مسؤولية الولايات المتحدة عن المأزق العراقي الراهن

حامد الحمداني

h.alhamdany@comhem.se

ما كان يدور في مخيلة الشعب العراقي أن يشهد مثل هذا الوضع الكارثي الذي يعيش في ظله اليوم ، حيث يجري تفجير السيارات المفخخة والعبوات المزروعة على جوانب الطرق والشوارع والأحزمة الناسفة لتحصد كل يوم أرواح العشرات بل والمئات من أبناء الشعب ، وقوات الشرطة والحرس الوطني ، وتدمر الممتلكات العامة والخاصة على نطاق واسع .

لقد أصبح المواطن العراقي يعيش في ظل كابوس رهيب يتربص به الموت من كل الجهات على أيدي الإرهابيين القتلة المجرمين من عصابات الجلاد صدام حسين ، وعصابات صنيعة الولايات المتحدة المجرم الخطير ابن لادن ، الذين يقودهم المجرم المتوحش الزرقاوي ، ومن قبل فرق الموت المرتبطة بالأحزاب الدينية ، الذين تمرسوا على الجريمة والقتل بدم بارد ، متخذين من الإسلام شعاراً لهم .

لقد تحول العراق بفضل السياسة الأمريكية الحمقاء إلى ساحة للصراع بين الولايات المتحدة والقوى الإرهابية التي خلقتها هي نفسها فيما مضى ، يوم كان الاتحاد السوفيتي قائما، والصراع بين القوتين العظميين جارياً على قدم وساق ، على حساب أمن المواطنين العراقيين ، الذي أصبح اليوم الشغل الشاغل لهم ، ناهيك عن المعانات الشديدة والقاسية نتيجة التدهور الحاصل  في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والخدمية منذ أن تم إسقاط النظام الدكتاتوري الصدامي في التاسع من نيسان 2003 ، في حين كان الشعب العراقي المظلوم يراوده الأمل بعد التخلص من ذلك النظام القمعي الذي استعبد العباد واستباح البلاد إن يستعيد الشعب حريته المسلوبة وكرامته المهانة ، وتحقيق الحياة الكريمة ، فإذا به اليوم يعيش في وضع مأساوي لم يشهد له مثيلاً من قبل ، فلا كهرباء ، ولا ماء صالح للشرب ، ولا وقود ، ولا رعاية صحية ، ولا رعاية اجتماعية ، ولا اهتمام بالثقافة ، بل لقد غدت الثقافة في خبر كان كما يقال ، وتحولت الجامعات والمؤسسات الثقافية على حسينيات أو جوامع بفضل السياسة الأمريكية الرعناء التي صنعت لنا نظاماً طائفيا ، وشكلت على أساسه مجلس الحكم [البريمري] ، وفسحت المجال واسعاً للعناصر الطائفية ، مستغلة التخلف الواسع النطاق الذي خلفه لنا نظام الطاغية الجلاد صدام حسين من خلال حملته الإيمانية المزيفة ، ومن خلال إنعاش العلاقات العشائرية المتخلفة ، والتي كان الشهيد عبد الكريم قاسم قد وضع حداً لها بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958، ومن خلال ترك الحدود الدولية للعراق مفتوحة على مصراعيها للقوى الظلامية السنية والشيعية على حد سواء لتدخل العراق من دول الجوار إيران وسوريا والأردن والسعودية لتمارس أعمالها الإجرامية الوحشية البشعة .

 كما وضعت لنا دستوراً يكرس النظام الطائفي ، ويشجع على تفتيت العراق كوطن ، وعلى تمزيق البنية الاجتماعية على أساس ديني طائفي أو عرقي يتعارض بشكل صارخ مع مصالح الشعب والوطن .

وها هو الشعب العراقي اليوم بوضعه المتخلف قد وقع ضحية استقطاب طائفي لم نشهد له مثيلا من قبل ، الشيعة من جهة ، والسنة من جهة أخرى ، وبات الشيعي يقتل أخاه السني ، وبات السني يقتل أخاه الشيعي ، وجرى ويجري على نطاق واسع إجبار أبناء الطائفتين على الهجرة الجماعية كل إلى ساحته تحت وطأة التهديد بالقتل وحرق المساكن ، استعداداً لتوسيع الحرب الطائفية اللعينة لحرق البلاد والعباد على مذبح المصالح السياسية للأحزاب الإسلامية الشيعية منها والسنية ، وكل ذلك يجري باسم الدين الإسلامي الذي يجري استغلاله بصورة بشعة لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة ، وغير إنسانية.

