|
مفردات ضرورية لبرنامج حكومة توافقية حمزة الجواهري لقد أشبعنا المواضيع المطروحة على الساحة السياسية تحليلا وقد حان الوقت لتلخيص ما يمكن الاستفادة منه في خلق حالة التوافق الوطني وليس اتفاق السياسيين على حساب المصالح الوطنية، حيث تناول جميع السياسيين والكتاب والمحللين المواضيع مثار الجدل والنقاش بين الأطراف السياسية، وقد خرج الكثير منهم باستنتاجات يعتد بها، بالرغم من أن هذه الآراء والاستنتاجات كانت منحازة بشكل أو بآخر لجهة ما لكنها، بلا أدنى شك، قد غطت آراء الفرقاء بشكل كامل، وكانت حقا معالجات موضوعية بالرغم من انحيازها وأحيانا تشنج لغتها. وما استطعنا استنتاجه أيضا أن الخوض في معنى التوافق الوطني يعني بالضرورة البحث في القواسم المشتركة بين الأطراف وليس الخوض في سبل تشويه البنية التمثيلية للكتل البرلمانية المنتخبة والتي تماثل التكوينات العراقية بشكل ما، وإن كانت لا تعكس البعد السياسي بالكامل، حيث أنها قد عكست مواقف المكونات ذات البعدين القومي والطائفي متجاهلة إلى حد بعيد المكونات السياسية، لكنها تبقى مقبولة من الناحية الموضوعية، على الأقل حاليا. على هذا الأساس، فإن التوافق لا يمكن أن يكون إلا على أساس الاتفاق على برنامج سياسي محدد للحكومة تعمل عليه جميع الأطراف ويحقق التوافق المطلوب بين الأطراف بما يتعلق بالقضايا الخلافية بين الكتل البرلمانية التي اصطفت أصلا لتشكل كتل من قوائم لم تستطع أن تأتلف قبل الانتخابات، ولكنها وجدت نفسها مضطرة لمثل هذا الاصطفاف النيابي بعد أن وجدت لها قواسم مشتركة أملتها الظروف الموضوعية. بالتوازي مع المحاولات المستميتة لخلق الفتنة الطائفية من خلال العنف المسلح وكذلك إضعاف سلطة الحكومة بوجود المليشيات المسلحة كسلطة موازية لسلطة الحكومة، بقي كل طرف من الأطراف متمسكا بما يحمله من مشاريع سياسية بالرغم من أنها صيغت بشكل يثير الرعب في نفوس طيف ما من الأطياف العراقية سواء كانت طائفية، قومية أم سياسية، وهذا هو الواقع الذي دعا للتمترس الطائفي والقومي، وحتى السياسي، ليخلق بالتالي الأرضية الواقعية لتمزيق العراق وليس التوافق. إلى جانب تلك الرؤى برزت رؤى بعيدة عن الموضوعية حيث أن البعض كان يعتقد أن التوافق يعني تحجيم الكبير أو العكس، أو التجاوز على فقرات الدستور الوليد الذي أصبح منذ أمس فقط حقيقة على أرض الواقع وذلك من خلال خلق كيانات سلطوية لم يقرها الدستور كمجلس الأمن القومي الذي يقضم الكثير من صلاحيات رئيس الوزراء، وبالتالي يكبل السلطة التنفيذية التي ينبغي أن تكون قوية جدا في المرحلة القادمة. إذا أمامنا اليوم فرصة كبيرة لخلق حالة التوازن من خلال صياغة برنامج الحكومة الدائمة وليس من خلال تلك الأساليب البعيدة عن الشرعية، وهذا هو الموضوع الذي ينبغي العمل عليه، لكن علينا الخوض في بعض تفاصيل المشاريع السياسية للفرقاء و التي تخيف الآخرين، حيث يجب نزع تلك المشاريع السياسية قبل نزع سلاح المليشيات والقضاء على حالة الفوضى الناتجة عن العنف والتمرد المسلح. كركوك: إن هذه النقطة بالذات قد وضع لها قانون إدارة الحكم في المرحلة الانتقالية حلا عمليا ومنصفا بحق، وقد ترحل هذا الحل بالكامل للدستور بحيث لم يبقى سوى تفعيله، لكن الذي منع تفعيل هذه النقطة خلال المرحلة الانتقالية هو إحجام رئيس الوزراء عن صرف المبالغ المطلوبة لكي تستطيع اللجنة المشكلة لهذا الغرض من أداء واجبها الذي نص عليه القانون، لذا فإني أقترح ترك مسؤولية صرف هذه المبالغ بيد هيئة الرئاسة بدلا من رئيس الوزراء، أضف إلى ذلك تمنح الهيئة المسؤولة عن هذا الموضوع صلاحيات تنفيذية حتى لو كانت خارج الصلاحيات الممنوحة لها خارج بنود الدستور، وهذا الأمر مقبولا لأنه يتعلق بحالة واحدة غير دائمة حيث ينتهي عمل هذه الهيئة بعد الانتهاء من الاستفتاء الذي نص عليه القانون. هذا التجاوز على الدستور لا يضعف من صلاحيات الحكومة التنفيذية وكان ينبغي منح هذه الصلاحيات منذ البداية بيد جهة أخرى غير رئيس الحكومة. بهذا الحل أيضا سوف لن تكون كركوك ورقة بيد جهة ما لابتزاز المواقف من أجل تمرير مشاريع سياسية مخيفة للآخرين، وبذات الوقت نضمن تفعيل الفقرات الدستورية المتعلقة بهذه النقطة. الإرهاب والمقاومة والمليشيات المسلحة: ما أقره الدستور أن المقاومة حق مشروع للشعوب، وهي حقا كذلك، لكن لم يعتبر الدستور أن الإرهاب حقا مشروعا بأي حال من الأحوال، من هنا علينا أن ننظر مليا في هذين المصطلحين، فمن يحمل السلاح ملثم سواء كان مقاوما أم إرهابيا، يسكن في الجنوب أو في أي جزء آخر من العراق، وجميع هؤلاء الملثمين يقتلون ويستعملون جميع الوسائل البشعة من أجل انتزاع المواقف أو من أجل خلق حالة الفوضى أو حتى ارتكاب الجرائم العادية من أجل ابتزاز المال، سواء كانت هذه الأعمال تستهدف المحتل أم الناس الأبرياء أو دور العبادة والأماكن المقدسة. الكل يدعي أنه مقاوم وينكر تماما أنه يستهدف الأبرياء، في حين أن من يسقط هو البريء! حيث من خلال ما يزيد على ثمانين عملية مسلحة تنفذ يوميا في العراق نرى واحدة أو اثنين فقط تستهدف المحتل، هذا على اعتبار أنها فعلا قوات احتلال وليست قوات تعمل بتفويض من مجلس الأمن الدولي، أما الباقي فإن ضحيتها هو العراقي المسكين سواء كان شرطيا أم طفلا في مدرسته، والغريب هو أن الثمانين عملية تعتبر صدفة وأن تلك العملية الواحدة أو العمليتين هي الدافع وراء كل هذه الأعمال! وهي كما يصفها دعاة المقاومة أعمال مشروعة متغافلين عن جميع الحقائق التي تفضح بشاعة تلك الأعمال. أخبار هذه الأعمال تتصدر نشرات الأخبار على جميع الفضائيات وتعاد صورها أكثر من أربع وعشرين مرة كل يوم على المحطة الواحدة، بعضها تصور هذه الأعمال على أنها أعمال بطولية حتى لو كانت تستهدف الأطفال، وهذا بحد ذاته يشجع على استمرار هذه الأعمال ويشجع ذوي النفوس الضعيفة للانخراط في الجريمة المنظمة من أجل تحقيق مكاسب مالية. إذا يجب أن يكون البرنامج السياسي للحكومة مبني على أساس نبذ ومحاربة العنف المسلح من أي نوع كان، وكذلك نزع سلاح جميع المليشيات من أي طرف كان، لأن الأمر أصبح مضحكا ولا مجال لتبريره، لذا يجب اعتبار كل من يحمل سلاحا خارجا على القانون مهما كانت صفته أو الجهة التي يمثلها، كما ويجب تفعيل قانون مكافحة الإرهاب بدء من اليوم الأول لتولي الحكومة مهماتها بعد التشكيل، كما ويجب أن تضع الحكومة في برنامجها مسألة مقاضاة ومحاربة أي جهة إعلامية تشجع على الإرهاب والعنف المسلح في العراق مهما كانت صفتها ومن يقف وراءها. الجيش والقوات المسلحة القديمة والحديثة: إن مجرد القول بعودة الجيش والقوات المسلحة القديمة أمر من شأنه أن يثير الرعب في نفوس أطياف واسعة من الشعب العراقي، لأن هذه القوات هي من صنع المقابر الجماعية ومسح آلاف القرى من على الخارطة، وهي من قام بكل الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، وهذه الأمور لا يجادل بها أحد. لذا يجب التخلي عن مسألة إعادة تشكيلها وأن لا تكون هدفا سياسيا لأي جهة كانت، لكن بكل تأكيد أن هذه القوات فيها الكثير من العناصر الجيدة التي لم ترتكب جرائم، فإنه ينبغي ترك أمرها إلى لجان فنية وقضائية تقرر الاستفادة منهم في الجيش الجديد. أما المليشيات التي تنتمي للكيانات السياسية التي تشارك في السلطة فهي الأخرى تثير الرعب في النفوس، لذا يجب نزع سلاحها وإيجاد وسيلة مناسبة لدمجها من جديد في المجتمع، لكن يجب أن لا تجد لها مكانا في الجيش والقوات المسلحة الجديدة، لأن ولائها أصلا لجهة معينة وليس للوطن من قبل أن تنخرط في هذا الجيش. اجتثاث البعث: بالرغم من أنه أصبح تشريعا في الدستور، لكن السؤال الذي يدور بذهن الجميع هو، ما الذي يمنع البعثيين من تشكيل حزب بأي اسم آخر غير البعث مع الحفاظ على مبادئ البعث؟ فهل سيكون هذا التشكيل شرعيا؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحديث عن اجتثاث البعث أصبح مثار رعب للكثير من الذين يشاركون في العملية السياسية لأن أبناء مناطقهم مرتبطين بهذا الحزب ومعظمهم لم يرتكبوا جريمة بحق أحد، فهل سيترك أمر البعث مفتوحا ضبابيا هكذا؟ هذه النقطة يجب أن تعالج بموضوعية أكثر، وهي أن الفقرة الدستورية التي تتعلق باجتثاث البعث يجب أن تعدل بحيث تمنع تشكيل أحزاب لا تقبل بالشريك وتضع في برامجها هدف التفرد بالسلطة، أما من ارتكب جرائم من البعثيين أو غيرهم، فإن القضاء يتكفل بأمرهم، حيث ليس البعثيين وحدهم من ارتكبوا جرائم بحق الإنسان العراقي. فدرالية الجنوب: هذه الفدرالية كغيرها من الفدراليات التي أقر تشكيلها الدستور تعتبر حق مشروعا لأبناء المناطق العراقية المختلفة، ولكن تشكيلها خلال هذه المرحلة يثير الرعب في نفوس أبناء المنطقة الغربية من العراق تحديدا، لأن وبظل أزمة الثقة التي صنعها السياسيون، فإن تشكيل هذه الفدرالية يعني بداية موضوعية لتقسيم العراق مستقبلا، وآنيا يعني أيضا الاستئثار بثروات البلد حيث يعتبر الجنوب أهم منتج لها، كما ويعتبر السياسيون من الخنادق الأخرى أن هذه الفدرالية تعتبر وسيلة مرحلية لإقامة نظام ثيوقراطي في الجنوب إن لم يتمكن أصحاب هذا المشروع السياسي من إقامته في العراق بالكامل، وهذا الأمر مثار رعب للجميع وله آثار إقليمية سيئة على العراق. كلا الاعتبارين المتعلقين بهذه الفدرالية، وكما أسلفنا، مثار رعب في النفوس وتعمق الهوة وأزمة الثقة بين الأطراف العراقية المختلفة والمتخندقة وراء أستار الطائفية والقومية، لذا يجب نزع هذا الفتيل حاليا وترك المسألة لحين زوال جميع أسباب التخندق الطائفي والعرقي وعودة مرجعية الإنسان العادي للقانون والقضاء بدلا من المرجعيات المفروضة عليه بوجود سلطات موازية لسلطة الدولة تلك التي تتمثل برجال ملثمين ومدججين بالأسلحة. الفساد المالي والإداري: هذا الملف يشترك الجميع به، فأنه سمة العراق الجديدة، لذا فإن فتح هذه الملفات بشفافية أمر غاية بالأهمية، وهو ما يجب أن يتصدر برنامج الحكومة الجديدة. لكن كل ما أخشاه هو أن يتفق السياسيون في مؤامرة للتغطية على بعضهم البعض، ولو حدث هذا الأمر، فإن الفساد سوف تضرب جذوره عميقا في العراق ولم يعد بمستطاع أحد اجتثاثه مهما فعل.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |