مدينتي تحتضن دماء الفقراء!!

 

أمجد حامد / مدينة الصدر المجاهدة

لملم أمتعته .. وأعانته امرأته .. لتساعد في لبس خوذته ! ليشارك في حرب الفقر، أبتسم الابن وبادل والده ذات الابتسامة، الابن يريد مصروفاً ليذهب إلى مدرسته ، لكن الوالد خجل، جيبه فارغ، قال بني سآتيك عصراً ومعي لعبةً ترتدي ثياب (مرقوعة) وقليل من حلوى مرة، الحزن مخيم على وجه الولد الصغير وكأنه متنبئ بما يحصل، ودعهم معيل الأسرة وبكت أمه ، أبنها مسح الدموع من على خدها المتفطر، قال: لما البكاء ، قالت: دموع الفرح لأنك ستأتينا برغيف الخبز عصراً، هذا ليس ما في باطن الأم لأنها تعلم ما سيحصل له.

عاد الابن من المدرسة وهو متعب وضعيف ووجهه وقد أصفر لأن الطعام قليل لكنه فرح وعليه براءة الأطفال طاغية، جلس على دكة الباب لانتظار الفرحة وانتظار الحلوى، جاء العصر ويالهُ من عصر، عصرٌ اختلط بلون دم الفقراء والمساكين ... عجباً، الشمس التي كانت ساطعة، أرتبك الولد وراوده سؤال: لماذا أصبحت الدنيا حمراء؟، ولكن الأمل يملأه بأن والده المسكين سيعود، ليس من عادة الوالد التأخير في (العّمالة) فهو لا يستطيع تحمل رفع (الطابوق) ولا يصمد أمام (طاسة الشبينتو) فهو عادةً ما يأتي عصراً ، هذا اليوم تأخر ، تعجب الولد وبدأ الحزن يصبغ وجهه البرئ.

ما هذا؟ انفجار... أين....؟ كم قتلوا....؟ الناس مرتبكة .. والشوارع الكهلة خالية فارغة ، أخذت دقات قلب الولد ترتفع وأخذ يسأل عن والده، جاءوا بكيس من اللحم فصرخت والدته وصرخت جدته، الولد تعجب، أين أبي ؟ أين الحلوى؟ أين وعد والدي ؟ لم يعلم ما يحصل؟ قرر المكوث في مكانه بعد أن ملّ الصراخ!.

جاء (أبن الجيران) قال للولد: ماذا تنتظر ، أجابه: أنتظر أبي: اصفر وجه (أبن الجيران، قاله له : أباك نالت منه المفخخة وما بقي منه إلا الأشلاء، وقف مذهولاً مات والدي ، ماذا يعني مات؟ قال له: أي أنه لن يعود إلى البيت بعد الآن، الولد مبهور ولم يصدّق الأمر وكأنه في حلم ، لماذا لن يأتِ إلى البيت ، بدا له الأمر واضحاً حين شاهد أمه وجدته تبكيان على ما في الكيس.

لم يتأنَ الولد بإسقاط دمعته على خده الشاحب، وضع يديه على رأسه وراح يبكي.. ويبكي... ويبكي عسى أن يرجع والده وبيده الحلوى (المرة) التي وعد بها الولد، لكن (المفخخة) لم تترك في جسده لأنها كانت خبيثة كخبث معاوية ويزيد فطعناتهم عادةً ما تكون سامة.

أستسلم الولد للأمر الواقع فنام عند حلول الظلام لكن الصراخ مستمر من حوله، اخذ النوم مأخذه منه لشدة التعب لأن يومه كان شاقاً.

أستيقظ الولد من نومه وعادةً ما يذهب إلى الحمام (المرافق) ثم يغسل يديه ووجهه إن كان هنالك ماء، وإن لم يوجد فيكمل مسيرة الصباح من غير غسل ، ذهب إلى مكتبته القديمة البالية ليحضر كتبه وفي أحيان كثيرة تساعده أمه، بيد أن الولد لم يتذكر إن أباه غير موجود، فأخذ يلتفت يميناً ويسار نحو بيته البائس الصغير لم يرَ أمه وأيضاً والده أين ذهبت أمي وأين أبي، أخيراً شاهد أمه .

ولكن، شاهدها في وسط زحام نساء يلبسن السواد ودموعها تجري وتلطم الخدود ؛ وقف مذهولاً خرج من البيت فرأى (جادر) مستلقي أمام البيت بدا له الأمر حقيقة إن والده لن يعود، أستسلم لقدر الله ، وأصبح رقماً من أرقام العراقيين الفقراء الذي أخذ حصته من السيارات المفخخة التي تنهش بأجساد العراقيين بدعوى الإسلام.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com