|
السجون السورية تخرج المبدعين احسان طالب في زمان ليس ببعيد وفي مكان قريب حدثت مأساة بشرية وإنسانية استمرت لعقود من الزمن ، مازال يكتنفها الغموض ومازالت الصورة ناقصة تبحث عن الحقيقة والتفاصيل ، وما برحت أسئلة حزينة تلح في طلب الإجابة علها تفرج عن قصص مازال أبطالها يتألمون ويعانون. هل ينسى الزمان أم هل يغفر المكان وهل يقبل تجاوز التجربة وكأنها لم تحدث ، أفراد وعائلات ومجتمعات ، شعب ووطن عاش المأساة وتفاصيل الحدث بكل ما يحمله من خوف وألم وتكتم وعذابات نفسية وجسدية لم تفلح الأيام في إبرائها.
تدمر تاريخ مأساة : تهز وجدانك الكلمات وتصعق روحك الصورة، تتجلى أمام ناظريك كرامات تهدر وأرواح تطحن ، وجوه تمسح ملامحها الإهانات و أنفس يسلبها الرعب الإحساس وينبذها خارج الإنسانية، تتراقص أمام عينيك شياطين ذات ملامح إنسانية تضحك وتفرح وتثور وتغضب أمام أجساد محطمة مكسرة نازفة يتفنن الشر في طحن كرامتها وإزهاق إنسانيتها وبشريتها . أي عقل تمرس في الإجرام وتغذى على رفاة الأرواح ذلك الذي حول بقعة من الأرض تروي كل ذرة من ترابها قصة حضارة وتراث أمة وتاريخ شعوب.إلى تاريخ تراجيديا إنسانية واقعية معاصرة مازالت ماثلة في ذاكرة التراب والهواء والماء ما زالت معششة وراسخة في العقول والقلوب والأنفس والأرواح . عندما نذكر مدينة تدمر السورية ، يتبادر إلى ناحية الفكر شبح يشل العقل ويخدر الإحساس شبح رسمته تجارب وقصص وحكايات وخبرات لست أبالغ إذا قلت أنها لا تغادر عائلة سورية إلا وعايشتها أو قاربت. " مملكة للجنون والموت عار على تاريخ البشرية " هكذا يصف فرج بيرقدار الشاعر السجين السابق الذي أمضى أكثر من عشر سنوات من حياته سجيناً سياسياً قضى نصفها تقريباً في سجن تدمر. " حتى الصمت في تدمر آلة رعب ، صمت مرعب مخيف ينذر بالوبال والمصيبة " بهذه الطريقة تحدث غسان جباعي المخرج المسرحي عن حالات معينة من أوضاع السجن السياسي ، غسان جباعي أمضى عشر سنوات من ريعان شبابه في السجن قسط وافر منها في سجن تدمر. " السجان حاضر في كل لحظة في تدمر خوف كثيف في كل لحظة " " السجن يجسد جمال المبتذل ، المشي تحت المطر، الجلوس في الحديقة " ، ( يصبح فعل المتاح والعادي جداً مطلباً ملحاً وعزيزاً ذو قيمة جمالية ). بمثل هذه العبارات يتحدث ياسين الحاج صالح الكاتب المبدع الذي أمضى ستة عشر عاماً من ربيع حياته سجيناً سياسياً ردح طويل منها في سجن تدمر. في حلقات طويلة ومسلسلة تحدث حسن الهويدي عن صنوف وحالات وابتكارات من الترهيب والتعذيب التي عايشها وشاهدها هو ورفاقه خلال سنوات طويلة كأنها دهور لا تنتهي تمر فيها اللحظات والدقائق ببطء شديد حيث تدور الأرض حول نفسها في كل دقيقة وتجوب شياطين العالم كله أفلاك الكون في برهة من الزمن. المثير للدهشة والإعجاب والحب، أنك عندما تجالس أولئك الذين عانوا سنين بل قل دهوراً من صنوف الألم والعذاب والقهر، تجد أشخاصاً مفعمين بالإنسانية والروح الطيبة والمعنويات العالية ، يعملون بجد ونشاط ودأب لا يكل ولا يمل ( تملأ إبداعاتهم المواقع والصفحات واللقاءات والمحاضرات ). أشخاص مازالوا يحبون وطنهم وأبناءه فوق كل شيء ، أناس ما زالوا مستعدين للعمل من أجل البلد والتضحية من جديد. عندما تستمع إلى أكرم البني الكاتب والإنسان الذي أمضى أكثر من عقد ونصف من أيام حياته في المعتقل السياسي . تستمع إلى إنسان حوله الهم الوطني إلى آلة عمل ومحرك نشاط استحوذ الوجدان الوطني الإنساني لديه على الذات وتصدر أحلامه وأمانيه. تتساءل أية قيم إنسانية يحملها أولئك، أية ضمائر وأخلاق تلك التي ترعرعت ونبتت في صدورهم ، ما أعظم أن تتحول تجربة الظلم والعذاب والرعب والأسر إلى ملحمة بطولية وتراث حضاري ، كل ذلك يدفع بإلحاح للحديث من جديد على ضرورة التغيير وإقامة أوضاع جديدة حتى لا تتكرر المأساة وتفضح التجربة ويحاسب المسئولون.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |