|
الفساد والعودة إلى القيم الإنسانية
توما شمعون خوراني الفساد وباء سرطاني يهدد كيان المجتمعات البشرية جميعا، وينال من عضدها ويعرضها للهلاك والدمار ويهدد المجتمعات والحكومات الكبرى منها والصغرى على السواء، كما حدث للإتحاد السوفيتي سابقا والعراق حاليا، وخاصة عندما يكون الفساد تحت حماية القانون، كما تراه سائدا في الكثير من دول العالم. لقد عم الفساد في الوقت الحاضر شتى مرافق الحياة، ونال من الفرد مثلما نال من الجماعة أيضا، ومن دون إجراء دراسات ميدانية أو الاعتماد على التقارير الرقابية التي تؤكد بجلاء انتشاره بصورة سرطانية... فأنه كالجرثومة التي تنخر في جسد النظام الجديد. فالفساد يعمل عمل النار في الهشيم الجاف ويحرق الأخضر واليابس معا وأن كل واحد منا أو أكثرنا قد اكتوى بنار الفساد في موقف أو أكثر من موقف في الحياة الماضية أو الراهنة، ويتوقع أن لا ينجو أحدا من أخطاره في المستقبل أيضا، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه في الوقت الحاضر. ولعل أشد ما يتركه الفساد من أضرار تلك التي تلحق بالإنسان نفسه وعلى وجه الخصوص بسلوكه وبأخلاقه، وتنال من ضميره وعفته وطهارته ونقائه وشرفه وعرضه، وتلوث وتدنس كل هذا كل مناحي الحياة الإنسانية. وبكلمة أخرى فأنه ينال من أسمى وأثمن ما يوجد في الكون، إلا وهو كيان الإنسان ذاته، فالمال يمكن أن يرد أو يعوض، ولكن الإنسان إذا فقد ضميره الحي فأنه يكون قد أضاع كل شيء. فمن المعروف أن الفساد قد أصبح متعدد الأبعاد والآفاق والأعماق وقد شمل الحياة الأخلاقية والعلاقات الأسرية والأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتجارية والإعلامية والتربوية وحتى طال قطاعات أخرى كالصحة والسياحة وغيرها وأصبح مظهرا من المظاهر الحياتية الطبيعية تكفي لتؤلف فيه مئات المجلدات... ومن الغريب بأن الفساد كالأوبئة القابلة للانتشار السريع والانتقال بالعدوى، إذ تنتقل عدواه من المصابين به إلى الشرفاء الطهر ومن مؤسسة إلى أخرى ومن بلد إلى أخر وانتشر بين الدول بالصيغة المعروفة والمسماة بغسيل الأموال القذرة وباتت العلاقات التجارية بين الدول تقوم على أساس البطش السياسي والرشاوى وتوزيع العطايا والتي تتخذ لها أسماء مختلفة منها العمولات أو الأرباح كما فعلها الدكتاتور صدام حينما وزع كوبونات النفط على الكثير من الدول والحكومات والشركات والمنظمات والشخصيات في مختلف دول العالم... وبما أن الفساد يمسنا جميعا وكلنا ضحايا لهذا الخطر الداهم، فانه من الواجب التعرف عليه والعمل على كشف كل أوراقه وفي كل المجالات. ولعل أكثر المظاهر انتشارا وإلحاقا للضرر هو الفساد الإداري الذي نصطدم به كل يوم، وأنه قد أصاب الكثير من السلطات الإدارية وما أصابها من الارتشاء والاختلاس والتساهل من قبل ضعاف النفوس من مقاولي العمارات السكنية والبنايات والقصور الفخمة وأصبحت تقام الأبراج والعمارات والطرق والجسور بطرق ووسائل مخالفة للقانون واللوائح والمواصفات، تذهب نصف المبالغ المخصصة لها إلى جيوب العملاء. والفساد كالنار التي تأكل كل عوائد التنمية ومواردها ويلتهم كل خيرات البلاد ويمتص دماء الكادحين... فالتقدم والفساد لا يلتقيان أبدا كما أن التنمية والفساد لا يجتمعان مطلقا. أخشى ما أخشاه أن يزداد حجم الفساد ويتسع مداه بحيث تعجز قوى الخير من مقاومته والحد منه وان يتغلغل في كل مرافق الحياة ويبقى من العسير السيطرة عليه ومكافحته. ولكن يبقى في الإمكان إذا اخذ كل واحد منا في تقويم نفسه أولا ومن ثم التصدي بقدر المستطاع لكل مظاهر الفساد والانحلال والتسيب أو الفوضى أو السرقة أو القتل والاعتداء والرشوة. يجب أن يبدأ كل فرد أولا بنفسه ثم بغيره. فانه بهذه الطريقة يصبح في الإمكان القضاء عليه. من هنا مكافحة الفساد مسئولية ذاتية وشخصية وفردية إلى جانب الجهود الجماعية في ذلك. مع الدعوة بتغليظ العقوبات الرادعة والقصاص العادل والحاسم والسريع مع تشديد الرقابة والمتابعة وسرعة الضبط وحصر حالات الفساد أول بأول وقبل أن تستفحل أمر المفسد. مع كل ذلك لابد من الاعتماد على الرشاد والتوعية والتعليم والتثقيف والتربية والوعظ وإيقاظ ضمائر الناس وخاصة الموظفين والمدراء وتثمين النزيهين منهم... ولا بد من تمكين الأسرة في ادعاء رسالته. والسؤال دوما، من أين لك كل هذا؟ القانون عاجز عن مكافحة الفساد والحد منه وذلك لأسباب كثيرة منها:- 1- ضعف القانون نفسه ووجود ثغرات ينفذ منها المفسدون. 2- إمكانية التحايل على القانون ونصوصه 3- ضعف القائمين على تطبيق القانون بالنسبة لقانون العقوبات. أن الفساد الإداري في العراق حاليا هو المسئول الأول عن معظم مآسي مجتمعنا والصعوبات التي تواجهه والأضرار التي تقع على عاتق أبناء المجتمع. وكل مظاهر القتل والإرهاب والاختطاف وعدم الاستقرار ناجمة عن هذا الفساد الذي يمثل في الرشوة والاختلاس والسرقة والجريمة المنظمة. فإذا لم نتمكن من القضاء على هذا المرض يصبح من الصعوبة القضاء على الإرهاب... فالاثنان وجهان لعملة واحدة!!! يجب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وبعيدا عن الحزبية والطائفية وبالتالي معاقبة المفسد معاقبة شديدة وبصورة مباشرة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |