قانون السلطة ... وسلطة القانون

 كريم البيضاني

Kareem_albaidani@hotmail.com

من يعيش في الدول الديمقراطية الاوربية ولفترة طويلة يعرف ماذا تعني سلطة القانون. ومن يعيش في الدول الشمولية وخاصة الشرق اوسطية يعرف ماذا يعني قانون السلطة. وعندما يسافر شخص ما عاش طويلا في كنف القانون والنظام  الى دولة اخرى قد تكون بلده او بلد يمر من خلاله الى بلده كما هي العادة في شان العراقيين الان

يعرف مقدار الحيف الذي تعيش فيه شعوب تلك البلدان. قوالب جاهزة من الانظمة , او الاصوب بيئة ملوثة لا تصلح الا ان ينتشر فيها الفساد والمحسوبية والتغييب للقانون وتهميش دور المواطن. في دولة سلطة القانون يكون المجرم مهما علا شأنة في مراتب الدولة, مطلوبا  امام طائلة القانون الذي لايفرق بين الحاكم والمحكوم.

 ومن يشاهد مجريات محاكمة صدام واعوانه ويتابع احداثها , يحصل على التفاصيل الكاملة لدور قانون السلطة في حكم نموذج لدولة شرقية. الحاكم يقول انا اصدرت الاوامر وانا القانون وانا السلطة وانا التشريع وانا البلاد بكاملها. فمادمت رئيسا على الجميع ان لايعترضون على قراراتي , لانها صادرة مني ومن يخالفها يقع تحت طائلة عقابي الذي لايرحم. فمادمت الرئيس فانا كل شيئ. اخوة الرئيس في كل الانظمة الاستبدادية واولاده ايظا هم جزء من قانون السلطة. فالاوامر تصدر من الرئيس وتنفيذها واجب مقدس ويتم تنفيذها بكفاءة عالية ورغبة صادقة من ابناء عائلة الرئيس لانهم جزء من اللعبة واذا انتهت اللعبة انتهى دورهم ايظا.

  قانون السلطة صارم حازم هدفه اخضاع الشعب لاطاعة رغبات الحاكم. لم يوضع قانون السلطة لتنظيم حال الشعب ومحاسبة الحاكم حين يخون ثقة الشعب بل على العكس هو قانون لترويض الشعب  كي يبقى الحاكم قويا مهابا ثريا مخدوما. قانون السلطة وضع حسب مزاج الحاكم ويطبق على الشعب فقط وعلى من يتخاذل في تطبيقه على ابناء الشعب.

اما سلطة القانون فهي عكس قانون السلطة. القانون فوق الجميع يحمي حقوق الشعب ويكون سلطة فوق الحاكم, فالحاكم لايخاف الشعب بل يخاف القانون لان الشعب هو الذي وضع القانون وهو الذي صوت بالثقة للحاكم. فالشراكة بين الحاكم والشعب لايفصلها شيئ سوى نجاح تطبيق القانون بين الحاكم والشعب.

  ولو رجعنا الى الدستور والقانون الموجود في الدول الشمولية لاخذتك الدهشة من العبارات التي تدعو الى المساوات والعدل وكذلك التصاق تلك العبارات ونصوص القوانين ليس فقط بالعدالة الدنيوية بل السماوية ايظا . ولو تابعنا عملية تطبيق هذه القوانين او مجرد المطالبة بتطبيقها يعتبرها الحكام واتباعة مؤامرة موجهة ضد حكمه , وفي اغلب الاحيان يتهم المطالب بتطبيق تلك القوانين بانه مدفوع من قبل جهات اجنبية هدفها زعزعة استقرار البلاد, وهكذا يصبح خائنا وعميلا  وملاحقا وغالبا معدوما او يقبع في سجن الحاكم الابدي.

 ان قانون السلطة  تمتد جذورة الى مرحلة تكوين الدولة بمفهومها العصري. حيث كان قانون الفرعون هو قانون السلطة , الفرعون هو اله هو قابض الارواح هو الابدي وهو كل شيئ , وقد وضعت قوانين تجعل من هذه الصفات اوامر على الشعب لتنفيذها. بناء قبور الفراعنه هو اسمى مايمكن ان يطمح الى المشاركة فيه المواطن العادي. اهرامات قامت على جماجم العبيد الذين يحملون الحجارة وعندما تنتهي قوتهم الجسمانية يذوبون في رمال الصحراء التي تحتضن ضفتي نهر النيل الخالد. ان خلود الحاكم المصري هو ماتبقى للحضارة المصرية العظيمة. في بابل كان كل شيئ متشابه مع الحضارة المصرية , الا في عصر حمورابي حيث دون هذا الحاكم العراقي البابلي سلطة القانون. دونها على لوحات حجرية تسمى (المسلة) وهذه المسلة عبارة عن حجر اسود , وقد تم تدوين اول دستور يكتب ويطبق قبل 1500 سنة من ولادة المسيح ع . لقد جعلت قوانين حمواربي من الحاكم والشعب في ميزان العدالة. اعطت الحقوق للشعب وضمنت حقوق الحاكم ايظا. وبالرغم من تطور علوم القوانين الا ان مسلة حمورابي تعتبر اللبنة الاولى في طريق سلطة القانون.

 اليوم وفي مجتمعات الشرق نجد ان سلطة القانون قد تلاشت امام جبروت الدكتاتوريات التي نمت وترعرعت في كنف الانحطاط الفكري والثقافي الذي رافق  الحكم العثماني البغيض. فقد اتسع باع اشباه المثقفين والطبالين والمرتزقة  للحكام وقد ازدهرت مدارس تدعوا الى الغاء سلطة القانون والاستعانة بها بقوة الحاكم وسلطانه. ومن ذلك نجد ان الفترة العرجاء التي عاشها شعب العراق في ظل الحكم الملكي وتبعات سقوطه وانهيار اللعبة الدستورية الشكلية ومجيئ الحكم العسكري المبني على قانون السلطة وقوة الدبابة وبيان رقم واحد كل هذه العوامل جعلت من العراق بلدا موبوءا بشتى انواع الفوضى , تفترسه الصراعات المذهبية والقومية وتحرق ارضه الحروب الغير مبررة والمبنية على اساس مزاجية وقناعات سلطة قانون الحاكم.

ان اعادة بناء بلد مدمر مثل العراق لايمكن ان يكون لولا تدخل العامل الخارجي.. لان الامور وصلت فيه الى مالايمكن تصوره. لقد اصبح العراق بلدا كالسفينة التائهة في بحر هائج تتلاطمه الامواج وتغير اتجاهه حسب مزاجها.

اليوم وفي ظل سلطة القانون المنشودة يحاول البعض تكرار ماحصل سابقا , وكاننا لم نتعض من الماضي. لقد استسهل هذا البعض الفوضى والتشكيك بصدقية دولة القانون , واوصل الامور الى درجة ان الشعب بات لايعرف اين هي الدولة واين هو القانون.

ان العراق الان يمر بمراحل صيرورة جديدة وعملية التحول من دولة قانون السلطة الى دولة المؤسسات وسلطة القانون  يتطلب جهدا عظيما ووعي ثاقب من الشعب العراقي.

 وتفويت الفرصة على اصحاب اللثام الذين يقفون في طريق تثبيت سلطة القانون هي جهد جماعي من كل الخيرين في العراق .. ولنا في التاريخ عبرة وخبرة... جبابرة الحروب واصحاب قانون السلطة في المانيا واليابان مثال ساطع ومجرب... واذا كان مفهوم الدولة الحديثة قد غاب عن الشرق , فنحن العراقيين اهل لاعادته الى هذه الارض. ولنا في حمورابي قدوة حسنة...

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com