|
الأسد إلى الأبدْ.. ومعشوق الخزنوي على ذلك يَشهدْ! محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني عندما تتسلط الحكومات الآخذة بزمام الامور بقوة السلاح والهراوات على رقاب الشعوب وبالإنقلابات والثورات والقتل والتنكيل بالمعارضين والخصوم وعلى قاعدة ( ما علمت لكم من إله غيري ) وتنشغل بهم وتشتغل عليهم وتنفرد بكل شئ، عوضا عن تثبيت اسس العدالة والمساواة والمشاركة وتحقيق الرفاه والتقدم والرقي، فإن أول ما تخَدِّرُ به الناس هو رفع الشعارات الفضفاضة ذات البريق والمعاني التي تحمل في طياتها أمورا لا تخدم إلا أغراضها وسياساتها التعسفية ولا تغطي بها إلا جرائمها ومذابحها . وقد يتربى جيل تلو الآخر عن وعي أو دونه على هذه الخزعبلات ويحفظونها مكرهين لا راغبين كآيات بينات يتلونها بالغدو والآصال، ومعتقدين في دواخلهم أن كل إنحراف عنها هو بمثابة قسمة ضيزى جائرة ونذير لشر مستطير يصاحب صاحبه في هذه الدنيا قبل الآخرة.. وهذه الطبيعة داخلة في مكامن هذه أو تلك الأنظمة التي منت نفسها بها ومن ثم ذهبت وإنهارت أو في طريقها إلى الإنتهاء إلى نفس المصير والسقوط في نفس الحفرة التي قد تكون المقر الأخير لها إن لم تع وتعتبر. الزائر لسوريا أو العابر عبر أراضيها وخاصة الشرقي الذي قد يكون أذكى في معرفة الإستبداد العربي من الغربي أو الاوروبي وأوعى، لأنه عايشه وشاهده وعاناه عن قرب، يدرك أن هذا النظام الذي حكم أكثر من 40 عاما ليس بدعا من الأنظمة إن لم يكن فريدا ونموذجا في منطقة الشرق الأوسط، بممارساته.. هذا الزائر العابر وبمجرد أن تطأ قدماه أرض هذا البلد، يشعر بأن سوريا في أوج ضعفها وبؤسها وتواجه أصعب وأخطرالظروف التي لا يمكن أن تطول من دون تغيير في البنية أو الوقوع في المنية.. ولعل أبرز عَرَض لهذه الأزمة الخانقة هو الفساد الإداري والرشوة التي تكاد لا تخلو منها أي مؤسسة أو إدارة حكومية أو مخابراتية أو أمنية وأصبحت سمة لا يمكن الفكاك منها.. ولا عجب أنها تبدأ من المطار إلى آخر نقطة يستقر عليها الزائر ومن ثم إلى أن يعود.. هذا بجانب التأخرالإجتماعي والفقر والجهل الذي يُلاحَظَ في كوردستانها خاصة.. ومن يمكث مدة في قامشلو ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ يجد ويشاهد ما يشيب له الولدان في هذا العصر.. حيث لا يُتصور بأنها مدينة تعيش في القرن الواحد والعشرين وفي منطقة تمتاز بالخيرات والثمرات والتي يعتقد أنها جنة الآخرة..مدينة لا ترى في ملامحها وأرضها ووجوه أبناءها إلا الفقر والعوز والنفايات.. أطفال في سن الدراسة وهم يتجولون ويتسولون، او يبيعون السكاير لاعالة عوائلهم او في الطرقات مجتمعون، لا حاضر لهم ولا مستقبل ولا هم يحزنون.! في كل مرة ذهبت إلى قامشلو، تجولت في مكتباتها لعلني أجد كتابا باللغة الكوردية في هذه البلاد التي يسكن فيها من الكورد ما يناهز مليوني إنسان، لم أجد إلا كتيبات بالعربية عن الفولكلور الكوردي.. في حين كانت بلاد الشام أيام الاحتلال والإستعمارالذي مهد رؤساؤنا بطغيانهم عودته الآن مرة أخرى وقد بات قاب قوسين او ادنى، منبعا للمجلات والمطبوعات الكوردية، حتى لبقية أجزاء كوردستان، بل كان الناس جميعهم أكثر حرية وأمنا وجرأة حتى على السب والشتم! صادفت أحدهم وهو يشتغل في الترمينال، كان قد أكمل الدراسة الجامعية ولكنه لم يكن معيّنا في أي دائرة حكومية لافتقاده الجنسية السورية، في حين سكن أجداد أجداده هناك.. وشخص آخر قال لي بانه مضت ستة أشهر على ولادة إبنته ولم يحصل بعد على هوية الأحوال المدنية لكون إسمها كورديا. أحد الشباب اليافعين الكورد من الذين نشأوا في حضن الحضارة الغربية ولم يدر بخلده التعصب والعنصرية الشرقية، وهو من جنوب كوردستان، وسافر إلى بلده عن طريق سوريا.. حكى انه عند إستجوابه في مخابرات قامشلو سألوه عن مقصده في الزيارة، فأجاب على طبيعته وسجيته وكما سمع من عائلته مذ أن كان طفلا في أوروبا، أنه يقصد زيارة كوردستان.. بمجرد سماعهم هذا الاسم أقاموا الدنيا عليه وأقعدوها.. كادوا أن يشبعوه ضربا بعد أن أشبعوه سبا وإهانة وإزدراءً، إلى أن علّموه أن يقول أنه في طريقه إلى شمال العراق! رحم الله الشهيد الخزنوي الذي يقول: " إننا نرسم ملامح التأريخ الإجتماعي للامة بطريقة طوباوية خيالية، بحيث يبدو هؤلاء القادة وكأنما قدت أقدارهم على ما يشتهونه من مقاس، بحيث ولدوا والملائكة تزغرد في السماء. وحين حبا افتر ثغر السماء عن محيا وضاح مبتسم.. وحين مشى هرولت إليه الملائكة وخدمته الحور العين.. وحين بلغ أذن في آفاق الأرض قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.. وحين دعا إلى رسالته، بدا كأن القدر يسارع في هواه.. وحين ظهر علمه وفضله، تخاطفته السلاطين وحملته الناس على أعناقها فلم يطأ الأرض بقدمه، ورحلت القوافل وشدت إليه الرواجل.. إلى غير ذلك من الإسطوانات المكرورة التي تسجلها الذاكرة في صحائف كتب التأريح المختلفة، وتقدم صورة واهمة حالمة للماضي تجعل محاولة إحيائه أو الإفادة منه ضربا من الخيال المحض ". هناك مثل سويدي يقول " الشجرة بثمرها " وعندنا الكثير من أمثال هذا المثل بالطبع ولكن لا نفطنها ولا نفهمها إلا بعد خراب البصرة أو بلاد الشام.. والذي ذكرته لا يعدو كونه لقطات مسافر شاهدها ليس إلا، والبقية متروكة لأهل البلد الذين لابد وأجندتهم مشحونة بالغرائب والعجائب من دمشق وقامشلو إلى مجزرة حماه وسجن تدمر واخيرا وليس آخرا إغتيال الخزنوي الذي مر ذكر وصفه الرائع لحكام الشرق الذين يظنون أنهم سيحكمون إلى يوم ( تقلب فيه القلوب والأبصار ) من دون أن يفكر في أمرهم أحد ولا يرى سوءاتهم أحد ولا تتحرك لهم سنة الله التي لا تحويل ولا تبديل لها.. ولكن يبدو أن الحالة المزرية التي يعيشها الشعب السوري ولا سيما شعب كوردستان، دليل على مدى تأخره عن الركب العالمي الذي يحسب لكل لحظة حسابها حتى يضيف شيئا ما يفيد بني البشر.. على عكس النظام السوري الذي إنصبت كل جهوده على تعليق اللافتات والشعارات البائدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.. بدءاً بلافتة ( وحدة وحرية وإشتراكية ) على جدران مطار دمشق الدولي الذي لا يتورع حتى أكبر ضابط فيه والذي يرهبك هيكله وضخامته عن أخذ دولار واحد " باسم الإكرامية " رشوة، وإنتهاء بلافتة " الأسد إلى الأبد " على شوارع مدينة قامشلو في كوردستان التي يعاني أهلها شتى صنوف التأخر والفقر عنوة. فيا لها من غرابة، في بلد لا نسمع فيه إلا لغوا وكِذابا!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |