|
فوق القانون ...
مهند صلاحات / كاتب فلسطيني مقيم في الأردن انتهت عملية اجتياح سجن أريحا لاعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات ورفاقه والتي أسفرت عن اعتقالهم بالإضافة لعدد من المعتقلين السياسيين الآخرين، وهذا كان متوقعاً منذ زمن لكن ما لم يكن متوقعاً والذي يدعونا للتساؤل حقاً : لماذا تم اقتحام السجن في هذا الوقت بالذات ؟ - ماذا كان يفعل أكثر من 300 مقاتل فلسطيني إلى جانب سعدات ورفاقه في السجن ؟ - ما هي الحماية المزعومة التي وعد بها عباس ومن قبله عرفات لسعدات ورفاقه بعد اختطافهم من قبل ال "الكوماندوز الفلسطيني " الذي لا نراه غلا في الاعتقالات السياسية للمقاتلين، ويختفي في الاجتياحات. - إذا كانت حماس وعباس يعلمون مسبقاً بأن القوات الدولية المتواطئة مع إسرائيل ستنسب وأن هجوم السجن أصبح وشيكاً لماذا على الأقل لم يحذروا الرأي العام العالمي ويطلبوا منه ضمانات؟ والعديد من الأسئلة يمكن طرحها على هؤلاء وعلى أنفسنا وعلى الشارع الفلسطيني. ولنبدأ من لماذا هذا الوقت بالذات ولصالح من هذا الهجوم ؟ لا شك بأن إيهود أولمرت الذي فقد حزبه "كاديما" كل أوراقه السياسية بإسرائيل بعد مرض شارون وموته سياسياً في إسرائيل وخصوصاً في صفوف المستوطنين المتشددين يحتاج لعملية عسكرية خاطفة يستعيد فيها شعبية الحزب مرة أخرى وخصوصاً بأنهم على أبواب انتخابات داخلية، لكن هذا ليس كافياً أو مقنعاً، فلماذا لم تقوم إسرائيل مثلا بقصف السجن على طريقة محاولة اغتيال محمود أبو هنود في سجن نابلس المركزي عبر قصف السجن في طائرة "أف 16" وبذلك تنتهي من هذا الشبح اليساري الفلسطيني الذي يؤرقها هو ورفاقه من محاولة اغتيال احد قادتها مرة أخرى وبذلك تكون قد ربحت ورقتها أمام الرأي العام الإسرائيلي ؟ ولماذا يقف محمد نزال وغيره من قادة حماس ليعلنوا أن إسرائيل قد أغلقت الباب أمام الحلول السياسية للمرحلة الجديدة ؟ ربما نفهم أن المرحلة الجديدة هي تولي حماس الحكومة، لكن ما هي الحلول السياسية التي يتحدث عنها نزال وجماعته ؟ ربما لو بحثنا قليلاً في تأصيل المسالة قانونياً، هل حقاً حماس التي زجت بحشود من المنظرين لها دولياً وعربياً وفلسطينياً للترويج لفكرة الاعتراف بإسرائيل ورفضها لذلك . حقيقة إن الشكل القانوني للاعتراف بإسرائيل بدأ منذ توقيع اتفاق أوسلو الذي نص على الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل، وكل ما انبثق فيما عن الاتفاق كان يحمل ميزة وشروط هذا الاتفاق، فكل الاتفاقات الموقعة انبثقت عنه بشروطه ومنها قيام السلطة الفلسطينية، وبالتالي كل المؤسسات التي قامت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية هي قائمة أصلا على الاتفاق ذاته، فالمجلس التشريعي الفلسطيني ، ومجلس الوزراء وكل الوزارات وبقية المؤسسات هي مؤسسات انبثقت عن السلطة هي منبثقة عن الاتفاق، مما يعني انه قانوناً كل من وافق على الترشح والانتخاب للمجلس التشريعي سواء على شكل قائمة حزبية او بشكل مستقل هو موافق ضمناً على الاتفاق الذي قامت على أساسه السلطة الفلسطيني الذي يعتبر المجلس التشريعي أحد مؤسسات، ولا داعي للمراوغة واللعب بالأوراق التي تحاول حماس المراوغة فيها فكل شيء إن دققنا فيه ببساطة سنجده واضحاً أكثر. حماس معترفة ضمناً بإسرائيل، واللعب الدولي بأوراق الاعتراف ومحاولات إقناعها بالاعتراف مراوغة سياسية ليس إلا الهدف منها تضخيم وتثبيت موقف حماس دولياً وعربياً ومحلياً، بالتالي فحماس تبحث الآن عن ورقة سياسية تبدأ منها جوقة التفاوض مع إسرائيل، ولعل ورقة أحمد سعدات ستكون مناسبة أكثر أمام الرأي العام العربي والفلسطيني لتفاوض عبر حكومتها القادمة على أن يكون أحمد سعدات والمعتقلين معه في أمان وأن يحاكم محاكمة عادلة أمام القضاء الإسرائيلي الذي هو فوق كل القوانين الدولية التي يجتازها دائماً. عودة لسجن أريحا وما جرى فيه، فمن ناحية قانونية إسرائيل خرقت القانون الدولي بتواطؤ بريطاني أمريكي حين اقتحمت السجن الذي يتواجد فيه سعدات ورفاقه والشوبكي بناء على اتفاقية دولية تحفظ لسعدات ورفاقه أمنهم وسلامتهم في داخل السجن، لكن إٍسرائيل المعروفة بخرقها قوانين الشرعية الدولية، وكان لها سابقة في قانا في لبنان حيث قصفت مبنى الأمم المتحدة ومن احتمى فيه ولم يحرك المجتمع الدولي ساكناً إزاء ذلك، وهي اليوم تعيد الكرة بأن تقتحم سجن يخضع لسيادة القانون الدولي قبل أن تمثل بريطانيا أو أمريكا فيه شأن قانوني فقط أنهم نواب عن مجلس الأمن لحراسة سعدات، ومرة أخرى يبقى الصمت هو الموقف العام للمجتمع الدولي. ومرة أخرى نتساءل ماذا كان يفعل أكثر من 300 معتقل فلسطيني في سجن أريحا ؟ ولماذا سجن أريحا بالذات ؟ وهل حقاً يعتبر هذا احترام فلسطيني للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بأن تقوم باعتقال المقاتلين الفلسطينيين بينما إسرائيل لم تحترم حتى اللحظة أي اتفاق وقعته مع السلطة الفلسطينية ولا تزال تحتفظ بأكثر من 8000 معتقل فلسطيني في سجونها وتقوم بشكل يومي باجتياح المدن الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى دون رادع قانون أو أخلاقي وتنكل في أبناء الشعب الفلسطيني على الحواجز التي تخنق المدن من بواباتها الرئيسية. إسرائيل لا تعرف القانون وتعتبر نفسها دولة فوق القانون، ولذلك إن مجرد التعاطي معها على أساس قانوني يعني أننا لا نتعلم من أخطائنا التاريخية التي ارتكبتاها من قبل، فهي دولة لا تفهم إلا لغة القوة والعنف ولا يجب التعاطي معها إلا على هذا الأساس، والدول العربية التي تحاول رعاية الاتفاقات بين الفصائل هي الأخرى وقفت صامتة إزاء ما جرى في سجن أريحا، ولو أنها حقيقة جادة في حرصها على مصلحة الشعب الفلسطيني وسلطته أكثر من كونها تحاول البحث عن دور بعد أن أصبحت المنطقة كلها مأزومة لتدخلت لدى مجلس الأمن مطالبة إسرائيل باحترام القانون الدولي وعدم التعامل مع الفلسطينيين على أساس سياسة الفصل العنصري التي اعترفت فيها بريطانيا بأن إسرائيل تمارس سياسة فصل عنصري ضد الفلسطينيين يطابق السياسة التي كانت تمارس في جنوب إفريقيا في فترة الفصل العنصري بين السود والبيض. الدول العربية في الوقت الحالي مطالبة بأن تجتمع اجتماع حقيقي لتنظر وبشكل جدي بدورها من الشعب الفلسطيني، وعليها أن تتخذ قرار جاد وحقيقي أكثر جدية من قرارات القمم العربية التي تذهب كالعادة هباء الريح، وكذلك على السلطة الفلسطينية سواء الحكومة الجديدة أو عباس نفسه أن يعيدوا النظر من جيد في متطلبات المرحلة، فمصلحة الشعب فوق مصلحة التنظيمات والأحزاب بالتالي أمامهم خيارين : إما العمل المشترك وعلى أجندة واضحة، أو أن يستقيل أحدهم ليفسح المجال للطرف الأخر بعرض أجندته والعمل على أساسها. حماس استفادت وستستفيد من عملية اجتياح سجن سعدات، وكذلك عباس نفسه استفاد من هذه العملية بأن أزال الهم عن قلبه، وبالتالي فإن ما تردد في وسائل الأنباء حول مؤامرة قادها دحلان والرجوب لإحراج حماس انقلب سحرهم عليهم إن صحت الأخبار، وإن لم تصح فهي فرصة حماس لتبدأ التفاوض مع إسرائيل بشكل علني وأن تخفي نطاق التفاوض السري الذي يجري منذ زمن مع إسرائيل حول شكل وطبيعة التفاوض وعلى ماذا. سعدات الذي صار كبش فداء مع رفاقه للمرحلة أيضاً أخطأ من قبل بأن فرض في أجندة الجبهة كاملة حين قبل الغوص في وحل أوسلو وسقط رهن الوعود الكاذبة واسقط معه الجبهة كاملة، بالتالي المرحلة القادمة لن تكون بصالح أحد فالمنطقة العربي كلها مأزومة والأحزاب الفلسطينية لم يعد أمامها خيار فهي تتلاشى تلقائياً بالتالي من المنطقي جداً أن عودة فتح للساحة مستحيل، وحماس ستبقى تراوغ مدة أربع سنوات قادمة، واليسار الفلسطيني تلاشى حقيقة وواقع، فالمستقبل القريب يعني أن هنالك أحزاب لا بد ستظهر هي التي ستقود الشعب الفلسطيني بأجندات واضحة ومنطقية، تتعامل مع الملفات الأساسية للشعب الفلسطيني سواء ملف القدس أو عودة اللاجئين.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |