اريحا والتواطؤ الدولي المستمر!!

ياسر سعد / كندا

yassersaed1@yahoo.ca

ليست المرة الاولى ولن تكون بالتأكيد الاخيرة والتي نرى الوعود الدولية تتبخر والضمانات الغربية والامريكية تتهاوى والمؤسسات الدولية تستخدم اداة لخداع المظلوم واضطهاده وتعميق الظلم وتأصيله. فنحن بإختصار ووضوح نعيش في عالم يفتقد الى القيم والمبادئ ويفتقر الى الاخلاق ويحتكم الى القوة والجبروت والبطش والصدمات وترويع الآمنين مع أضافة بالغة السوء, في دعمه لكل ذلك واكثر, بغطاء من النفاق والتزييف والتزوير المدعوم بآلآت إعلامية متطورة وكبيرة تصور المجرم والارهابي بصورة البطل والمنقذ, والخائن بهئية الشجاع, والمطالب لحقوقه ولو كانت منقوصة بالارهابي والمتطرف. الامثلة على التواطؤ الدولي في قضايا العرب والمسلمين في العقود الماضية اكثر من ان تحصى ولو من باب الإشارة في مقال قصير, والضمانات الامريكية المخادعة كثيرة وعديدة ولعل من ابرزها مما يرهق الذاكرة بالصور الدامية والانطباعات المفجعة مأساة صبرا وشاتيلا! اما ذكريات الضمانات الاممية فتأخذنا الى مذبحة سربرينتا في البوسنة بعد ان تم نزع سلاح المقاتلين المسلمين وتشكيل مناطق آمنة, اكتشفنا بعد فوات الاوان ان الأمن كان فيها للمجرمين والقتلة ليمارسوا إجرامهم وذبحهم للابرياء. النظام العراقي السابق "إنصاع" بالكامل لقرارت مجلس الامن وتعاون وبشكل كبير مع المفتشين والجواسيس الدوليين فاتحا لهم جميع اسرار الدولة بما فيها اسماء العلماء العراقيين والذين تمت تصفية كثير منهم بعد الاحتلال الامريكي, وفي النهاية انسحب المراقبون الدوليون من الحدود العراقية-الكويتية  ليتيحوا الفرصة ويهيئوا السبل امام القوات الامريكية والبريطانية لغزو العراق واحتلاله وتدميره بقرار معزول أمميا ليس له مسوغ حتى في الميزان الدولي المائل والمنحرف ابتداء.

وعود بوش بالدولة الفلسطينية في عام 2005 تبخرت مع رياح الكذب والمخاتلة, مواقف حليفه بلير الاعلامية والتي كان يبدو عليها ظاهريا بعض الاختلاف عن مواقف بوش وحديثه عن الاشكال الكبير في اهمال القضية الفلسطينية ودعوته لمؤتمر في العام الماضي بشأن القضية الفلسطينية سرعان ما تم تحويره ليصبح مؤتمرا لتأهيل المسؤول والمفاوض الفلسطيني وبشكل مهين, مواقف بلير عادت لتتسق مع المواقف البريطانية الاستعمارية التاريخية والمسؤولة بشكل مباشر عن المأساة الفلسطينية والتي كان من ابرز عناوينها وعد بلفور. كلما قدم الفلسطينيون تنازلات مؤلمة تحت الضغوط الدولية وواقع الخلل الكبير في موازيين القوى وتم عقد اتفاقية ظالمة ومجحفة بحقوقهم, سرعان ما يتم تجاوز تلك الاتفاقية ومطالبة الفلسطينيين بتنازلات جديدة وتخفيض سقف مطالبهم المنخفض ابتداء. بدأنا بالقرار 242 ومن بعد مؤتمر مدريد واتفاقيات اوسلوا ثم خارطة الطرق واخيرا صفق النفاق العالمي لشارون إذ انسحب مضطرا من غزة مدمرا المستوطنات حتى لا يستفيد الفلسطينيون منها. الحديث يدور دوليا وبشكل شبه دائم عن الامن الاسرائيلي دون التطرق ولو من باب المجاملة الكاذبة لحق الفلسطيني في الامن والكرامة. لإسرائيل الحق في حيازة اسلحة نووية واسلحة الدمار الشامل وليس للفلسطينيين حق في تأسيس جيش ولو رمزي. إنها العدالة الدولية في عالم تقوده امريكا جورج بوش حيث تدان الضحية وتحاصر, ويصفق للقاتل ويُهلل لمجرمي الحرب. البريطانيون والامريكيون سحبوا حراسهم من محيط سجن اريحا لدواعي امنية كما زعموا وتعاملوا بإستهتار مذل وبإستعلاء عنصري مع الطرف الفلسطيني, فأمن حراس البريطانيين والامريكيين يؤخذ ولو وهما بالاعتبار دون التفكير على الاطلاق بأمن الفلسطينين ولا حياتهم ولا كرامتهم.

حادثة اريحا جاءت لتؤكد ان الدولة العبرية لا تحترم التزاماتها ولا تأبه بإتفاقياتها. ليس الامر بالجديد فمن لا يذكر عبارة المواعيد المقدسة والتي كان يتهرب الطرف الاسرائيلي من التزاماته الضعيفة  في استحقاقات اتفاقيات السلام مع الطرف الفلسطيني المغبون والمغلوب على امره وبشكل دائم. الدولة العبرية انتهكت اتفاقية السلام مع الاردن في محاولة إغتيال خالد مشعل وغيرها, وفعلت الشئ نفسه مع الجانب المصري في غير موضع وموقف. بكل الاحوال التصرفات الغربية من قبيل الكارتون الدانماركي والاوضاع العراقية والتدخل السافر في دارفور على خطى تفتيت السودان وعرقنته ومحاصرة مصر وتركيعها لم تعد بحاجة لغطاء ولو زائف. ذلك ان الضعف والهوان والانحطاط الذي اصاب الجسم العربي وانعدام الوزن السياسي الدولي والاقليمي لغالبية الانظمة العربية -المنشغلة نخبها الحاكمة إما بإجراءات التوريث او تكديس الثروات والانضمام الى قوائم الاثرى عالميا- اصبح يغري الاطراف الدولية بالتطاول على مقدسات الامة والعبث بسيادة دولها والتدخل في أخص شؤونها الداخلية وفرض مناهجها الدراسية وتوجيه والتحكم بمسالكها السياسية والاقتصادية.

عملية اريحا ستشكل كسبا كبيرا لدعاة المواجهة في الشارع العربي والتي لا ترى في السياسية الدولية الا شباك وحبائل للايقاع بالشعوب والمقدرات العربية. وتشاء الاقدار ان تتزامن عملية اريحا مع مجزرة امريكية شمال بغداد قرب مدينة بلد العراقية حيث  قتل احدى عشر عراقيا، أغلبهم من النساء والأطفال. فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول في الشرطة دون الكشف عن اسمه القول "هاجموا منزل فايز خيرت خلف طرفة، وقتلوا إحدى عشر شخصا، بينهم خمس نساء ورجلان وأربعة أطفال، قبل أن ينسفوا المنزل ويحرقوا ثلاث سيارات". وتحدث مصورون من وكالتي الأنباء الفرنسية وأسوشييتدبرس عن مشاهد جثث، بينها لأطفال، بعضهم لم يتجاوز من العمر أعواما قليلة، وقد بدت جثثهم متربة وحطام أنقاض بين شعورهم. كما نقلت وكالة أسوشييتدبرس إن تسعة من الضحايا كانوا من أفراد الأسرة ممن يعيشون في المنزل بينما كان هناك اثنان من الزوار. انتهاك الاتفاقيات ومقتل الابرياء وبالجملة بشكل اصبح شبه يومي والاساءة للمقدسات والتطاول على الحرمات في ظل عجز عربي واسلامي كبير وصمت دولي مريب مع ازدواجية المعايير الدولية والاختلال الفاضح في المقاييس الاخلاقية بالاضافة الى احوال اقتصادية بائسة جراء الفساد الاداري المزمن والصفقات الدولية المشبوهة من الاسلحة المليارية وغيرها, كل ذلك واكثر منه يشكل عوامل تفجر وتفجير بالغة في المجتمعات العربية ستؤدي الى تعزيز خيار المواجهة وثقافة الاستشهاد. فما الذي يتبقى للفلسطيني والعراقي وربما في القريب العاجل السوداني والقائمة ستطول على الارجح ليخسره, إذا كانت بلاده محتلة والاذلال والامتهان لغة المحتل اليومية وسلوكه ونهجه, وفي حين لا يجد اصحاب المهن والشهادات عملا ولا دخلا في بلادهم يتمتع المرتزقة والقتلة في العراق برواتب تصل الى ربع مليون دولار سنويا!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com