حلبجة إذ تنتفض..!!!

ياسر سعد / كندا

yassersaed1@yahoo.ca

حلبجة المدينة الكردية الوادعة والتي تعرضت لقصف وحشي بالاسلحة الكيماوية منذ ثمان عشر عاما, عادت من جديد الى دائرة الاضواء الاعلامية العالمية ولكن بصيغة جديدة واخبار لم تكن متوقعة. فقد هاجم مئات من المتظاهرين الأكراد تجمعا لاحياء الذكرى الثامنة عشرة لمأساة حلبجة وتمكنوا من الاستيلاء علي النصب التذكاري الخاص بذكرى فاجعة القصف الكيماوي الذي أودى بحياة خمسمائة شخص وأضرموا النار فيه, كما دمر المحتجون متحفا صغيرا أقيم لاحياء ذكرى الهجوم على المدينة.  قوات الأمن تدخلت لفض المظاهرة حيث أطلقت النار فوق رؤوس المتظاهرين وقامت بضربهم مما أدي الي جرح عدد من طلبة الجامعات, كما سارعت تلك القوات فور اندلاع أحداث الشغب الى إغلاق المكان ومصادرة شرائط الفيديو التي صورها الصحفيون. من جانبه أعلن مصدر طبي ان شخصا قتل وأصيب سبعة آخرون في الصدامات التي تمت بين المتظاهرين وقوات الأمن.

وقال أحد المتظاهرين في غضب لوكالة رويترز ان الحكومة الكردية استغلت أحداث حلبجة الماضية لاستعطاف العالم والحصول على معونات، ولكن هذه المعونات لم تصل الى أهالي البلدة مطلقا. وقال شهود عيان ان أهالي حلبجة تجمعوا في البداية خارج المتحف يحملون لافتات تتهم المسؤولين بالفساد. وطالب المحتجون بتقديم تعويضات لنحو خمسة آلاف فرد من ضحايا القصف الكيماوي، بالاضافة الى تقديم خدمات أفضل لهم. ومع ظهور شاهو محمد سعيد ممثل الحكومة الكردية، أخذوا في الصياح بغضب. وعندما حاول المسؤول استرضاء الجموع والتحاور معهم، ثار غضبها واقتحمت المتحف وأضرمت النيران فيه، وبدأ الشغب. وكان سكان حلبجة الذين يشتكون من نقص الخدمات وتدني مستوى المباني قد اجتمعوا في اليوم السابق لتدارس كيفية منع المسؤولين من حضور ذكرى أحداث حلبجة. كما قال شهود عيان انه وقع اطلاق نيران بعد ان اعترض المتظاهرون على مسؤولين أكراد كانوا يلقون كلمات في ذكرى قصف حلبجة.

حلبجة والتي قفزت الى دائرة الاهتمام العالمي بشكل مفاجئ قبيل غزو العراق بعد صمت وإهمال رسمي وإعلامي طويل ومريب, وكانت واحدة من اهم ذرائع الغزو الامريكي للعراق. لن أناقش هنا ما طرحته بعض الدراسات وشدد عليه ضباط عراقيون كبار في الجيش المنحل –في تصريحات صحفية حديثة- من ان ايران هي من استخدم الاسلحة الكيماوية في حلبجة, كما لن اتوقف عند تقارير صحفية كندية قديمة اشارت الى لجوء جنود ايرانيين لكندا إبان الحرب العراقية-الايرانية وطلبهم اللجوء السياسي لرفضهم استخدام اسلحة كيمياوية في تلك الحرب حسب زعمهم. ساتجاوز كل هذه النقاط واسلم جدلا بأن الجيش العراقي هو من ارتكب تلك المأساة البشعة والفاجعة الآليمة. ولكن لماذا صمت الضمير الامريكي صمت القبور عن مأساة حلبجة اكثر من عقد من الزمان, ثم تحرك هذا الضمير وبشكل مفاجئ لإستخدام واستغلال معاناة الضحايا من اجل اهداف امريكية بحتة للهيمنة والاستفراد والسيطرة. إن استخدام حقوق الانسان لتحقيق مآرب سياسية ومصالح اقتصادية وتوسعية برأيي هو واحد من اسوأ الانتهاكات لتلك الحقوق والاستهتار بها.

 وإذا كان العراق الامريكي الجديد يكتوي بنيران الفتن والقتل العشوائي ويفتقد الى الامن والامان وتنتشر فيه صور الحرمان ومظاهر البؤس والفقر والفاقه, فإن كردستان العراق كانت رمزا للرخاء والازدهار, تنعم بالسلام وبابهى صور الديمقراطية الامريكية الموعودة, او هكذا كانت الصور التي تُنقل إلينا تقول, بإلاضافة إلى ان الاكراد هم من ابرز واوثق حلفاء الاحتلال الامريكي والذي "حررهم" من ظلم سحيق كانت ابرز محطاته وأشدها ظلامية "حلبجة". حلبجة التي كان المسؤولون الامريكيون والربيطانيون يحجون إليها حين يزورون شمال العراقي ليذكروا المعترضين في بلادهم وغيرها على إحتلالهم غير المشروع والغاشم للعراق بإنجازاتهم ورسالتهم الانسانية. ولا بأس من التذكير بأن حلفاء امريكا الرئيسيين في كردستان متمثلين بحزبي طالباني وبارزاني قد اكتسحا الانتخابات التشريعية التي جرت في ظلال الاحتلال وبنسب عالية ومرتفعة.

انتفاضة حلبجة وبساعاتها المحدودة كشفت الكثير وأماطت اللثام عن حقائق نجحت الاكاذيب والالاعيب الاعلامية الامريكية في حجبها. حلفاء امريكا من الاكراد يمارسون ضد شعوبهم ما يمارسه الطغاة والعتاة في اسوأ الانظمة الدكتاتورية من فساد إداري وتكديس للثروات والعبث بالمقدرات. وعلى الرغم من أنهم لا يملكون سلطة مطلقة فإنهم لا يتوانون او يتباطؤن عن استخدام القوة المفرطة في تفريق المتظاهرين – وكثير منهم من طلبة الجامعات- مما أدى لسقوط قتيل والعديد من الجرحى في ظل صمت امريكي وغربي وعالمي. الرفض الكردي الشعبي القاطع بالسماح لمسؤولين اكراد بالحديث في ذكرى مأساة حلبجة وتدمير النصب التذكاري والذي أُسس لإحياء تلك الذكرى يظهر بجلاء السأم الكبير والاشمئزاز الواضح من الشارع الكردي لإستغلال معاناته من سياسي الاحتلال والدائرين في فلكه.

 إنتفاضة حلبجة تدفعنا للتساءل عن شرعية وصدقية الانتخابات في ظل الاحتلال وتعطي الكثير من المصداقية لإتهامات التزوير والتزييف والتي طالتها وشملت حتى مناطق الاكراد. كما إن مظاهرة حلبجة الصاخبة ترفع علامات استفهام كبيرة على كثير مما صوروه لنا كحقائق ومسلمات في العراق في مرحلة ما قبل الغزو الامريكي وما بعده. ما حدث في حلبجة في ذكرى مأساتها ربما يكون بداية لغضب كردي كبير ضد الفساد والظلم والاستغلال البشع للمعاناة الانسانية قد يصل الى الاحتلال الامريكي والذي تحالف مع طبقة من السياسيين الفاسدين في عيون ابناء حلبجة على الاقل. لماذا لم نسمع سابقا من المسؤولين الامريكيين والذي يراقبون الاوضاع في العراق عن كثب ولو تلميحا واحدا عن ممارسات الفساد الاداري لحلفائهم الاكراد؟ وكأن  لحلفاء امريكا حصانة من القيم الاخلاقية والسلوك الديمقراطي تماما كما حصل ويحصل مع حلفاء امريكا من الانظمة الفاسدة. ما حدث في ساعات في حلبجة برأيي الشخصي كان اشبه بعاصفة سياسية لها ما بعدها في المستقبل المنظور والبعيد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com