الارهاب بين قيم العقيدة وقيم الحضارة

 

د. وليد سعيد البياتي / المملكة المتحدة ـ لندن

albayatiws@hotmail.com

 خارج مفاهيم العقيدة:

قد يتوهم بعض المؤرخين ان فكرة الخوارج ظهرت بظهور الاسلام وتحديدا بعد حرب صفين، صفر/37 للهجرة عندما خرج جماعة على الخليفة المنتخب، والامام المعين بالنص الالهي الا وهو امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، وهم بذلك قد رفضوا العقيدة الاصيلة التي يمثلها الامام علي والتي هي بالاصل العقيدة التي جاء بها خاتم الانبياء محمد صلى الله علية وآله الاطهار، وحركة التاريخ تكشف لنا ان هذه الحالة قديمة ومتاصلة ببعض النفوس المنحطة التي تبنت على الدوام قيما دنيا ففي تاريخ الرسالات هناك دائما خارجون على العقائد، منتحلون عقائد اخرى، ومنحرفون عن الحق حتى وان كان ساطعا يغشى الابصار، ولكن الاشكالية تكمن انه كلما تحرك التاريخ نحو الامام تبنى الخوارج مباني اكثر انحطاطا حتى آل الامر بتكفير كل اصحاب العقائد الاخرى، ثم تحول الى التخلص منهم بالقتل فأظهر مشرعو الحركات الوهابية (خوارج العصر) فتاوى تجيز القتل وسلب الاموال وهتك الاعراض دون وازع من عقيدة تلجمهم، او عقل رصين يوقفهم، حتى صار شعار اطلاق اللحى بشكل مقزز ومنفر للناظرين وتقصير الثياب عقيدة تجاوزت عقيدة النص الالهي، كما انها قدمت انموذجا مغايرا لما عرفت عنه الشخصية الاسلامية من الاعتدال والاتزان في السلوك والمظهر، وعلى ايدي هؤلاء جرت دماء المسلمين والمؤمنين انهارا، فهم لايتورعون عن اي قبيح من قول وفعل تحت حجة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ادري هل هم اوصياء الرسول الاعظم صلوات الله علية وآله، فالتاريخ يخبرنا ان الاوصياء هم آل الرسول الخاتم الذين نزلت بهم أيات الذكر الحكيم مصرحة، ومبينة انهم " علي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولد الحسين" على الرسول وعليهم افضل الصلاة والتسليم، أم تقول ان الوهابيين شركاء لله في العلم، وحاشى لله من شريك وهو الواحد الاحد الفرد الصمد  "لم يتخذ صاحبة ولا ولدا" ، والحقيقة ان الاسلام اصيب بهم فسالت الدماء وهتكت الاعراض ودفن التاريخ الاسلامي وارث الرسالة، حتى لم يعد في مكة والمدينة شيئا من أثرالرسول الخاتم او من بقايا آثار آله الاطهار صلوات الله عليه وعليهم اجمعين والحجة بالتاكيد عقائد واهية، واحاديث موضوعة، وكم هائل من الاكاذيب التي ارادوا اجبار المسلمين على تقبلها ولو بحد السيف، او بتفجير الاجساد الطاهرة لشيعة آل البيت والمراقد المقدسة للائمة الاطهار عليهم السلام، وان كان من الغريب ان يصبح القتل والتفجير عقيدة، فانه من الاغرب ان تنسب هذه الافعال والقائمون بها الى العقيدة الاسلامية والفكر الرصين والعقيدة والفكر منها براء.

 

ضياع القيم الحضارية:

   يكشف الفعل الارهابي وضاعة تعامل اصحابة مع مباني القيم الانسانية والحضارية، تلك القيم السامية التي نادت بها العقائد الالهية الاصيلة قبل محاولة تحريفها، ولم تخل العقيدة الاسلامية من دخول الانحرافات على منهجيتها وكما يعرفه اصحابنا في التاريخ ان الانحراف الفكري عن المنهجية الاصيلة لا يمثل في الواقع اية عملية حضارية، اذ ان ثمة تناقض بين الانحراف عن الاصالة و بين الحضارة، فالقيم والمفاهيم المنحطة لا تصنع حضارات، والانسان لايتكلمل الا من خلال قيم عليا، ويحق لنا التساؤل ما هي الحضارة؟  فاذا كانت مناهج التاريخ القديمة تعرف الحضارات بانها نتاج الشعوب، فان هذا التعريف يفتقرالى الكثير من الاصالة والمصداقية التاريخية، فانا اتصور الحضارات ما هي الا للنتاج الايجابي للشعوب، اي ان كل نتاج سلبي لا يعد نتاجا حضاريا ومن ضمنها الانتاج الفكري، اوالعمل على تاسيس عقائد تخالف الانتاج الحضاري الايجابي،وهذا ينطبق تماما على الفكر التكفيري الوهابي، فكل المؤشرات التاريخية والواقعية تؤكد هذا الانحراف المستمر الذي ادى الى تهميش وتدمير انسانية الانسان، وضياع الارث الحضاري والفكري للاسلام الذي هو بالتاكيد اهم من افكار  محمد عبد الوهاب التكفيرية والتي تناقض كل قيم حضارية دعى اليها الاسلام العظيم، وهذا يكشف ان الفكر الارهابي الخوارجي لا يمثل اية قيم عقائدية وحضارية، وتكشف ذلك عمليات القتل والتجريف والتهجير اليومية والتي تطال الشيعة فقط مما يكشف التوجه الحقيقي للفكر الوهابي المنحط، والغريب ان هذا الفكر يجد له مؤيديه ممن هم لا يختلفون عن اصحابه في شيء من الانحطاط الفكري والاخلاقي. والا فاية قيمة حضارية لجماعة بشرية يكون همها الاول والوحيد قتل الاطفال والنساء والشيوخ في عمليات تفجير كالتي حدثت اليوم في مدينة الصدر، فاليقل لي شيوخ الوهابيين اية مصادر تشريعية تلك التي تشرع قتل الابرياء والاطفال وتهديم حضارة الاسلام؟؟ ربما يقول لي البعض انك تكرر الكلام حول نفس الموضوع، حسنا لابأس ولكن قولوا لي هل غير الارهابيون موقفهم كي نتوقف عن فضحهم؟ وهل من المسؤولية الشرعية ان نلوذ بالصمت تحت حجج واهية؟ وهل نقبل ان نعيش كالاغنام نقدم رقابن للذبح دون ان ندافع عن انفسنا؟ او ان نفضح العدو؟ اجل هم اعتبروننا اعداءا واصدر نبيهم الزرقاوي فتواه الشهيرة بشرعية قتل الشيعة؟ وها هي قنابلهم تتفجر في الاجساد الطاهرة ونحن نلوذ بالصمت واذا صرحنا اتهمنا بالتهديد وما منا من يهدد، ولكن عملنا كشف الحقائق، ام ان الحقيقة لا تزال كما كانت دوما جارحة، اليس غريبا ان يصبح القتل والذبح شريعة يهرول الاخرون للدفاع عنها وتبريرها؟ اليس غريبا ان مجموعة من حثالة التاريخ تجهد في تقويض خاتم الرسالات حضارة وفكرا وعقيدة، ثم يواجه كل ذلك بالصمت من قبل المؤتمرات التي تسمي نفسها اسلامية، والتجمعات التي تصرخ صباح مساء مناديا بالقيم الحضارية التي تنتهكها هذه المجموعة التي تطلق على نفسها اسم رجل اباح الفقهاء دمه لخروجة على النص الشرعي.

 

صبر جميل والله المستعان:

   قيمة عليا هو الصبر، بل انه من القيم التي يتفرد بها الانسان في تحمل مشاق الحياة، والصبر من مميزات المؤمن المخلص ولا شك في ذلك، ونحن عقائديا  مامورون بالصبر اضافة الى الانتظار لساعة الخلاص الاتية ولا ريب على يد الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف، والصبر من القيم التي يكافيء عليها الله عزوجل المؤمنين بان لهم الجنة، لكن الصبر لا يعني الصمت، لا يعني السماح للارهابيين ان يستمروا في ذبحنا، الصبر لا يعني ان نقبل بالتحول الى اشلاء معلقة في المسالخ، فالارهاب جاء ليتمم عمل الطاغية صدام، بل انه بكل صراحة امتداد عملي للخط الصدامي البعثي العفلقي، ولو سمح لصدام بالاستمرار في حكمة لتصرف بنفس المنهج الارهابي الحالي ولكشف عن افعال لاتقل عن الوضع الحالي الذي يواجهه الشيعة، ففي زمن الطغاة صبرنا وانتظرنا لكننا كنا نعمل في نفس الوقت وصدام لم يسقط من فراغ، فالحركة الاسلامية بقيت تضرب حتى تصدع البناء ثم عندما جاءت لحظة الصفر سقط البناء متهاويا بهبة ريح، وهؤلاء الارهابيون يجب ان يتلقوا المزيد من الضربات من قبل قوات الداخلية والجيش والاهالي والمثقفون والمرجعيات حتى ينهار الارهاب، اذا كان العراق يهمنا كوطن وكارض حضارية حيث اضرحة الانبياء والائمة عليهم السلام، وحيث الحضارات التي غيرت مسار التاريخ الانساني، تلك الحضارات التي لايعترف بها اصحاب العقول المتحجرة، والمسؤولية الشرعية والتاريخية والانسانية تدعونا لمواجهة الارهاب لا لتبريره والصمت عليه.


العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com