كوردستان اقرب للعراق من حبل الوريد

 

د.جرجيس كوليزادة

Gulizada_office@yahoo.com

توازيا مع رسوخ الواقع الجديد في العراق بعد الانتخابات الأخيرة ونجاح العملية السياسية بمشاركة فعالة للقوى السنية التي غابت عن الانتخابات السابقة، وفوز التحالف الكوردستاني والائتلاف العراقي الموحد وجبهة التوافق وقائمة العراقية وقوى أخرى استنادا الى ثقة الناخبين العراقيين والكوردستانيين، برزت بوجه هذه القوى وبوجه العراقيين نشاطات لقوى إرهابية متسمة بعنف دموي شديد تهدف الى زرع الفتنة بين العراقيين، عملت على جمع كل قواها لمحاربة الواقع العراقي الجديد بدعم من قوى اقليمية مجاورة وأطراف دولية لمحاربة التوجه الديمقراطي الجديد بعد دخول الطرف السني في المعادلة السياسية العراقية، ووصلت أوج نشاطات هذه القوى الإرهابية في ضرب مرقد الإمامين في سامراء لتأجيج نار الفتنة في العراق بين السنة والشيعة.

ومما يؤسف له، أن الأحداث التي رافقت هذه العملية الإرهابية وما بعدها قد أدت الى سقوط ضحايا أبرياء من العراقيين في مناطق متفرقة في الوسط والجنوب، وبفضل الجهود الخيرة للقيادات العراقية والمراجع السياسية والدينية تمكنت من السيطرة على الأمور وإنقاذ العراق من مصيبة كبيرة كادت ان تقع بها لولا حكمة القيادات التي عبرت بمسؤولية عالية عن حرصها الشديد للحفاظ على العراق، خاصة القيادة الكوردستانية الممثلة بالرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني، حيث لعبا هذين القياديين دورا كبيرا في رأب الصدع بين القوى السنية والقوى الشيعية اللتين كادتا أن تنجرا الى شفا حفرة من النار الأهلية. وبرهنت الأحداث التي مرت بها الامة العراقية بصورة عامة خلال هذه الفترة العصيبة بعد تفجير قبة مرقد الإمامين، ان موقف الكورد كان نابعا من إحساس عال للحفاظ على الامة العراقية وإبعادها بكل قوة وإصرار من شبح الحروب الطائفية التي خططت لها الدوائر الإرهابية والمخابراتية بأدواتها من القوى التكفيرية و أزلام النظام السابق.  

ومما لا شك فيه، ان الهجمة الارهابية الشرسة التي تتعرض لها العراق في الآونة الأخيرة لم تأتي من فراغ، وإنما أتت لتحاول بكل قوة ان تفشل العملية السياسية التي برزت الى الساحة العراقية بفعل مشاركة كافة الأطراف العراقية الوطنية في الانتخابات الاخيرة، لإرساء تجربة ديمقراطية في بناء العراق الجديد توازيا مع النموذج الكوردستاني في الاقليم، كتجربة اقليمية متميزة مستندة في بنائها على عوامل ومقومات وطنية مبنية على أساس إرساء الحقوق السياسية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفرد والمجتمع. ونتيجة للنجاح غير المتوقع لهذا النموذج العراقي الجديد، فإن المخاوف ساورت الدول والأطراف الإقليمية والدولية بشأن التغييرات الايجابية الحاصلة في العراق وفي اقليم كوردستان، وعبرت المخاوف عن نفسها بأشكال مختلفة منها التدخل في الشؤون العراقية لزعزعة أمنها وإبعادها عن الاستقرار والبناء عن طريق الارهاب والعنف وتأجيج الملفات الطائفية ونقل بعض أوراق الصراع الدولي بين إيران والمجتمع الدولي والولايات المتحدة الامريكية بشأن الملف النووي الى داخل الساحة العراقية للضغط على الطرف الأمريكي، ومما ريب لا ريب فيه ان التأزم الخطير للآثار الناتجة عن العملية الارهابية في سامراء تدخل ضمن هذا المجال.

والحمدلله، فإن الحكمة والشعور بالمسؤولية العالية للقيادات السياسية والمراجع العراقية، الكردية والعربية، الشيعية والسنية، تجاه الوطن والأمة العراقية، خلال هذه الفترة الحرجة من حياة العراقيين، كانت لها الأثر الكبير في إطفاء نار حارقة كادت ان تحرق اليابس والاخضر على أرض الأنبياء، وكانت للقيادة الكوردية والمراجع الدينية في النجف الفضل الكبير في لم شمل الطرفين السني والشيعي لإخماد نار الفتنة التي أرادها الارهاب افتعالها بين أبناء الامة العراقية. 

لهذا جاءت المشاورات والاجتماعات بين الأطراف العراقية الممثلة بالكيانات والائتلافات السياسية والتحالف الكوردستاني تحت إشراف الرئيس العراقي جلال طالباني وبمشاركة رئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني خلال فترة الأزمة، لتبرهن للآخرين ان الحرص الكوردي على العراق لا يقل ان لم يزد عن حرص بقية العراقيين الوطنيين في الحفاظ والتمسك بأمة عراقية واحدة، وما لحقتها من جهود وإصرار لتشكيل حكومة وطنية توافقية تشارك فيها جميع الكيانات القومية العراقية، موثوقة من قبل جميع الأطراف السنية والشيعية للاستناد اليها والاعتماد عليها للخروج من الأزمة التي تعاني منها الساحة السياسية، جاءت لتعبر بكل قوة ان العراقيين على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم على وعي كبير أنهم أكبر من المخططات الارهابية  الإقليمية والدولية التي تحاول بشتى الوسائل أن تضرب بهذه الأمة لتوقف نهضتها وتقدمها.

هذا التميز في الانطلاقة الجديدة للعراق، وبالأخص بعد الأحداث الأخيرة والمشاورات الجارية الجدية لترتيب البيت العراقي الموحد من خلال خطوات حكيمة تميزت بها القيادات السياسية العراقية، شكلت انطلاقة وطنية أصيلة لبناء العراق من خلال إبداء حرص كامل على ترسيخ المشاركة الوطنية لإرساء الحكم للسنوات القادمة لضمان عراق موحد مستقر وبناء دولة فيدرالية تؤمن كافة الحقوق القومية والوطنية لكل القوميات والأقليات، بعد أن تم ضمان منهج ديمقراطي تعددي راسخ للأمة من خلال المؤسسة البرلمانية المستندة شرعيتها من انتخابات شرعية ودستورية، وبعد أن تمت المصادقة على الدستور الدائم من قبل الأمة لضمان تأمين الإطار العام للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة العراقية الفيدرالية الجديدة.

وكما قلنا تكرارا ومرارا ان المواقف الوطنية للشعب الكوردستاني تجاه العراق الجديد، وإصراره على مشاركة العراقيين في السراء والضراء، للنهوض بالعراق من جديد وبنائها على أسس وطنية أصيلة نابعة من التعايش المشترك المبني على الاعتراف بالحقوق الكاملة للكوردستانيين والعراقيين، تأتي انطلاقا من مسؤوليته التاريخية والانسانية والوطنية للحفاظ على العراق وحماية العراقيين وعدم الانزلاق الى حروب أهلية كارثية خططت لها قوى إرهابية خارجية وداخلية بدعم من منظمات إرهابية دولية ومخابرات اقليمية وعربية وأجنبية في المنطقة. وبفعل هذا الدور الحيوي لكوردستان، خرج العراقييون وخرجت دولة العراق والمنطقة بكاملها من ويلات مأساة كبيرة كادت ان تقع في العراق بدوافع سياسية ومذهبية نابعة من عقول إرهابية متعفنة أرادت ان تضع العراق في نار حارقة.

وانطلاقا من هذا الدور المشرف للطرف الكوردي، حظي هذا الدور باحترام وتقدير اغلب القوى العراقية الوطنية والدولية، و نال ثقة العراقيين وقياداتهم السياسية وثقة المراجع وأصحاب صناعة القرار على الصعيد العراقي والدولي. ولهذا نجد أن البيت الكوردستاني أصبحت قبلة الفرج العراقي التي ستنسج منها خيمة التوافق السياسي التي ستشترك فيها جميع القوى العراقية الوطنية الأصيلة. لهذا لا بد لنا أن نسجل بالتقدير العالي لموقف الشعب الكوردستاني الأصيل ولدوره الحيوي في هذه الفترة الحساسة من تاريخ العراق الحديث وفاءا منه تجاه العراقيين بكل أمانة وثقة لكي تبقى الأمة العراقية عزيزا وكريما وتكون نبراسا جديدا للحضارة التي انبثقت من أرض كوردستان ومن أرض العراق، لكي تنعم بعهد الحب والحرية بكل سلام وأمان. ومما لا شك فيه أن هذا ليس بغريب عن كوردستان لأنها الأقرب دائما للعراق من حبل الوريد، أجل هذه الحقيقة واقعة في حياة الأمة، والظروف أثبتت أن للعراق لا حبل للوريد غير كوردستان، لهذا نقول للعراقيين اطمأنوا ان العراق في أياد كوردية آمنة، ونقول للعراق أنت القلب العزيز لكوردستان، أجل يا عراق أنت القلب للأمة، أجل يا عراق نقولها بقلوب مؤمنة ان كوردستان اقرب اليك من حبل الوريد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com