المقاومة .. والدفاع عن الوطن ..!! 1ـ 2

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

منذ أن أسقطت ثورة 14 تموز النظام الملكي العميل لبريطانيا ، في العام 1958 ، والعراق عرضت للتدخلات الدولية في شؤونه الخاصة ، سواء أكان هذا التدخل من دول الجوار ، كما حصل في العام 1959 ، عندما ساهمت الجمهورية العربية المتحدة ، عن طريق سوريا ، في إمداد المتآمرين البعثيين والقوميين العرب ، من المساهمين في مؤامرة الشواف ، بالسلاح والعتاد لإسقاط ثورة 14 تموز ، أوعندما تدخلت حكومة شاه إيران ، في مد حركة رشيد لولان الكوردية المناوئة للثورة بالمال والسلاح ، كما انخرطت وتعاونت عناصر عراقية ، قومية عربية وكوردية ، ودينية ـ شيعية وسنية ، مناوئة للحركة الوطنية العراقية ، مع أجهزة مخابراتية للدول الأمبريالية الكبرى ، لإسقاط الحكم الوطني بعد ثورة 14 تموز ، سواء بإصدار فتاوى التكفير ضد القوى الوطنية ، أو بمساهمتها الفعلية في تنفيذ الثورة المضادة كما حدث في العام 1963 ، وظل العراق منذ ذلك التاريخ عرضة للتدخل في شؤونه الداخلية من قبل الدول الأجنبية ، وعلى كل المستويات حتى سقوطه بيد القوات الأمريكية في العام 2003 ، حيث تعاونت ، ولا زالت تتعاون ، الكثير من القوى السياسية العراقية ، الوطنية والعميلة ، على حد سواء ، عربية وكوردية وتركمانية وآشورية ، ليبرالية ودينية ، من الشيعة والسنة ، مع تلك القوات ، وخاضعة لهيمنتها وتوجهاتها ، على الرغم من معرفة واطلاع كل هذه القوى على الأهداف والنشاطات التي تهدف لها وتمارسها القوات الأمريكية والبريطانية ، من أنشطة عسكرية وسياسية واقتصادية على الساحة العراقية ، وأصبح العراق بلدا مفتوحا ومنتهك السيادة ، من قبل مخابرات كل دول العالم ، تمارس أجهزتها نشاطاتها بحرية ، وتعمل ما يحلو لها وما تهدف . هذا واقع معروف ومعترف به من قبل أركان الحكم والمليشيات ، لأن أمريكا هي من أسقطت النظام البعث ـ فاشي ، وهي من \" حررت \" الشعب العراقي من حكم يهون ويتضاءل أمامه الاحتلال وجرائمه .
كل القوى السياسية العراقية ، وعلى مختلف توجهاتها الفكرية والسياسية والدينية ، القومية والطائفية ، كل هذه القوى وبنسب مختلفة ، ساهمت في خلق ودعم وتكوين نظام البعث ، وترسيخ حكمه ، على مختلف المراحل التي مر بها العراق بعد سقوط ثورة 14 تموز ، وكان هذا النظام البعثي ، منذ ذلك الحين ، وهو يحظى بدعم ورعاية القوى الأجنبية ، وخاصة الإنكليزية والأمريكية ، التي ساهمت في تكوينه ، ودعمه بكل ما يوطد حكمه ، طيلة أكثر من أربعين عاما ، فالنظام ورموزه ، وبتوجيه من وكالات المخابرات الصديقة له ، كان ينفذ سياساتها المرسومة له ، في الداخل والخارج ، كما كانت هذه الدول ، وخاصة أمريكا ، تساعده على أحكام قبضته على الشعب العراقي ، بسكوتها عن جرائمه أو تكذيب عما يفتضح بالنشر في صحافتها،وإطلاق يده في قمع كل مظهر من مظاهر \" فتات \" الديموقراطية ، فأمريكا هي من تعاونت مع البعث وصدام بالذات ، على تصفية الحركة الثورية الكوردية في العام 1975 ، وبالتنازل عن نصف شط العرب ، تحقيقا لأهدافها ومصالحها الحيوية ، آنذاك ، المرتبطة بنظام الشاه . وبذات النهج أعلن الحكم عمليا عن تصفية آخر مظهر من مظاهر ديموقراطيته الزائفة ، عندما أقدم على تنفيذ جريمته الفاشية المتمثلة بإعدام 34 شيوعيا دفعة واحدة ، بدعاوى ملفقة ، ممارسة نشاط شيوعي في القوات المسلحة ، الهدف من ورائه فرط عقد الجبهة والتحالف غير متكافئ ، بين الحزب الشيوعي والبعث ، ولينفرد النظام وقيادته بكل ما من شانه رسم سياسة العراق الداخلية والخارجية ، وفق ما يحقق لأمريكا من مصالح وأهداف حيوية في المنطقة .
أغلب قيادات القوى السياسية ، من القومية والديموقراطية والدينية، الكردية والعربية ، هجرت مواقعها في بغداد وبقية المدن الأخرى ، توجه البعض منها إلى منطقة كردستان بشكل عشوائي ، بعد أن أقدم النظام على تصفية تنظيماتها في الداخل ، وخصوصا عناصر الحزب الشيوعي العراقي ، رغم عدم التهيؤ أو التخطيط المسبق لهذا الوضع من قبل قيادته ، التي لم تكن قد هيأت نفسها لمثل هذا الموقف ، نتيجة للصراع الدائر ضمن المكتب السياسي ، حول وطنية السلطة ، وعدم بلورة رأي موحد ، أو الاتفاق على موقف وسط ، بصدد فك شراكة الجبهة مع البعث ، فجريمة الإعدام التي طالت 34 رفيقا عمقت الصراع ، وبرزت على السطح آراء في المكتب السياسي واللجنة المركزية ، ذات توجهات قومية عربية ، وأخرى كردية ، ترى ضرورة تمتين عرى الجبهة مع البعث ، أو على الأقل عدم تصعيد الخلاف ، رغم كل ما اقترفته أياد حزب البعث وقيادته ، من جرائم قتل وتصفيات جسدية لرفاق الحزب وأنصاره ، في الشوارع قبل المواقف والسجون ، وانتهاكات أخلاقية وفق منظور قومي وتقدمي ل \" أمة عربية واحدة \" مورست البشاعات بحق الرفاق والرفيقات في معتقلات \" من المحيط إلى الخليج \". دار الصراع داخل الحزب في أعلى سلطة ، دون حسم لأي قرار ، انعكس سلبا على منظمات الحزب القاعدية ، أربكها وعطلها عن اتخاذ أي قرار واضح ، بصدد ما تعانيه من ملاحقة وإرهاب السلطة ، وعَقد الأمر نزوح أغلب القيادة إلى خارج القطر دون قرار سابق ، وترك الباب مفتوحا أمام رفاق الحزب للهرب ، زاد من تراكم عدد الرفاق المتواجدين في الخارج ، ولم يبق أمام القيادة المنقسمة على نفسها ، سوى قرار التوجه إلى كردستان ، وتشكيل قوات \" الأنصار \" دون أن توفر هذه القيادة الحد الأدنى من المستلزمات المادية لهذه الخطوة ، وما عقد الوضع وزاده سوء ، أنيطت مسؤولية الأنصار والكفاح المسلح بعنصر من المكتب السياسي لا يؤمن بهذا التوجه ، وهذا بعض ما عرقل استيعاب العدد الضخم من المتواجدين خارج العراق ، خصوصا في سوريا ولبنان ، وتركهم دون هدف أو مخطط عملي للإفادة من قدراتهم وكفاءاتهم إلى حين إعادة تجميعهم في كردستان العراق .
التوجه إلى كوردستان أفرز حالة تميز واستعلاء قومي كوردي ، لدى عناصر المنظمة الكوردية ، عزز من هذا الشعور وعمقه ، تواجدهم في المنطقة قبل قرار تشكيل قوات فصائل الأنصار ، وبحكم طبيعة المنظمة وعملها ، كانت السيطرة للعناصر الكوردية ، التي تصدرت الدور القيادي بعقلية عنصرية ، للعمل \" الأنصاري \" من دون كفاءة أو تأهيل ، هذا الواقع كانت تدعمه عناصر قيادية كردية في قيادة الحزب ، ذات نفس قومي ، أمر كهذا حال دون تحمل الرفاق العرب لمسؤولياتهم وفق استحقاقاتهم الحزبية وحتى العسكرية ، بحجج مختلفة منها جغرافية المنطقة ، وعدم معرفة العرب لعادات وتقاليد ولغة أهلها ، على الرغم من أن هذه الحجج لم تصمد أثناء الممارسة ، فالأدلاء كانت أكثريتهم من العرب ، كما أتقن العرب اللغة الكوردية ، والكفاءة القتالية كانت قاسما مشتركا بين الجميع ، لم تكن في عنصر دون آخر .التمييز كان قائما والحزبي الجيد ، ـ من العرب طبعا ـ \" كما قال أحدهم \"هو من يعمل بأي مكان يسند إليه دون استحقاقه وتدرجه الحزبي ، كلمات حق لتحقيق باطل .هذا النهج هيأ أسسا مستقبلية لانفصال الشيوعيين الكورد ، بتأسيس حزبهم الشيوعي القومي ال \" كوردستاني \"، خلافا للنهج الشيوعي ـ الأممي ، ليضع نفسه لاحقا ، تحت تأثير الحزبين الكورديين القوميين ، كل في منطقته ، ليمارس هذا الحزب ، دور تجربة الحزب الأم في سياسة الخضوع للنهج القومي ، وفق مفهوم الجبهة الكوردستانية ، وهذا ما نراه على الواقع ، فلا صوت لهذا الحزب خارج هيمنة الأحزاب القومية، ولا صوت يعلو على صوت المعركة القومية .!!
الحرب العراقية الإيرانية جاءت لاستكمال وتعميق الأوضاع الفكرية و الماديةالصعبة التي يعيشها الحزب الشيوعي العراقي ، ولتزيد من الإرباكات في مواقفه الضبابية عن الوطن والمقاومة ، كيف ومتى وأين ، وما زاد الطين بلة في تشعب المواقف والتنظير لها ، تواجد أعداد غفيرة من الأعضاء والكوادر القيادية والمثقفة ، في منطقة كوردستان ، عاطلة عن العمل وتلتقي دائما ، دون مهام حقيقية غير الثرثرة ، هذا الواقع ساعد على الشللية وتسقط أخبار القيادة ، الغير منسجمة مع بعضها ، والتشويش على ما يدور بينها من نقاش والتعليق عليها ، فشعار \" الدفاع عن الوطن \" ، الذي بعثت فيه الحياة عناصر من أتباع الفكر الجبهوي اليميني ، جاء تتويجا للخلافات المستعصية في القيادة ، كما هو امتداد لموقف خلافي عن الفاشية والدكتاتورية .يتم طرح هذا الشعار \" الدفاع عن الوطن \" في وقت لا وطن لمن يطرحه ، سوى عراء يلفه الخوف والرعب ، وطن لنظام فاشي ، تحوي زنازين سجونه ومواقفه آلاف المواطنين الأحرار ، دون أن يطلق سراح أي منهم ، رغم حاجة النظام لوقود بشري لحربه ، كما لم يقدم النظام على أية خطوة تدلل على تغيير نهجه المعادي للشعب ، أو توقف أجهزته عن ملاحقة وقتل وإعدام المئات من المناضلين والمناضلات ، وحتى الناس العاديين ، فالوطن بمجمله مستباحا ، والمواطن لم يعترف النظام له بمواطنته ، إنما هو من رعايا النظام ، عليه واجبات يؤديها دون حقوق .
\" الدفاع عن الوطن \" ُرفع هذا الشعار تحت ضغط التشرد والتشرذم ، وحياة مادية صعبة وغير انسانية يعيشها رفاق واعضاء الحزب ، ومن دون تدقيق في الواقع الذي يعيشه الوطن والمواطن ،وبمعزل عن دراسة ظروف السلطة ، جوهرها وماهيتها وواقعها ، ودون البحث في مستلزمات بعث الحياة في هذا الشعار ، كل هذا ، كان دليلا ومؤشرا على أزمة فكر عند حاملي هذا الشعار ، وهوة تفصل بين تنظيرهم وواقعهم المعاش ، لا يمكن جسرها ، أو تلافي نتائجها المستقبلية على حياة الحزب ، وتطوره اللاحق . فبدون استحضار الأسباب والدوافع لهذه الحرب ومن هو وراءها من الدول الأجنبية ، والغاية التي تستهدفها ، والتعتيم على نتائجها ، يكون الأمر ملتبسا ، وهدف أصحاب هذا الشعار هو تضليل المواطن وحرمانه من معرفة مواصفات \" الوطن \" الحر الذي سيدافع عنه ، وحقوق المواطن الذي سيرخص دمه لهذا الوطن ، وماهية حاكم هذا الوطن وتوجهاته ، الذي قتضت الضرورة أن يغير الشيوعيون والوطنيون اتجاه بنادقهم عنه ، إلى \" الدفاع عن الوطن \".
ولم يخبرنا أنصار هذا الرأي ِلَم َلم يدافع الشيوعيون البلغار عن وطنهم ، إبان الحكم الفاشي ، وإنما عملوا على إسقاطه أولا . الدفاع عن نظام فاشي ، تمارس مؤسساته الأمنية كل الجرائم المنكرة بحق المواطن والوطن ، بما فيها أحواض الأسيد ، هذا بحد ذاته جريمة ترتكب بحق الشعب العراقي ، والحرب المعلنة على إيران ، ضحيتها الشعب العراقي ودمار وطنه ، وهي حرب نيابة عن أمريكا وحلفاءها ، كما صرح رئيس النظام ، فلا مصلحة للشعب العراقي فيها بالمرة ، فكيف سيدافع حزب شيوعي عن مثل هكذا وطن ، قبل أن يجد رفاة رفاقه من الشهداء .
لا يمكن فهم موقف مؤيدي \" المقاومة \" والمدافعين عنها حاليا ، دون فهم أسباب ومغزى ، طرحهم شعار \" الدفاع عن الوطن \" وتبنيهم له ، أيام الكفاح المسلح في كردستان العراقية ، فهؤلاء هم أنفسهم من يجاهر اليوم بدعم \" المقاومة \" بعد سقوط النظام الفاشي ، من منطلق مقاومة المحتل فقط ، ومن دون تبيان الأسباب الأخرى الكامنة وراء هذا الموقف .
بدأ يمكن القول ، أن المقاومة الوطنية هي حق مشروع ، لكل الشعوب ، ولكل القوى السياسية الوطنية أن تلجأ إليها ، عندما تتعرض أوطانهم للإحتلال ، كما هو بلدنا في الظرف الراهن ، ولكن ما هي ظروف وقدرات الوطن حاليا ، التي خلفها النظام الساقط وراءه ؟ وما هي مواصفات هذه المقاومة ؟ ومن يقودها ؟ وما هي أهداف هذه المقاومة ؟ عندما خاض الشيوعيون الأنصار ، تجربة الكفاح المسلح ، كان النصير الشيوعي ، يحمل مع بندقيته جعبة عتاده ، وفيها يتواجد برنامج وأهداف الحزب ، كما كان الكتاب ملازما له ، والنصير المقاوم ، يعي الهدف والغاية من مقاومته ، وحتى الوسيلة التي يتوسلها للوصول إلى هدفه ، ولا يخفي انتماءه للحزب الشيوعي العراقي ، أو للجهة التي ينتمي لها ، وعندما يتواجد بين الجماهير ، يكون سافر الوجه وغير \" ملثم \" ، ومفارز الأنصار تتمتع بصداقة حقيقة وعميقة مع جماهير الناس ، كما تقدم كل خدمة أو مساعدة يحتاجها المواطن الكوردستاني ، وبالأخص الخدمة الطبية ، بغض النظر عن العمر أو الجنس ، وهناك الكثير من الحالات التي أنقذ بها أطباء المفارز ، نساء حوامل من الموت ، كما عالجوا جرحى النظام عندما يسقطون بأيديهم ، ومع حلقات تعليم استخدام السلاح ، أسس الأنصار الشيوعيون مدارس للأطفال في محيط نشاطهم ، وبذلك توطدت عرى وثيقة بين المقاوم النصير والمواطن ، ولم يفكر النصير أو مفرزته المسلحة ، حتى في حالة الدفاع عن النفس ، من إطلاق طلقة ضد خصمه ، عندما يعتقد أنها ستصيب إنسانا مسالما أو طفلا ، ـ رومانتيكية أليس كذلك ؟ ـ وعلى الرغم من قدرة الأنصار على تفجير مؤسسات الدولة ، والقتل العشوائي ، لزعزعة الأمن ، وإشاعة الرعب بين المواطنين ، إلا أنهم لم يقدموا على عمل مثل هذا ، طيلة فترة نشاطهم الأنصاري المسلح ..! هذه هي بعض صفات النصير أو المقاوم الوطني ، فما هي مواصفات \" المقاومة \" الحالية ، ومن هم شخوصها وقيادتها ، ومن هي الجهة الممولة لنشاطها في اللحظة الراهنة ؟ وهل تمتلك \" المقاومة \" الحالية من المقومات والمواصفات الوطنية والأخلاقية ، ما تملكته مقاومات أخرى من مبادئ عبر تاريخنا الحديث ؟ وهل من غطاء وطني لهذه \" المقاومة \" يمكن أن يهمس به المؤيدون والداعمون ؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com