|
النفوذ الإيراني والقضية العراقية
رشاد الشلاه اتسمت التظاهرة الإعلامية التي مهدت ورافقت موافقة إيران و الولايات المتحدة على إجراء حوار مباشر حول القضية العراقية، اتسمت بإخراج باهت كاشفة مأزق الأداء الدبلوماسي لكلا البلدين من جانب، وحاجتهما الفعلية للحوار المباشر من الجانب الآخر بعد ما عجزت الأطراف الوسيطة العراقية والعربية والأوربية في تقريب وجهات النظر بينهما خصوصا في القضية العراقية وقضية الملف النووي الإيراني الشائكة، والقضيتان على أهميتهما و تعقيد تفاصيلهما لم يكونا بحاجة إلى اقتراح عبر التلفزيون من قبل السيد عبد العزيز الحكيم لتتم استجابة الطرفين لها في خلال عدد من الساعات اللهم إلا مبرر الكبرياء السياسي الفارغ لدى الطرفين، ولا يخفى أن تطوع السيد الحكيم بإطلاق الاقتراح في هذه الأيام، هو رسالة مفتوحة للإستقواء بالنفوذ الإيراني على القوائم المنافسة لقائمة الائتلاف الموحد وكذلك على الإخوة المؤتلفين داخل الائتلاف نفسه. إن تطورا هاما كهذا في العلاقات الأمريكية الإيرانية المتأزمة منذ عقود، هو ثمرة تمهيد امتد شهورا من الجهود الوسيطة، عززتها حاجة داخلية ملحة في كلا البلدين، فالولايات المتحدة تريد استعجال تأكيد نصرها في العراق بالمساعدة على تحقيق الأمن فيه بعد العزلة المتزايدة للإدارة الأمريكية مع مؤيديها من الشعب الأمريكي تجسدت بالانخفاض المتصاعد لشعبية الرئيس بوش، وتنامي قوة ضغط الرأي العام الأمريكي المطالب بالانسحاب من العراق. وإيران التي تعتبر حق امتلاكها القوة النووية مطمحا قوميا مقدسا لا تنازل عنه، تضع الورقة العراقية الماسكة بها معبرا إلى تأمين هذا الهدف بعد أن تثبت لها أن الولايات المتحدة وحدها هي مصدر أي قرار دولي مؤثر صادر عن مجلس الأمن، أما الدول دائمة العضوية الأخرى في مجلس الأمن فإنها بالمحصلة النهائية لن تضحي بعلاقاتها الاقتصادية والسياسية الستراتيجبة مع الولايات المتحدة لصالح إيران رغم كونها دولة نفطية، فلماذا لا توفر الجهد وتكسب الوقت لتحاور صاحب النفوذ والقرار دون وسيط !!... الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني مصيب بقوله " عندما يعجز الأميركيون عن حل مشاكل العراق يكونون في حاجه للحوار مع إيران"، فقد نجحت إيران الرسمية والشعبية في فرض نفوذها في مناطق الوسط الشيعي العراقي عبر مؤسساتها المخابراتية المباشرة أو عبر المتعاطفين معها من العراقيين مسلحين ومدنيين، وكانت تنتظر ساعة حاجة الولايات المتحدة إليها، وقد حانت هذه الساعة الآن وما عليها إلا استثمارها لحلحلة معضلة ملفها النووي على الأقل وتلتقي مباشرة مع الشيطان الأكبر متخطية خطوطها الحمراء التقليدية وهي تدرك أن الولايات المتحدة لديها أوراق هامة ضاغطة قادرة على استغلالها ضدها، منها تنوع و هشاشة التوليفة القومية والعقائدية للمجتمع الإيراني، وبالتالي إمكانية إثارة مشاكل أمنية جدية للدولة الفارسية عبر دعم الآمال الطائفية أو التوجهات الانفصالية كما هو الحال في المناطق المحاذية لأفغانستان ومنطقة الأهواز ذات الأغلبية العربية والغنية بالنفط. وإذا قدر للمحادثات الإيرانية الأمريكية الوصول إلى ما يرضي الطرفين وحققت بعضا من أهداف المتحاورين، أو فشلت في تحقيق ذلك، فأن العراق في الحالتين، أضحى باعتراف اكبر لاعبين في حاضره وربما مستقبله القريب ورقة رهان بيديهما، فهل سينفي حكامنا التدخل الإيراني بالذات أو سيطالب القادة الإيرانيون بإبراز الدليل على هذا التدخل؟. إن من الوهم الاعتقاد باستمرار نجاح مراهنة إيران على استنساخ نظام ولاية الفقيه في العراق أو وضع بعض مناطق الوسط والجنوب الشيعي تحت سيطرة أجهزة مخابراتها أو وكلائها، ومن الصعوبة في الوقت نفسه أن تضع الولايات المتحدة نفسها دائما في موقع العراب لجميع القوى السياسية العراقية عبر تقوية هذا الطرف أو إضعاف ذاك استنادا إلى نظرية المغامرة المحسوبة، واستمرارا لترسيخ مبدأ حاجة الجميع إليها الذي تفرضه بسياسة العصا والجزرة مع القوائم الفائزة في الانتخابات النيابية الأخيرة ومع باقي التنظيمات السياسية العراقية. نقول ذلك لان الواقع السياسي العراقي الحالي هو واقع ما بعد الحرب المتحرك، ولم يصل بعد الى حالة من الاستقرار، وهو استثنائي و طارئ ومشوه. والمؤكد استنادا إلى وقائع تاريخ العراق السياسي الحديث و الخبرة السياسية المتراكمة للأحزاب والمكونات السياسية العراقية الأصيلة لا الطارئة، فان الشعب العراقي لن يرضى بالهيمنتين الأمريكية و الإيرانية أو أية هيمنة خارجية أخرى وتحت أية ذريعة أو مبررات، فهل يتعظ ويقر الماسكون برقبة العراقيين اليوم بذلك؟.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |