بماذا أهنئ المرأة العراقية!

الدكتور لميس كاظم

أعتدنا في مثل هذا اليوم أن نزف أجمل وأزكى الجمل الكبيرة للمرأة العراقية، في يوم المرأة العالمي، الذي حقق مكاسب وأنتصارات مهنية وحقوقية واجتماعية كبيرة لنساء العالم. لكن اليوم، وبعد ثلاث سنوات من سقوط الصنم، نجد المرأة العراقية مكبلة بقيود أجتماعية كبيرة، رغم فسحة التمثيل السياسي وحق العمل في مؤسسات المجتمع المدني إلا أن الألية الأجتماعية لا تزال تخنق المراة العراقية في ممارسة حقوقها بحرية كاملة، بل بالعكس، نجد ان المراة العراقية مضطهدة مدنياً واجتماعياً اكثرمن السابق. فهي محرومة من أبسط شيء في الحياة وهو حقها في التعبير عن رغباتها.

 وهنا لا أحاول أن اقلل من شأن المراة العراقية، أو أثبط من عزيمتها، بل بالعكس، فقد حققت المرأة العراقية أنجازات كبيرة، كانت ملئية بالمكتسبات الأجتماعية والوطنية التي رسخت وجودها السياسي والاجتماعي والمدني. فكانت المراة العراقية سباقة لزج نفسها في معترك العمل السياسي والمهني والاجتماعي وقدمت طوابير من الشهيدات الشجاعات اللواتي ستبقى اسمائهن ناقوساً يدوي في ضمير تأريخ العراق الحديث وأجترحت المراة العراقية تأريخاً حافلاً بالصفحات المجيدة من قاموس العراق السياسي. ولا يسعني إلا أن أشيد بعطائهن المتدفق في كل مجالات الحياة. لكن اليوم أجد، وللأسف الشديد، بأن هناك أجهاز منظم على حقوقها المدنية وبأساليب ديمقراطية مبطنة. 

فبالرغم من أكتسابهن حق التمثيل في البرلمان العراقي بنسة 30 % إلا أن وجودهن كان غير فاعلاً ومحسوساً تحت قبة البرلمان السابق، ليس بسبب ضعف كفائتهن أو إمكاناتهن السياسية والمهنية،  بل لأن تمثيلهن جاء منسجماً مع النهج الطائفي، الذي فرض عليهن ان يبقن تحت مطاليب مظلة هذا الحزب أو ذاك الائتلاف وبالتالي ضاعت فرص المطالبة بحقوقهن النسوية المطلبية بالوقت الذي كانت الفرصة سانحة لهن للضغط وإنتزاع حقوقهن أكثر من اي وقت مضى. وهنا يثبت فشل التمثيل النسوي الطائفي والقومي، ومهما كانت نسبتهُ، في إنتزاع حقوق هذه الشريحة المهمة في الوطن. فلو كن لبرلمانيات مؤمنات بمطاليبهن النسوية بعيداً عن انتمائاتهن ومتحدات في البرلمان لأستطعن أن يشكلن قوة ضاغطة كبيرة تجعل حقوقهن في حيز التنفيذ. لذا فما تحتاجه المرأة العراقية هو أن تكون ممثلتها مستقلة، واعية، تقديمة، لتتمكن في تقديم مطاليبهن بالوقت المناسب.

 فهذا التمثيل النسوي الخامل لم يقف بوحه الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة العراقية يومياً، من أضطهاد وحيف أجتماعي ومدني يمارس من عدة  جهات وبمختلف الأشكال التعسفية. ورغم هذا التمثيل العالي للمرأة فوجدنا أن حقوقها تعرضت لأسوء الانتهاكات منذ منتصف القرن الماضي. أن استمرار هذا الحيف سيعطل من طاقاتها التربوية، الأنتاجية، والابداعية الخلاقة وسيقلل من قدرتها على تحقيق النجاحات في مختلف مجالات الحياة. إن لممثلي المرأة العراقية مهمات ملحة أنية تبرز في رفع الحيف والاضطهاد، المتخلف، المسلط على كاهل المراة العراقية، والذي سيعطل أكثر من نصف طاقات المجتمع البشرية المبدعة وسيقلل من فعالية بناء اسرة عراقية سليمة والتي هي النواة لبناء مجتمع الغد الديمقراطي. وقد أثبتت الحياة بأن لا ديمقراطية حقيقة بدون الحق المتساوي للمرأة وممكن قياس تطور هذا الشعب، دون غيره، من خلال المكاسب والانجازات التي تكرم وتحترم المرأة.

 أن المراة العراقية في ظل هذه المسيرة الديمقراطية الناقصة محتاجة لتفعيل دورها، أكثر من أي وقت مضى، شرط أن يتمثل وجودها الحقيقي في كامل مرافق الحياة بشكل عملي ديمقراطي، لا بشكل صوري، تكميلي. ولأجل أن يكون هذا التمثيل فعالاً يفترض ان تكون هناك جملة من الاجراءات الجذرية للإستفادة من كفاءات المراة العراقية ومن ابرزها:

اولاً وقبل كل شيء لابد من القضاء على نسبة الامية المرتفعة في وسط النساء والفتيات ومن ثم إعادة تأهيل المراة العراقية بشكل منسجم مع النظرة العلمية والأجتماعية المتكافئة والتي تضمن حقها المشروع في مشاركتها في هذا الوطن اسوة بالرجل وفي كل مجالات الحياة. وتوفير لها الفرض لتتعلم كيف تنتزع حقوقها النسوية المتساوية وسبل الحفاظ عليها. بالمقابل يتطلب إعادة تأهيل عقل الرجل العراقي بأهمية دور المراة في المجتمع بأعتبارها قوة أنتاجية، تربوية، أبداعية وأجتماعية خلاقة وهي تمتلك نفس الحقوق في البيت والعائلة والشارع. هذه المواصفات لا يمكن ان تطبق إلا اذا كانت هناك مساواة أقتصادية بين الرجل المرأة بحيث تشعر المرأة بأنها محمية من قبل القانون والمجتمع. 

إن أعادة تثقيف العقل السياسي العراقي، باتت مهمة ملحة، بأعتبار ان المراة العراقية هي صاحبة حق متساوي، شرعي، ومتكافئ في كل مجالات الحياة السياسية أبتداءاً من حق نسبة تمثيلهن في قيادات الاحزاب السياسية والحكومية ومؤسسات المجتمع المدني. فاليوم للاسف الشديد لا نرى للمراة العراقية دور تمثيلي عادل في الهرم السياسي والحكومي و البرلماني. لذلك لابد أن تكون هناك نائبة أو رئيسة للحزب، الحكومة، الوزراء، والبرلمان وكذلك الحال تمثيلها في اللجان القيادية الاستشارية والمدنية وفق مبدء الكفاءة والخبرة وليس على أساس المحاصصة. لابد من تفعيل تمثيلهن ليس من خلال أنتمائهن الطائفي أوالقومي أو الحزبي وأنما من خلال مؤسسات المراة التي تناظل من أجل المساواة في أكتساب حقوقهن المدنية والاجتماعية والسياسية. ولابد للمرأة ان تدرك ان مهامها النسوية التحريرية يجب ان تحتل صدارة نضالها البرلماني  والأجتماعي.

 كما أنه من الضروري أعادة كتابة فقرات الدستور الدائم وفق شروط تؤمن الحماية الأقتصادية والأجتماعية والانسانية الكاملة للمرأة العراقية وأن تمتلك المرأة دخلاً اقتصادياً مستقلاً، لتتخلص من عقدة المعيل الاوحد والطغيان الرجولي في حياتها والنظرة المستضغفة المفروضة عليها في البيت والعمل والشارع. أن تحررها الاقتصادي سيوفر لها حرية القرار ومشاركة الرجل في كل تفاصيل الحياة. لذلك لابد من تشريع قانون يوفر الضمان الاجتماعي للمرأة وحماية وجودهن المادي، المستقل، وهذا سيخلص المجتمع من الكثير من الأمراض الأجتماعية المضرة كالدعارة والبغاة والتسول وغيرها. 

 كما من الضروري توسيع مؤسسات المراة الاجتماعية واستحداث مؤسسات نسوية حكومية ومدنية متمتعة بصلاحيات وقوانين ودعم مالي يتمثل في حق الدفاع الشرعي عن حقوق المراة في العيش في هذا الوطن بسلام ومنع كل أشكال أضطهاد بحق الفتيات والنساء في البيت والعمل والشارع وتقديم كل الجناة الى القضاء.

 في الختام لا يسعني أن اقول قلبي مع كل فتاة عراقية مضطهدة ومكبلة بقيود أجتماعية وعادات قبلية بائدة.

 تحية للأم العراقية المقدامة التي تحملت كل هذه الكوارث التي حلت بالبلاد.

تحية للنساء العراقيات اللواتي وجدن انفسهن مجبورات الى أعالة عوائلهن لوحدهن.

تحية لكل النساء وأخوات وأمهات وبنات الشهداء الذين سقطوا في أرض العراق.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com