المأزق العراقي..والحل في قراءة للتاريخ..!

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

ربما هي الفترة الأطول في تاريخ تشكيل الحكومات العراقية، تمر على العراق دون تشكيل حكومة، بعد انتهاء الانتخابات وإعلان النتائج، نتيجة سببين، الأول، عدم تمتع مرشح قائمة الائتلاف، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، إبراهيم الجعفري، بثقة القوائم الأخرى، وخصوصا القائمة الكوردية، حليفته في الحكم، إضافة للقوائم الفائزة الأخرى.، والأمر الثاني، عجز القائمة الأكبر عن تشكيل حكومة لعدم تمتعها بأغلبية ثلثي مقاعد البرلمان الجديد.
كل طرف معارض لترشيح الجعفري له وعنده أسبابه للمعارضة، وهذا مبدأ ديموقراطي لا ينفي التوافق، كما لا يعرقل الاستحقاقات الانتخابية للبدء بدعوة البرلمان وتشكيل الحكومة، فاستمرار الخلاف بين كل الأطراف الممثلة في المجلس النيابي الجديد قبل انعقاده، هو ضرب من المماطلة لتأخير الاستحقاقات الدستورية، وافتعال لخلاف هي قادرة على تجاوزه وحله إن حسنت النيات، وكل تأخير يحملها مسؤولية التدهور الحاصل، فعدم التوصل إلى اتفاق ينهي أسباب أزمة الحكم، بحجة الحرص على مصالح العراق العليا، يضع القوى السياسية بكل تلاوينها في دائرة عدم مصداقيتها في توجهاتها للحل، كما يعرضها لتهمة التفريط بمصلحة الشعب العراقي، فالتستر وراء المصلحة الوطنية، هو مجرد هراء كاذب وضحك على ذقون البسطاء من الموالين لهذه القوى.
تتمترس كافة القوى السياسية المتحاورة، خلف دعاوى لتحقيق مصالح عامة للشعب، طائفية، وقومية ـ عنصرية، كلها دعاوى كاذبة، والحق الذي لا يقال هو أنهم يلهثون خلف مصالح شخصية بحته. ولا علاقة لهم بالمرة بما يدعون من تمسكهم بالمصلحة الوطنية العليا للشعب العراقي، إن كان هناك من يصدقهم من الأعوان والمريدين، فالواقع يكذبهم، أين المصلحة من دوامة إرهاب يشمل العراق كله، وهو ينزف دما ويفقد يوميا العشرات من خيرة أبنائه وبناته أرواحهم، وتتعرض مصادر رزقهم للتلف، وتتعطل مصالح الناس أجمعين ؟ وما علاقة المصلحة بربطها بشخص واحد بعينه يراد فرضه دون مبرر؟ أليس مثل هذا الموقف تزكية لمواقف الدكتاتورية المقبورة، عندما ربطت مصلحة البلد بحاكم فرد، ألا يدلل هذا الموقف على بداية المسير باتجاه فاشية جديدة يراد فرضها على العراق ؟ هل عقمت ولادات العراق، وما عاد هناك من هو قادر على تحمل المسؤولية غير شخص بعينه، ومن تنظيم بعينه ؟ وأين الديموقراطية، التي يتمسح بها الجميع، عندما ترفض أكثرية الكتل، حجما وعددا، مرشح تجربته تقول أنها فاشلة في إدارة الحكم في العراق. لماذا لا تعطى الثقة لشخصية وطنية محايدة تقود الحكم، بغض النظر عن دينه وقوميته أو طائفته، من خارج الكتل البرلمانية ؟ إن كانت حقيقة دعواهم وخلافهم هو على المصلحة الوطنية، فليفعلوا ما فيه فعلا المصلحة الوطنية العليا للمجتمع، وليست مصالحهم ؟ وإلا فلينِفذوا مقترح الصديق الدكتور عبد الخالق حسين.الوارد في مقاله ( المأزق العراقي وكيفية الخروج منه، المنشور على الصحافة الألكترونية ليوم 12/3 ) الذي ارتأى في بعض ما اقترح \" الأخذ باقتراح الكاتب الأمريكي توماس فريمان، لتجميع كل القيادات العراقية المنتخبة لمؤتمر المصالحة العراقية خارج بغداد، وحبسهم في غرفة وعدم السماح لهم بالخروج إلى أن يتوصلوا إلى حكومة وحدة وطنية..\".
