دراما المشهد السياسي في العراق
علي ماضي
alimadhy67@yahoo.com
إن ألأحداث التي تجري ألآن على الساحة العراقية،تشابه أحداث ما بعد الحرب العالمية ألأولى ،حين أعلن أتاتورك عن تخليه عن رعاية ألإمبراطورية ألإسلامية آنذاك،وأعلن ولاءه للقومية التركية . مسببا فراغا انتماءيا ،فأعلن العرب قوميتهم العربية ،ونفس الشيء فعله باقي مكونات نسيج ألإمبراطورية الإسلامية.لتدخل المنطقة مرحلة جديدة ومتقدمة بعض الشيء باتجاه العولمة ،على أساس إن القومية إيديولوجية وضعية يمكن التفاوض بشأنها ،وهي أفضل من ألانتماء للإسلام على اعتبار إن ألإسلام فكر أصولي يعتقد إن مصدر حقيقته الهي لا يقبل الشك أو الجدل ،أو التفاوض.
ألانهيار الأخير في العراق ،لم يكن انهيارا لمكونات الدولة المادية فحسب وإنما انهيارا انتماءيا أيضا ،وفقدان الهوية لم يكن سببه الرئيس سقوط النظام،وإنما وفر هذا السقوط أجواء مناسبة للتعبير عنه ليس إلاّ،إما فقدان ألانتماء فقد تسلل إلى المجتمع العراقي بسب الممارسات العنصرية التي كان يمارسها النظام السابق على شرائح المجتمع كافة .لذا سارع الكورد إلى بناء تكتل على أساس القومية الكوردية ،والشيعة شكلت ائتلافا شيعيا ،ونفس الشيء حصل مع باقي مكونات الشعب العراقي.
والفرق بين دراما الحدثين إن الحدث ألأول(انهيار ألإمبراطورية ألإسلامية) كان تقدميا بحسب المفاهيم والمقاييس العولمية، لأن التخلي عن الأفكار الأصولية من ضروريات مرحلة التجريد ،للتخفيف من شدة تصادم الحضارات ،إما في العراق فيعد تغيرا تراجعيا بسب قيام تكتلين على أساس عقائدي إسلامي ،وهما ألائتلاف الشيعي والكتلة السنية، والكل يعرف إن الولايات المتحدة ألأمريكية لم تعبر المحيطات وتنفق ما أنفقته لتقيم نظاما إسلاميا في المنطقة يعاديها ايدولوجيا ،بل على العكس تماما فهي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتقويض الفكر ألأصولي ،الذي يعد من اخطر معرقلات النظام العالمي الجديد.
لذا ترى الولايات المتحدة تفضل النموذج الكوردي ،ونموذج علاوي على ألائتلاف الشيعي والتكتل السني،على اعتبار إن النموذج الأول هو علماني يتوافق مع ألأسترتيجية ألأمريكية ،والثاني هو إسلامي لا يلبي متطلبات مشروع الشرق ألأوسط الكبير المزمع إقامته.
إن اصل استراتيجية الولايات المتحدة في العراق ،كانت تتمثل بتعين مجلس لكتابة الدستور في كل محافظة ،إضافة إلى الدستور الفدرالي ،وهذا الدساتير كانت مصممة لتحاكي في مواصفاتها الدساتير الغربية،إلا إن تدخل المرجعية في النجف ألاشرف حال دون المضي قدما في المشروع ألأمريكي،إذ فرضت المرجعية وبفضل ما تتمتع به من نفوذ برنامجا سياسيا ،يتمثل بانتخاب من سيكتب الدستور ، مما أحرج الولايات المتحدة ألأمريكية إذ لا تستطيع من رفض مشروع الحوزة لأنها بذلك تنتهك مبادئ الديمقراطية، فعمدت إلى اعتماد نظام القوائم لخوض ألانتخابات من خلال قانون إدارة الدولة الذي وضعه بريمر،والذي كان عاملا مساعدا على نشوء تكتلان ذات طابع طائفي الذي يشوه صورة المسرح العراقي الحالي،وأشاع أجواء سياسية مشحونة بالتوتر ،بل أوقف هذا الشعب المسكين على شفا الحرب ألأهلية أكثر من مرة.
تصريح رامسفيلد أمام الكونغرس ألأمريكي الذي مفاده إن القوات ألعراقية ستكون مسئولة عن إدارة الملف ألامني في حالة نشوب حرب أهلية،رسالة واضحة إلى العراقيين هذا ما كسبت أيديكم في إشارة إلى مخالفة اصل المشروع ألأمريكي فذوقوا ما كنتم تكسبون.
والحقيقة إن الولايات المتحدة ألأمريكية لا تريد للشعب العراقي إن يدخل نفق الحرب ألأهلية،لأن ذلك يعد فشلا للسياسة ألأمريكية ،لأن السيناريو العراقي معد ليقدم نموذجا لشعوب المنطقة،ولكنها تريد لهذا الشعب إن يعاني،إلى إن يتوقف عن مشكاسة مراد السياسة الأمريكية ،ويعلن ذلك صراحة في ألانتخابات المقبلة.
وبين الشد والجذب السياسي يبقى الفرد العراقي البسيط هو من يدفع فواتير هذه السيناريوهات ،من ماله،ودمه.