الى اين تتجه الديمقراطية في العراق!

الدكتور لميس كاظم

تتسارع الأحداث السياسية في العراق بشكل خطير بعد تفجير مرقد الامامين في سامراء. فقد شهد الاسبوع الأول مئات القتلى نفذت بحق الأبرياء في المناطق المختلطة وخاصة في مدينة بغداد. كما أن عدد الجوامع والمساجد التي حرقت فاقت حد الخيال. والأخطر ما في الأمر أن الأحداث باتت تتسارع نحو التوتر والمجازر والأغتيالات المدروسة لتضع البلد أمام خيار كارثة الحرب الطائفية.

كل هذا التصعيد والتوتر الطائفي لم يثن عزيمة قادة العراق عن أستمرار حواراتهم التي لن تفضي الى حل يرضي جميع الأطراف. فهم لم ينتهوا بعد من تشكيل مجلس الأمة والحقائب الوزارية السيادية والرئاسية، خُلقت لهم مشكلة مجلس الأمن القومي  وبالتالي سيدخلون في دوامة من ناعور المشاكل المستعصية مما يتعذر عليهم الوصول الى حلول تخدم الشعب العراقي.

كان الشعب العراقي للأمس القريب بعيدا عن الطائفية الاجتماعية لكن هذه المجازر التي استباحت الابرياء وهذا التهجير القسري من المناطق المختلطة والذبح المنظم والاغتيالات أنما هي براميل زيت تصب في نار  الحقد الاجتماعي ومحاولة جادة للعزل الديمغرافي الطائفي والذي سيؤدي أصطفاف الطائفي إجتماعي جديد. فنحن قد شهدنا ممارسات طائفية، شوفينية، من قبل الصنم ونظامه المقبور. لكن بعد سقوطه لمسنا محاصصات ديمقراطية كرست الطائفية السياسية، والانكى من هذا كله، هو الممارسة العملية للأحزاب الفائزة خلال فترة حكمهم إذ رسخوا اسس الطائفية السياسية وبدايات الطائفية الاجتماعية. واليوم بعد ان أنجزت أصعب مراحل العملية الديمقراطية في العراق يحاول أصحاب المشروع أن يزاوجوا بين الطائفية السياسية والاجتماعية مما سيسهل تقسم العراق الى كاتونات طائفية معزولة تسمى الفيدرالية. 

كل هذا التطاحن والأحتدام دفع بأصحاب المشروع الديمقراطي أن يلوحوا بخطر الحرب الأهلية في العراق التي قاب قوسين أو أدنى.

جاءت هذه التصريحات لتجس نبض القوى العراقية بمدى استعدادها وتأهبها لخوض هذه الحرب وبنفس الوقت وضعت احتمال أن يتصدى الجيش العراقي لهذه الحرب. أي انها ستكون بمنأى عن المشاركة في الحرب اللاوطنية. يعني فخار يكسر بعضه.

 أن أصحاب القرار وجدوا بأن الظروف الحالية بات أكثر ملائمة لتاجيج فتيل هذه الحرب التي أشتعلت بعد اشهر من سقوط الصنم. فأغلب القوى الطائفية أستكملت تشكيلتها السياسية والتحالفية. كما سمحت لبعض القوى الطائفية الاحتفاظ بميلشياتها العسكرية،  بل وممارسة اسوء حالات القتل والتعذيب الأجتماعي لتجبر الأطرف اأخرى الى الاعتماد الذاتي لحماية نفسها ليتم تدريجيا الانتقال الى المواجهة المسلحة. وهذا ما دفع بكل القوى الطائفية الى تشكيل مليشات مسلحة وباسماء مختلفة لمواجهة هذا الانتهاك السافر وكان أخرها تسليح العشائر بحجة محاربة الارهاب. 

فالأحزاب الشعية أستكملت أستعداداتها الهرمية المسلحة وبات تمتلك ميليشات مدججة بالسلاح بالأضافة الى تواجد قطعات عسكرية حكومية ممكن أن تستخدمها إن تطلب الامر. كما أنها مدعومة من دولة مجاورة وتمتلك منافذ حدودية واسعة مستعدة لتمويلها بالسلاح والمال والمقاتلين إن تطلب الامر.

الأحزاب السنية استكملت تحالفاتها السياسية وبناء مليشاتها المسلحة. وهي أكثر القوى مدعومة خارجيا ومن أكثر من دولة مجاورة ولها منافذ حدودية تستطيع تأمين السلاح والمال والرجال بالاضافة الى أن هناك الأف من التكفيرين العرب الذين تلتقي أهدافهم معهم بحجة محاربة المحتل.

أما القوى الكردية فهي بالأساس أكثر القوى منظمة عسكريا وتمتلك ميلشات البيشمركة المتدربة على فنون القتال منذ عشرات السنين وعندها ترسانة عسكرية متطورة تحميها من الهجوم المضاد ومستفيدة من الموقع الجغرافي الجبلي الذي يصد اشرس الهجمات. لكنها في اغلب الأحتمالات ستكون خارج النار بل ستناط اليها دور ساقي الماء الذي سيخمد هذه الحرب لكن وفق شروط محددة.

 

أذن نحن نشهد اليوم استعداد طائفي، متزمت، مستعد للحرب. وبالتالي في حالة اندلاع الحرب اللاوطنية فلن تتمكن قوى الاكثرية أن تسحق قوى الاقلية مثلما تم في الانتخابات، بل سنشهد حرب، متكافئة التسليح والقوى، نارها مسعورة وقوية، وقادرة أن تحول العراق الى رماد وستسال دماء قد تفيض على نهري دجلة والفرات.

لكن من المفيد ان اُذّكر بأن الخاسر الأول في هذه الحرب القذرة هو الوطن المهدم والشعب العراقي الاعزل وفي مقدمته القوى العلمانية والليبرالية التي هي اشبه بالدجاجة التي بالعرس مذبوحة والعزاء أيضأ مذبوحة. هذه القوى المسكينة التي لم تتعض من كل دروس الماضي الدموي بل لازالت تتعامل بحسن نيتها وأتخذت من النضال السلمي طريقا مثاليا للوصول الى هدفها. فهي اليوم لا تمتلك سلاحا ولا مصادر تمويل ولا دول مساندة ولا منافذ حدودية والاهم انها لا تمتلك مليشات وقوى مسلحة تستطيع حماية نفسها بل سيتم نحرهم، على الماشي،  وبدون مقاومة كبيرة مثلما نحرهم الصنم بهدوء. فإن أندلعت الحرب سيكون العلمانيين من المسلمين واليساريين والليبراليين والبرغماتيين هم كبش الفداء الأول في ظل هذا الاحتقان الطائفي البغيض. وبالتالي لن تتوفر الفرص للتراجع المنظم وتشكيل مليشات مسلحة.

ولذلك يتطلب منهم البصيرة الحذر واليقضة وان يلاعبوا خصومهم بنفس قوانين اللعب. فلا يجوز ان يمارس النضال السلمي في وسط النار. هذا رهان سياسي خاسر وينم عن قصور رؤية سياسية وسيسبب كوارث كبيرة لهذه الاحزاب إن لم تستعد لهذه المعركة.

ولهذا بات لزاما عليها أن تحمي نفسها وكوادرها ورفاقها من خلال اعادة تشكيل مليشات مسلحة، منظمة، وسرية تحمي وجودها السياسي. لان في مثل هذه الظروف يكون السلاح والقوى المسلحة والتمويل العسكري هم الذين يأمنون حماية ووجود هذا الحزب أو ذاك وليس البيانات والأستنكارات والأدانة.

 لكن هل هناك بوادر لهذه الحرب؟ المشكلة بالوضع العراقي الحالي بأن كل الاحتمالات مفتوحة وممكن تحقيق اقصى السلم المدني أو اقصى الحرب الأهلية. فالقوى العراقية تقف اليوم على راس مثلت قائم الزاوية. فأما أن تنزلق أنسيابياً وبهدوء وبشكل مائل ومأمون في طريق السلم الدستوري الذي سيلّم شمل العراقيين ويحفظ شعبهم ووطنهم من الدمار والهلاك وأما السقوط العمودي السريع في نار الحرب الأهلية الطويلة التي ستكون اشرس حرب عرفها تأريخ العراق السياسي المعاصر.

فالأحتمال الأول صعب التحقيق وفق المستجدات الأنية، إذ أن ملامح الوحدة الوطنية، الحقيقية، لازالت غير مرئية بالأفق، فالخلافات والاحقاد السياسية بين الفصائل العراقية لا زالت عالية. اي لا توجد قواسم مشتركة وطنية بين القوى السياسية.

 أما الاحتمال الثاني فهو الأقرب الى الواقع لاسباب ذكرت اعلاه وأضيف لها بأن التصعيد الأعلامي الطائفي عالي التوتر وكذلك الاضطهاد الطائفي بلغ حد التهجير والتشريد من المناطق التي تمتلك أغلبية طائفية. اي ان مسح طائفي وسياسة تطهير عرقي جارية على قدم وساق.

كما أن الترويع الطائفي في مراكز القرار خلقت حالة من اليأس والاحباط لدى المواطن العراقي مما جعله يلتجأ الى طائفته وعشيرتة وقوميته ليحتمي بها مما افضى الى تكتل طائفي شعبي واضح المعالم.

وهناك احزاب طائفية متطرفة مهمتها أشعال نار الفتنة بين الطوائف بحجة محاربة المحتل وبالتالي ستكون هذه القوى هي الشرارة التي ستبدء نار هذه الحرب غير المعلنة.

ولاننسى دور القوى الظلامية والتكفيرية والصنمية التي تمارس أجرام وإنتهاك سافر لم يشهد له مثيل، غرضة هو الاسراع لدفع الناس الى المواجهة الطائفية.

والأهم ما في الأمر هو، أن صناع القرار قد فشلوا في أيجاد قوى عراقية تنسجم مع أهدافهم المستقبلية لتسليمها مفاتيح العراق الرئاسية رغم كل الدعم المالي وسياسة أنشاء المؤسسات والمعاهد الديمقراطية ودعمهم للصحف والأعلام والمشاريع الثقافية والديمقراطية إلا أن الكفة لازالت متأرجحه لصالح القوى المتباعده مع مشروعهم بالتالي مطلوب منهم أضعاف هذه القوى وخاصة الطائفية منها ليتسنى لها إعادة الاصطفاف السياسي بالشكل الذي يضمن لهم ظهور قوى قوية موالية لهم. وهذا الاصطفاف الجديد لن يتحقق عبر الخيار الديمقراطي، الدستوري، بل بالعكس، فالديمقراطية ساهمت وضع عراقيل كبيرة امام مشروعهم في العراق. ولهذا جاء تصريحهم بان إخماد الحرب الأهلية ستكون من مهمات الجيش العراقي أي انها ستساهم في تأجيج حرب أهلية، محدودة الابعاد، لتكسيرالطوفان الطائفي بأيادي عراقية.

فمن غير المعقول ان تخسر أكثر من 400 مليار دولار في هذه الحرب وتسلم العراق لقوى متقاطعة مع مشروعها. لذلك مطلوب اعادة توزيع القوى في العراق بشكل ينسجم مع طموحاتها.

وبنفس الوقت لازالت دول الجوار ممول قوي للقوى العراقية الطائفية مما يتطلب جرها الى حلبة الصراع بشكل مباشر أو غير المباشر من خلال هذه الحرب التي إن استمرت ستنقل عدواها الى باقي المنطقة. 

كما أن تكاليف الحرب باتت باهضة ولم تتحمل عبئها إلا دول قليلة وبالتالي يتوجب أن يساهم معها شركاء من ذوي الاقتصاد الاوربي والعربي الاقوياء. فهذه السنوات الثلاث العجاف في العراق كلفت مئات المليارات بدون ان تلوح بالافق شفق مسقبل مضمون يؤمن مصالحها في المنطقة وعليه لا يمكن ان تبقي قواتها سنين طويلة معتمدة على تمويلها القومي فقط بل تحتاج الى دول تساهم معها في هذا المشروع.

كل الدلائل تشير الى أن القوي العراقية قد دخلت الملعب بشروط صاحب القرار وبمواصفاته التي فرضها على الجميع وبالتالي فأننا رغم كل الصلح السياسي الشكلي لكننا لن ننعم بسلام اجتماعي حقيقي بين ابناء الوطن الواحد في القريب العاجل بل سنشهد تقاطعات أجتماعية وسياسية يصعب تنبأها.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com