المسكوت عنه في الحوار الايراني ــ الأميركي

نـزار حيدر

 NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

 

أولا: لقد ابتلي العراق بمحيط متناقض مع نفسه، ومع المجتمع الدولي، ولهذا السبب ظل العراقيون يدفعون ثمن استغلال النظام البائد لهذا التناقض، كما أنهم يدفعون الثمن اليوم، كذلك، بسبب هذا التناقض، ولذلك يرى الكثيرون بأن حلحلة أي من المتناقضات، هو لصالح العراق وشعبه، لأن الساحة التي تظل تجمع المتناقضات، تبقى تدفع الثمن دائما، وما النموذج اللبناني والاوربي الشرقي والكوبي، وغيرها من النماذج، الا أدلة على صحة ذلك.
ثانيا: ان مثل هذا الحوار كانت قد تقدمت بفكرته ادارة الرئيس بوش الى طهران،
قبل أشهر عديدة، الا أن الحكومة الايرانية كانت قد رفضت الفكرة معتبرة أنها مجرد محاولة من قبل الاميركان لاستغلال الملف العراقي للتقرب من طهران التي كانت قد قطعت علاقاتها بالكامل مع واشنطن منذ انتصار الثورة الاسلامية في عام 1979.
ثالثا: هناك حوار أميركي مستمر مع كل دول الجوار العراقي، بالاضافة الى عدد من الدول العربية التي ترى فيها واشنطن مفاتيح محتملة لبعض مشاكل العراق الحالية، مثل مصر، باستثناء ايران التي لا ترتبط بالولايات المتحدة بأية علاقات دبلوماسية، ولذلك حاولت واشنطن تجاهلها في أي حوار مباشر منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان، باستثناء الحوارات السياسية غير المباشرة التي جمعتها مع طهران، وبحضور بقية الاطراف المعنية، الاقليمية والدولية.
ويبدو لي أن واشنطن فهمت اليوم بأن استمرار تجاهل طهران في الملف العراقي ليس لصالح مشروعها في هذا البلد، بل وفي عموم المنطقة، ولذلك حاولت منذ عدة أشهر أن تطرق الباب التي تؤدي الى طهران.
رابعا: لا يختلف اثنان على ان وضع الولايات المتحدة في العراق لا يحسد عليه أبدا، فبعد الأخطاء الرهيبة التي لا زالت تكررها الادارة الأميركية، تورطت الولايات المتحدة بمشاكل معقدة لا تعرف أين وكيف ومتى ستجد لها الحل، على الأقل من أجل حفظ ماء وجهها الذي أريق في العراق.
ولأن الغريق يتشبث بكل قشة، كما يقولون، لذلك ارتأت الادارة الأميركية أن تلجأ الى طهران التي تضمر ازاءها كل شر، علها ستجد عندها الحل السحري لورطتها في العراق.
خامسا: ان الولايات المتحدة تتحاور مع كل دول الجوار العراقي وغيرها، بشأن العراق، فلماذا لا يحتج أحد على ذلك، فيما يقيم الطائفيون الدنيا ولم يقعدونها، عندما تفكر واشنطن بالحديث الى طهران بالشأن العراقي؟ واذا قيل بأن واشنطن هي المبادرة لكل تلك الحوارات، فيما يأتي الحوار المرتقب بين واشنطن وطهران
بمبادرة(عراقية) أقول، بأن هذا الحوار يأتي كذلك بمبادرة أميركية شجع عليها العراقيون، بالاضافة الى أن سنة العراق هم الذين الحوا وبكل الطرق بما فيها الارهاب، لجر أقدام عرب الجوار لحوار مع واشنطن بشأن الملف العراقي، ولا أعتقد أن أحدا نسي تصريحات زعماء السنة بهذا الصدد.
من هنا فان أي حوار ايراني ــ أميركي عن الملف العراقي، ليس بدعا من الحوارات التي تجريها الادارة الاميركية مع جيران العراق، فهي لا تختلف كثيرا عن حواراتها مع الرياض مثلا، التي يزورها السفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد بين الفينة والاخرى، للاصغاء الى توجيهات الملك عبد الله، وهي بالمناسبة المرة الاولى التي نسمع فيها أن سفيرا لدولة ما يقوم بزيارات مكوكية الى بلد ثالث ليبحث مع قادته مشاكل البلد المعتمد فيه.
وكلنا يتذكر تصريحات السفير زاد التي أدلى بها قبل أشهر والتي قال فيها بأن ادارته تتحدث الى الدول العربية المجاورة للعراق، من أجل اقناع السنة للانخراط في العملية السياسية، وهذا ما حصل والذي توج في اجتماع القاهرة، وان كان قد فشل فشلا ذريعا، الا أن مجرد انعقاده كان دليل على توسل واشنطن بعرب الجوار لاقناع سنة العراق بالالتحاق بالعملية السياسية، والذي (الاجتماع) نجح على هذا الصعيد نجاحا باهرا.
واذا كان البعض يحتج بالحوار الايراني ــ الأميركي كدليل على تورط ايران في الشأن العراقي، فان عليهم أن يسوقوا زيارات زاد الى الرياض وحمل ملك الاردن للملف العراقي الى واشنطن كلما ذهب اليها زائرا، واجتماع القاهرة، ان كل ذلك، كذلك، أدلة دامغة على تدخل عرب الجوار بالشأن العراقي.
مبدئيا، نحن ضد أي تدخل في شؤون العراق، ومن أي طرف كان، أما ان يقبل البعض بتدخل عرب الجوار ويرفض التدخلات الاخرى، فهذا ما يتنافى والانصاف والحرص على العراق، لأن منطلق مثل هذا الموقف، طائفي يسعى لجر أقدام عرب الجوار لصالحه وعلى حساب مصالح الاغلبية من العراقيين، وأقصد الشيعة على وجه التحديد.
سادسا: هناك فرق كبير جدا بين (التدخل الايراني) بالشأن العراقي و(تدخل عرب
الجوار) فالأول هو تدخل ايجابي ، ان صح التعبير، تمثل في ترحيب طهران بسقوط الصنم، ثم الاعتراف بمجلس الحكم لحظة الاعلان عن ولادته، وتاليا الاعتراف بكل الحكومات المؤقتة التي تعاقبت على الحكم في العراق منذ سقوط الصنم ولحد الآن.
كما أنه تمثل في ترحيب طهران في محاكمة الطاغية الذليل، وتعاطفها مع ضحايا النظام البائد، خاصة ضحايا المقابر الجماعية والارهاب.
أما تدخل عرب الجوار، فلقد كان (ولا يزال) سلبيا حتى النخاع، أجار الله تعالى العراق والعراقيين منه، وياليته كان يتناغم مع التدخل الايراني.
انه تدخل سلبي حاقد حاول، ولا يزال، تخريب العملية السياسية والانتقام من العراقيين، بعد اتهامهم بالتقصير في الدفاع عن نظام الطاغية الذي تشبهه الأنظمة العربية كونها مثله أنظمة شمولية استبدادية بوليسية.
ولقد تمثل التدخل العربي السلبي السافر في الشأن العراقي بما يلي؛
الف؛ رفض الاعتراف بجرائم النظام البائد، ولذلك لم يبد أي تعاطف مع ضحاياه.
باء؛ ظل يرفض الاعتراف بكل المؤسسات التي انبثقت في بغداد منذ سقوط الصنم، وظل يسعى للتشكيك في الجهد السياسي الذي يبذله العراقيون من أجل استعادة سيادة بلدهم، وبالتالي لانهاء عهد الاحتلال.
جيم؛ ظل هذا الموقف يحرض على العنف والارهاب، من خلال تسمية الاعمال الاجرامية، وعمليات القتل والذبح، بــ(المقاومة) من دون أن يعبه بمشاعر العراقيين قيد أنملة.
لقد صدر هذا الموقف، الفتاوى الطائفية للعراق، والتي استباحت دم العراقيين على الهوية والانتماء، كما أهدرت دماءهم وأعراضهم على الهوية، الى جانب ضخ المال الحرام لمجموعات العنف والارهاب، التي وجدت عند عرب الجوار الحظن الدافئ والمفاقس الآمنة، الى جانب الدعم السياسي والاعلامي الطائفي الحاقد، الذي أحيط به الارهابيون من كل جانب.
دال؛ حتى الآن يرفض هذا الموقف التعامل مع محاكمة الطاغية الذليل وأعوانه، بشكل ايجابي، فلا زال يشكك بشرعية المحكمة، بل يطعن بشرعية تقديم الطاغية الى أية محكمة، اذ لا زال هذا الموقف يتعامل معه كونه الرئيس الشرعي للبلاد.
كنا نتمنى على هذا الموقف أن يحذو حذو الموقف الايراني، فيمد للعراق يد العون وللعراقيين يد المساعدة، ويضع حدا للتحريض على قتلهم، والتشكيك في العملية السياسية الجديدة.
صحيح، نحن نتفهم جذور هذا الموقف السلبي، والتي تعود الى الأسف العميق الذي ينتابه جراء خسارته لواحد من زملائه في المهنة، ولكن كان من المفترض عليه والواجب أن يبادر فور سقوط الصنم الى طي صفحة الماضي للبدء بصفحة جديدة، فاذا كان نظام الطاغية الذليل قد ولى والى الابد ومن غير رجعة، فان العراق وشعبه، باقيان والى الأبد، فلماذا يتعامل الموقف العربي مع العراق كنظام ولا يتعامل معه كشعب؟.
سابعا؛ لقد بذلت واشنطن جهودا كثيرة من أجل اقناع طهران للجلوس معها على طاولة المفاوضات للحديث بالشأن العراقي، الا أن كل هذه الجهود باءت بالفشل الذريع، لأن طهران تعتبر بأن وجود الولايات المتحدة في العراق هو وجود احتلال، وبالتالي غير شرعي.
عدد من القادة العراقيين الوطنيين، وعلى رأسهم السيد جلال الطالباني والسيد عبد العزيز الحكيم، وغيرهم، درسوا المقترح الأميركي الداعي الى حوار مع طهران، فوجدوه يصب في خدمة العراق والعملية السياسية الجديدة، فبادروا الى مفاتحة طهران للقبول بالمقترح الأميركي، فما كان من طهران الا أن توافق على الطلب العراقي، بعد أن وجدته حجة سياسية مقنعة تمنحها الفرصة للجلوس الى العدو اللدود، اذا كان ذلك يعين العراقيين في تجاوز محنتهم، وبالتالي فان الطلب العراقي جاء كمبرر(أخلاقي) لطهران للقبول بالحوار مع واشنطن.
الموقف العراقي، اذن، لم يكن سوى عامل مساعد في هذا الحوار المفترض، وليس المبادر، ولذلك يجب أن لا نحمله أكثر من ذلك.
واشنطن، كما هو معروف، تتهم طهران بدعم الارهابيين والمتمردين في مناطق ما بات يعرف بالمثلث السني، أو ما يصفهم زعماء السنة بـ(المقاومة) فيما تتهم طهران واشنطن بالتدخل في شؤونها الداخلية من خلال البوابة العراقية عبر دعمها لحركة المعارضة الايرانية التي لا زالت تقيم في الأراضي العراقية، وهي بالمناسبة المعارضة الوحيدة لدول الحجوار التي لا زالت تتخذ من الاراضي العراقية منطلقا لنشاطها ضد دولة من دول الجوار، من دون أن يتحدث الطائفيون عن ذلك أبدا.
وكما هو معروف فان واشنطن قررت الابقاء على تواجد المعارضة الايرانية في العراق، للاستفادة منها في مثل هذا اليوم، فبالرغم من اصدار مجلس الحكم آنئذ لقرار يقضي بابعاد عناصر المعارضة الايرانية عن الأراضي العراقية، بسبب رفض العراقيين تحويل العراق الى ممر أو معبر لأي نشاط معارض ضد جيرانهم، الا أن الولايات المتحدة رفضت تنفيذ القرار، وسعت الى الاحتفاظ بهذه الورقة، للعبها ضد طهران متى ما تحين الفرصة.
طبعا، وقتها لم ينبس الطائفيون ببنت شفة، ازاء هذا الموقف الأميركي العدواني ضد واحدة من جيران العراق، كما لم يبادر أي أحد منهم للأخذ على يد الولايات المتحدة لردعها عن اللعب بأوراقها السياسية مع طهران على الاراضي العراقية، وللحيلوية دون استغلال الأخيرة لهذا الموقف الاميركي، لـ(التدخل) في الشأن الاميركي في العراق، والذي عده الكثير من المراقبين، دفاعا عن النفس، اذ لا يعقل ان تقف طهران مكتوفة الأيدي، وهي ترى عدوها اللدود يعبئ المعارضة على طول حدودها.
