شتان بين صدام وكريم

 

جاسم هداد

jasemhaddad@hotmail.com

في 7 تشرين الأول / اكتوبر عام 1959 تعرض الزعيم عبدالكريم قاسم لمحاولة اغتيال ، اعد لها ودبرها ونفذها اعضاء في حزب البعث العراقي الفاشي ، " حزب المؤامرات والأغتيالات " كما وصفه بحق الشهيد " ماجد محمد أمين " في مرافعته اثناء محاكمة المتهمين ،  وكان الطاغية صدام احد المشاركين في تلك الجريمة ، وكانت تلك مواصلته للسير في درب  القتل والأجرام بعد ان ابتدأ دربه هذا بإغتيال الشهيد الحاج سعدون التكريتي في 24 تشرين الثاني عام1958. 

اثر محاولة الأغتيال استشهد العريف " كاظم عارف " سائق سيارة الزعيم واصيب الزعيم نفسه بجروح بليغة في القسم الأعلى من كتفه الأيسر ، وراحة يده اليمنى ،  ظل يعاني منها لحين استشهاده في التاسع من شباط 1963 اثر انقلاب شباط الأسود ، وكذلك اصيب مرافقه قاسم الجنابي بجروح بليغة ، وقد تعرض الزعيم لمحاولة الأغتيال اثناء مروره في شارع الرشيد " اشهر شارع في بغداد العاصمة " وفي منطقة رأس القرية بالذات ، وذلك بعد خروجه من وزارة الدفاع الواقعة وقتذاك في باب المعظم ، وفي الساعة السادسة والنصف مساء يوم الأربعاء ، ولم تصاحب الزعيم وقتذاك أية حماية او حراسة او سيارات مرافقة ، بل كان فقط برفقته مرافقه قاسم الجنابي وسائقه .

 بعد فشل محاولة الأغتيال ، تم القاء القبض على المشتركين في الجريمة  ، تم احالتهم الى محكمة الشعب ، وتدفقت اعترافاتهم على بعضهم البعض امام المحكمة والتي كانت تنقل نقلا حيا من خلال  الأذاعة والتلفزيون ، واخذ بعضهم ينعت الآخر "  بالمجرم الحقير " ، " يمكن مراجعة مجلدات محكمة الشعب الأجزاء 20ـ 21 ـ 22 " ، وبوجود محامين للدفاع عنهم ، ولقد اصدرت محكمة الشعب احكامها بحق المجرمين الذين اعترفوا بجريمتهم .

 ولم يتم اعتقال أي فرد من عوائلهم ، ولم تتم مصادرة املاكهم ، ولم يتم حجز بيوتهم ، ولم يتم ترحيل عوائلهم او حجزهم .

 وبعد مدة من الزمن تم اطلاق سراح المجرمين الذين شاركوا في جريمة الأغتيال وقتلوا العريف كاظم عارف واصابوا الزعيم ومرافقه بجروح خطيرة ، ومعروف لجميع العراقيين مقولة الزعيم المشهورة  " عفا الله عما سلف " .

 في يوم 8 تموز 1982 تعرض الطاغية صدام الى محاولة اغتيال في ناحية الدجيل ، نفذ محاولة الأغتيال ستة شباب من اهل الدجيل ، ولم يصب الطاغية او أي فرد من مرافقيه بأي جرح ، بعد فشل محاولة الأغتيال استخدم حزب " الأغتيالات والمؤامرات" الطيران وزج بقواته العسكرية ومرتزقته ، وتمت استباحة مدينة الدجيل من قبل قطعان الجيش اللاشعبي .

 واوضحت محاكمة رأس النظام واعوانه في قضية الدجيل ، ان النظام قام بإعتقال عوائل بأكملها ولم يفرق بين طفل او شيخ ، وبين رجل او إمرأة ، وتم اعدام مائة وثمانية واربعين مواطنا ، استشهد ستة واربعون منهم تحت التعذيب وتم اعتقال وحجز مائتين وستة واربعين مواطنا ومواطنة في منطقة صحراوية لمدة اربع سنوات .

 واصبح واضحا لكل من شاهد جلسات محاكمة الطاغية واعوانه ، ان محكمته التي اطلق عليها اسم     " الثورة " ويرأسها المتهم عواد البندر وهو خريج القانون ، قد احال المعتقلين للمحاكمة في اليوم التالي لوصول اضابيرهم وهذا مخالف لأصول المحاكمات الجزائية والذي يتطلب على الأقل مدة ثمانية ايام ،كما اوضح المدعي العام جعفر الموسوي وأيده في ذلك القاضي رئيس المحكمة .  واعترف المتهم البندر بأنه قام بمحاكمة المائة والأربعين مواطنا سوية ، مما اثار استغراب القاضي رؤوف رئيس المحكمة الجنائية واستفسر منه كيف استوعبهم قفص الأتهام جميعهم ؟ ، واصدر المجرم البندر حكم الأعدام بهم جميعا علما ان الذين اشتركوا في محاولة الأغتيال ستة اشخاص فقط ومنهم استشهد اثناء محاولة الأغتيال ، ودامت محاكمة هذا العدد الكبير اسبوعين فقط ، وذلك وفق اعتراف المجرم عواد البندر وان هذا " العبقري " استطاع دراسة ملف القضية المؤلف من " 361 " صفحة ، واستنتج انهم جميعهم " مجرمون " ويستحقون عقوبة الموت ، وتم سلبهم حق الحياة .

 حق الأنسان في الحياة هو حق طبيعي نصت عليه كافة الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، حيث ورد في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وفي المادة الثالثة منه ان " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه " ، وكذلك اكدت المادة السادسة من الأتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في الفقرة الأولى ان " لكل انسان الحق الطبيعي في الحياة " ، واوكلت مهمة حماية هذا الحق الى القانون والسلطات التي تقوم بتطبيقه ، ولايجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي ،  ويرتبط بهذا الحق عدم جواز تعريض الأنسان للحبس او الأعتقال او تعريضه لأرهاب شخصي او نفسي او تعذيب بدني ، حيث نص اعلان حقوق الأنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789 على انه " لا يمكن اتهام أي انسان او توقيفه او اعتقاله الا في الحالات المحددة في القانون ووفقا للأصول المنصوص عليها " ، واكد على ذلك الأعلان العالمي لحقوق الأنسان والذي نصت المادة التاسعة منه على انه " لا يجوز القبض على انسان او حجزه او نفيه تعسفا " .

 بمقارنة بسيطة يمكن استنتاج الفرق الشاسع بين الحاكم الطاغية والحاكم الكريم ، بين صدام حسين وعبدالكريم قاسم ، وكل منهما ينطبق اسمه عليه ، فشتان بين صدام وكريم . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com