَلَمْ تَذُبِ
مَنَحْتَ لي أَوْبَةً أُخرى مُؤزَّرةً ،
وكنتَ لي العَلَمَ المَمْدُودَ عَنْ كَثَبِ
إنْ ضاقَ بي مسْلَكٌ رؤياكَ لي فَرَجٌ
وَرَاحةٌ مِنْ بهيمِ الضِّيقِ والتَّعَبِ
مددْتُ كفِّي إليكَ الفجْرَ فانْبسَطتْ ،
لي الأرضُ ضاحكَةً ، مُخْضَرَّةَ التُّرُبِ
أطوفُ في جنَّتي ما شاءَ لي بَصَري
وأَرْتَضي مَأْمَلي مِنْ عزَّةِ الطَّلَبِ
إليكَ شُدَّتْ مَعَ الإشراقِ أمتعَتي
فكانَ كشْفُكَ ميعادي ومُرتَقَبي
طرقْتُ بابَكَ حتى لاحَ لي قَمَرٌ
قَدِ انْفَلَقْتَ به نِصْفَينِ مِنْ عَجَبِ
فالدَّاخلون سيُولُ النُّورِ دافِقةٌ
والخارجونَ بلا نَبْعٍ ولا حَسَبِ
مُحمَّدُ اخترتُ زيتونَ السَّنَا شجَراً
لمولدي ، طابَ لي عَوْدي ومُنْقَلَبي
أمَّلْتُ فيكَ نُجيماتِ المنى مُقلاً
بَزَغْنَ بعْدَ دُخانِ الإفكِ والعَتَبِ
أعطيْنكَ الكَلِمَ المرقونَ فاكهةً
بها تلوْتَ عيُونَ الآي مِنْ كُتُبِ
لنا شرحْتَ بها الأفكار مُشرِقَةً
فبانَ سرٌّ خَفَى دهْراً مِنَ الحُجبِ
أشرقْتَ بالخُلُقِ الميْمونِ لاَمثَلاً
أرى كحسْنِكَ مرفوعاً على النَّسَبِ
مسحْتَ أدمُعَ يُتْمِ الرَّملِ فائتلَقَتْ
طليقةً كرذاذِ السِّحْرِ في الهُدُبِ
لَمّا رأَتْ فيكَ أقمراً على قَدَرٍ
تُضيىء كهْفاً مِنَ الأحزانِ والنُّوَبِ
تفتَّحَتْ في رؤاها البيدُ زاهرةً
وأخْصَبَ اللَّوحُ تاريخاً مِنَ العنَبِ
رَوَى لها الطِّيبَ أوراقاً مفصَّلَةً
قال : احفظي للضُّحى سفْراً مِنَ الخُطَبِ
وعلِّميها الوَرَى لا تَصْمُتي أبداً
فالصَّمْتُ مقبَرَةٌ للمحو والهَرَبِ
يا أحْمَدَ الشَّمْسِ هَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ مرا
يا الصَّحْوِ وانفُخْ بها دوحاً مِنَ الطَّرَبِ
مددْتُ نحوكَ أشواقاً مُحطَّمَةً
وبتُّ أشْرَقُ في ليْلٍ مِنَ اليَلَبِ
لمحْتُ خطوكَ حيثُ الغيثُ منهمرٌ
وحيثُ ظلاًّ أرى في مدِّه الخَصِبُ
مُحمَّدٌ هبَةٌ لم يَطْوِها غَبَشٌ
محمَّدُ النُّورُ لمْ يُطفَا ولمْ يَغَبِ
تلوتُ آيكَ والأصنامُ داجيَةٌ
تمحو الكواكبَ في اِعصارها اللَّجِبِ
عرفتُ أحمدَ في نفيي وفي سُدُفي
منْهُ اقتبسْتُ الشِّفَا الأزكى مِنَ الوَصَبِ
يا نفْحةً قُدُسُيٌّ وصلُهَا أبداً
مَعَ الرَّسُولِ تلاشَتْ هيْبَةُ الشُّهُبِ
فقهتُ رسْمَكَ في العرفانِ مُنْبَعثاً
مِنْ صدْقِ هذا التجلّي لا مِنَ الكَذِبِ
دوّنتُ حرفَك ميمُوناً بأوردتي
وصنْتُه في حمى ربْعي ومُنْقَلَبي
صبغْتُها بدمي قبل المدَادِ هوىً
أمليتُها منكَ بعْدَ الحفظِ للحقَبِ
ردَّدْتُ رجْعَكَ في الأفلاكِ مُبْتَهِجاً
بطهرِ قافلةٍ مادَتْ بلا جُنُبِ
تسيرُ نحوك لا كبوٌ ولا شَططٌ
وتقتفي مِنْ خطاكَ الهدْيَ بالكَنَبِ
يا بدء مئذنَةٍ في اللهِ ما انْقَطَعَتْ
وقصدَ غايتها بالحقِّ لم يَخبِ
الفتحُ منْ يدكَ الخضْرَا له قبسٌ
فاضمُم جناكَ مبروراً منَ الرَّهَبِ
آياتُك الخضْرُ فينا حكمةً وَجَبَتْ
لولا الهوى منْكَ لَمْ تُقْرأ ولَمْ تَجبِ
لقد صحونا على بسْطِ الضُّحى سعَةً
يُحيطنَا دعةً بالمسْكِ لا اللَّهَبِ
طَلَعْتَ أحمَدَ موهوباً على قَدَرٍ
فطبْتَ نُوراً ونارُ الكفْرِ لمْ تطبِ
لنا بسطتَ فجاجَ الأمنِ مُتَّصلاً
لساكنِ الرَّمْلِ لم تقبضْ مِنَ الرُّعُبِ
علوتَ عنْ كلِّ رسمٍ سفرُه زبَدُ
فانٍ ، وفيكَ خلودُ الرُّوحِ والأَدَبِ
محوتَ كلَّ تواريخي التي انْخَسَفَتْ
ورُمْتَ كلَّ رفيعِ النَّخلِ والقُطُبِ
نوافذي دونَ سرِّ الفتْحِ مُوصَدَةٌ
بأحْمَدَ انْفتَحَتْ بوَّابَةُ الرَّحَبِ
أتممْتَ للخُلُقِ المحمودِ صورَتَهُ
في حُسنِ مقتبِسٍ أو زينِ مُحتَجِبِ
تؤمُّ بالمَسْجِدِ الأقصى ملائكةً
فرحى بعرشك بيْنَ الماءِ والتُّرُبِ
يا أيُّها الأحمَدُ المختُومُ مَوْلدُهُ
بالسَّعْدِ مُنْبجساً مِنْ سبْعَةٍ شُهُبِ
آمنتُ أنّكَ خدْنُ الشَّمْسِ مَا غرُبَتْ
إلاَّ لتطلُعَ في أثوابها القُشُبِ
مِنْ نبعِ آمنَةٍ ألطافُ مَرْحَمَةٍ
وثغر أحْمَدَ سحرُ الآيِ والخُطَبِ
شطبتُ نفسي إذا ما جئتُ أذكُرُهُ
هدىً تبلَّج عنْد الشّرقِ مِنْ حُجُبِ
بحبِّ أحمَدَ مخطوفٌ أَنَا وَلِهٌ
أعي ، بغيْركَ لَمْ أُحسِنْ ولَمْ أُصِبِ
غفلتُ في كوثرِ التّوحيدِ ما حَمَلَتْ
كواهلي مِنْ غبارِ الذّنبِ والتَّعَبِ
يا أحْمَدَ اخترتُ زيتُونَ البَهَا فَلَقاً
لمهجتي ، وخيُوطَ الشَّمْسِ للهُدُبِ
مازلتُ أذكُرُ لي ركباً تُظلِّلُهُ
غيماتُكَ الخُضْرُ أنّى سارَ لَمْ يَعِبِ
أحصيتُ أنجُمَكَ الكُثْرَ الثَّوَاقبَ لمْ
أُدرِكْ لها عَدَداً في ظلمةِ العَرَبِ
لكنَّ شرْقاً خَبَتْ فيه الشُّموعُ فلمْ
تُنرْ غياهبَ مكروبٍ ومُسْتَلَبِ
الغربُ يُفزعه الاشراقُ منْبثقاً
مِنْ لوحِ أحْمَدَ لا حمَّالَةِ الحَطَبِ
يا قمَّةَ الصّفْحِ خلِّ الأرض شامخةً
بكلِّ مخضوضرٍ بالعزِّ مختضبِ
النَّاسُ خلْفَكَ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمٍ
نبيُّهُمْ أنتَ ، ختْمُ اللهِ للكُتُبِ
يا ابْنَ الضُّحى أَنَا مِنْ عينيك لي قَبَسٌ
به أُجلِّي غواشي الرُّعْبِ والكُرَبِ
إخلعْ بوادي السَّنا نَعْلَيْكَ قدْ فُتِقَتْ
لكَ السماءُ وبانَ السرُّ منْ حُجُبِ
يا سيّداً مَدَّ في الأبعاد بهْجَتَها
ودثَّرَ الزَّمَنَ المَحْمُومَ بالأدبِ
رصَّعْتَ عزْمَكَ في الأزمان ملحمةً
لمْ يُؤتَهَا أحَدٌ ملآنَةَ العَجَبِ
علوتَ كلَّ رسومٍ وَصْفُها سَفَهٌ
وأنتَ فوقَ سديم الزّيفِ والرِّيبِ
يا سدرةَ الرِّفعةِ الزَّهراءِ لستُ أرى
إلاّكَ لي سنَداً في يومِ مُنْقَلَبي !
الشعرُ دونَ مديحٍ فيكَ مهزلةٌ
والحبُّ لولا رسولُ الكَوْنِ لَمْ يَطِبِ
الرأي الآخر للدراسات – لندن
alrayalakhar@yahoo.co.uk