هذا المقترح الذي اقترحه الكاتب الأمريكي عملي جدا، وهو مقتبس من تاريخ العرب والإسلام، ولم يكن أمريكيا ( للمصابين بالحساسية الأمريكية ) أو من عندياته أو من مخيلته، إنما استله، كاملا دون تحريف أو تغيير في كلماته من صفحات مطوية، وهو يقرأ وقائع عن بدايات الخلافات السياسية في التاريخ الإسلامي، ربما هذه الوقائع غاب استذكارها أو حضورها، عن أذهان قادة الإسلام السياسي الجدد في العراق، إن كان قد قرءوا تاريخهم من قبل، أيام دراستهم الابتدائية. ولا بأس أن أسرد على القارئ بعض أحداث هذه الصفحة، لما فيها من عضة وعبرة، ومماثلة لما جرى قبل أكثر من 1440 عام، مع ما يجري عندنا.
المولى ( العبد ) أبو لؤلؤة الفارسي، توعد الخليفة عمر بن الخطاب، عندما طلب منه الخليفة عمر أن يصنع له رحى طحين لأهل بيته، فرد عليه \" لأصنعن لك رحى تتحدث عنها العرب والعجم \"، وقد فهم عمر الرسالة، عندما قال توعدني العبد، ولم يمهل أبو لؤلؤة عمرا طويلا، حيث عالجه بطعنة من خنجره وهو قائم لصلاة الفجر، شعر عمر أن الطعنة قاتلة، وفي الحال أمر بتشكيل مجلس شورى لاختيار خليفة للمسلمين من بعده، من بين رموز تمت تسميتهم، وتحديدهم بسبعة أشخاص ستة لهم الحق في الترشيح والإختيار وهم كل من : ـ علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن الزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، والسابع ابنه عبد الله، له حق الإختيار وليس له حق الترشيح، منوط به حماية المجتمعين في بيت لا يخرج أحد منه ولا يدخل أحد فيه من الخارج، حتى يتم اتفاقهم على واحد منهم، ومن يعلن عن رأي معارض، أو يبشر برأي مخالف،بعد الاتفاق، يضرب رأسه بالسيف، وهكذا حلت مشكلة كانت في غاية الأهمية والصعوبة، قاطعا دابر الخلاف والفرقة، كما هو الحال اليوم.
وربما هذا ما يفعله مجلس بابوات روما عند انتخاب بابا جديد لهم، مع تغيير بسيط، فإشارة الإتفاق تصاعد دخان أبيض، دون أن تكون حاجة للسيف إن بشر أحدهم برأي مخالف.
ليت قادة العراق يصنعون ما صنع الأسلاف، وليتهم يتخذون من حوادث تاريخهم عبرا، وليتهم يصنعون ما صنع الكاتب الأمريكي \" توماس فريمان \" بتقليب صفحات التاريخ، ليقدموا لنا حلولا لخلافاتهم، وتسامحا في معتقداتهم، فالوقت ليس في صالح أحد، أيا كان، وبعكسه، إن لم يحصل اتفاق، فقد أشار الكاتب الأمريكي إلى حل فيه تهديد مبطن، \" إن الوقت قد حان للإستعداد للرحيل \" فالحليم تكفيه الإشارة، فليس ما يعنيه رحيل القوات الأمريكية، فهي جاءت لتبقى، وإنما الرحيل للقوى التي جاءت بها هذه القوات، وظنت هي من أسقط النظام الفاشي..ورحم الله اُمرؤا عر ف قدر نفسه !

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com