الحوار الايراني ــ الأميركي المرتقب، سيساهم، ربما، في تصفية مثل هذه القضايا العالقة بين واشنطن وطهران، وبالتالي لازالة العقبات التي تعترض تعاون الطرفين من أجل المساعدة في حل مشاكل العراق، على اعتبار أن طهران تمتلك من العلاقات الطيبة والواسعة مع أغلب الاطراف العراقية، ما يمكنها من توظيف ذلك للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، ولا أعتقد أن عاقلا سيرفض مثل هذا الدور اذا كان ممكنا، خاصة وأن الجميع متفق على أن تلعب الولايات المتحدة مثل هذا الدور، فلماذا نرفضه لواحدة من أكبر وأهم جيران العراق، والذين (الجيران) يعتبرون أن أمنهم من أمن العراق وبالعكس؟.
طبعا، لا زالت الاتهامات الاميركية للايرانيين لم تخرج عن دائرة الظنون، اذ لم تعلن القوات الاميركية في العراق حتى الآن، مثلا، عن التعرف على أي ايراني فجر نفسه في حشد من المواطنين العراقيين الأبرياء العزل، كما أنها لم تعلن حتى الآن عن اعتقالها لايراني كان يهم بزرع عبوة ناسفة في سوق شعبي أو حتى في طريق دورية عسكرية أميركية، الا أنها (القوات الأميركية) أعلنت، حتى الآن، عن اعتقال المئات من رعايا عرب الجوار من المتورطين في قتل الابرياء وتصنيع السيارات المفخخة، كما أن المئات من رعايا عرب الجوار قتلوا حتى الآن، وهم ينفذون عمليات انتحارية استهدفت الأبرياء واماكن العبادة والشرطة العراقية وغير ذلك.
بعض الطائفيين اعتبروا أن دعوة بعض زعماء العراق لحوار ايراني ــ أميركي في الشأن العراقي، انما هو بمثابة محاولة منهم لتعويض ايران عن خسائرها جراء سياسات نظام الطاغية الذليل صدام حسين.
أستغرب من هذا التفسير حقا، ومن زاويتين؛
الأولى، أين كان أمثال هؤلاء عندما كان نظام الطاغية يعوض (اسرائيل) عن الخسارة التي لحقت بها جراء عنترياته ومسرحياته الدعائية؟ لماذا لم نسمع لهم صراخا أو حتى حسيسا كحسيس النمل، مثلا؟.
الثانية، لماذا يلوذ أمثال هؤلاء بصمت أهل القبور، عندما يتعلق الأمر بتعويض دول أخرى، ويصرخون عندما يتعلق الأمر بايران؟ وهي بالمناسبة الدولة الوحيدة التي ضمن لها مجلس الأمن الدولي التعويض عما لحق بها بسبب الحرب التي شنها عليها نظام الطاغية الذليل، وذلك في اطار القرار (598) الذي صدر بالاجماع عن المجلس ابان الحرب العراقية الايرانية؟.
طبعا، كعراقيين، نحن نتمنى على كل دول العالم، بما فيها دول الجوار، أن تتنازل عن أي تعويض ومن أي نوع ، لصالح الشعب العراقي المتضرر الأول والأكبر من سياسات النظام البائد وحروبه العبثية التي شنها على الجيران، ولكن من المفترض ان لا نكيل بمكيالين فنسكت على تعويض ولا نقبل بآخر، الا أن يكون المنطلق طائفيا، وهذا هو واقع الحال في أغلب الأحيان والحالات، وللأسف الشديد.
برأيي، فان أي حوار أميركي مع دول الجوار العراقي، سيصب في المصلحة العراقية أولا، لأنه بالتأكيد سيناقش طرق استقرار العراق ومساعدة العراقيين لتجاوز الأزمة الحالية، لأن جميع الأطراف تعرف جيدا، بأن عدم استقرار العراق ليس لمصلحة أحد أبدا، واذا كانت بعض الأطراف تتصور بأن انشغال العراق بنفسه، سيبعد عنه شبح المخاطر، فانه على خطأ بكل تأكيد، لأن ذلك الى حين وليس الى الأبد، فالعراق هو قطب الرحى، اذا استقر فستستقر المنطقة، والعكس هو الصحيح، فاذا ظل متوترا وغير مستقرا، فان الباب ستظل مشرعة لكل الاحتمالات، ليس أيسرها الفوضى التي ستعم المنطقة، والتي سوف لن يكون أحدا في منئى عنها أبدا، مهما فعل المستحيل، وللجميع في تجربة العراق في عهد الطاغية الذليل خير دليل وشاهد حي، لا أعتقد أن أحدا نسيها، الا الأغبياء والمغفلون.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com