 لقد بات الوضع الأمني يقض مضاجع جميع أبناء الشعب ، حيث تهدر الدماء البريئة كل يوم بالمئات ، وحيث تدمر الممتلكات الخاصة والعامة ، وحيث يعم الخراب والجوع والإذلال ، وحيث تنتشر البطالة والفقر بشكل واسع ، وحيث ينخر الفساد في كافة أجهزة الدولة من القمة حتى القاعدة ، وحيث السرقات للأموال العامة بمليارات الدولارات ، وحيث أصبحت الرشوة هي الوسيلة الوحيدة لتمشية معاملات المواطنين في كافة دوائر الدولة بشكل علني دون خوف أو وجل ، فلا سلطة للقانون ، ولا وازع من ضمير .

 وفي ظل استمرار هذا الوضع المأساوي الحرج ، وتصاعد الإرهاب كماً ونوعاً ، تستمر أزمة تشكيل الوزارة العراقية منذ انتخاب مجلس النواب قبل ثلاثة اشهر حتى اليوم ، دون أن يظهر أي ضوء في آخر النفق المظلم ، فقادة العراق الميامين ممن أفرزتهم حرب أمريكا لتحرير العراق !! ونشر الديمقراطية الموعودة !! ، منشغلون في الصراع على السلطة والكراسي ، ولكل منهم أجندته الخاصة ، والتي لا تمت بصلة مع أجندة العراق الوطنية ، والشعب المسكين يكتوي بنير الإرهاب الظلامي الطائفي المقيت .

هل هذا ما كان يحلم به الشعب من إسقاط النظام الصدامي المتوحش ؟

هل هذه هي الديمقراطية الأمريكية الموعودة ؟

هل هذه هي الحرية التي ناضلنا من أجلها كل سنوات عمرنا ؟

هل هذه هي الجنة الموعودة حيث ينعم الشعب العراقي بهذه المفخخات والعبوات والأحزمة الناسفة ليل نهار ، وحيث تجبر العوائل على مغادرة مساكنها تحت تهديد القتل وحرق الدار .

أيها السادة الأمريكيون :

 لم يعد الشعب العراقي  يريد برلمانكم !

 لم يعد يريد دستوركم الطائفي!

لم يريد حكومتكم !

لم يعد يريد أزلامكم القادمين وراء دباباتكم كي يحكموا العراق !

الشعب قد فقد الثقة بكم وبكل ما أنجزتموه منذ التاسع من نيسان 2003 وحتى اليوم .

الشعب يريد الأمن والسلام في ربوع العراق .

الشعب يريد استعادة عرى الأخوة والمحبة والاحترام بين أطياف الشعب بكل أديانهم وطوائفهم وقومياتهم .

الشعب يريد الديمقراطية و الحرية الحقيقية ، بعد كل تلك السنوات العجاف للطغيان البعثي الصدامي ، وهو يرفض رفضاً قاطعا استبدال هذا الطغيان الصدامي بطغيان طائفي اشد ظلاماً وأقسى .

الشعب يريد حكومة لا تنتمي إلى كل هذه القيادات التي وضعت مصلحة الشعب والوطن وراء ظهرها .

 الشعب يريد حكومة ديمقراطية مستقلة من عناصر تنكوقراط نظيفة  أيديها ، مستنيرة عقولها ، قوية شكيمتها ، تضع مصالح الشعب والوطن في بؤبؤ عيونها و تعيد بناء الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية بعيداً عن الأحزاب الطائفية وميلشياتها ، وتؤمن بالعراق ومصالح الشعب فقط ، وتتصدى للإرهاب والإرهابيين أينما كانوا ، وإلى أية جهة ينتمون ، وتعيد الأمن والسلام في ربوع العراق ، وتعيد بناء ما خربه النظام السابق ، وما خربته الحرب الأمريكية ، وما خربته العناصر الإرهابية ، وتعيد بناء البنية الاجتماعية المحطمة على أساس من العدالة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وتضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مقدمة شعاراتها وأهدافها .

الشعب يريد من حكومته أن تقول للمحتلين اخرجوا من ديارنا ، ودعونا نعيش بسلام ، نبني الوطن ، ونحقق الحياة الرغيدة لشعبنا الجائع الذي يعيش في هذا البلد الغني جداً ولا يجد من خيراته شيئاً .

الشعب يريد من حكومته أن تحقق له الاستقلال التام والناجز ، وإقامة العلاقات المتكافئة مع سائر بلدان العالم على أساس الاحترام المتبادل للسيادة  ، والمنافع المشتركة ، من دون استغلال أو أستعباد .

الشعب يريد دستوراً وطنياً ديمقراطيا يفصل الدين عن الدولة ، ولا يفرق بين أحد من المواطنين بسبب دينه أو طائفته أو قوميته ، يحترم حقوق الإنسان ويحقق المساواة أمام القانون لسائر المواطنين دون تمييز .

إن الشعب العراقي يُحمّل الولايات المتحدة مسؤولية كل ما جرى ويجري في العراق باعتبارها دولة محتلة للعراق بجيوشها الجرارة ، وأسلحتها الفتاكة ، وطائراتها المخيفة ، وهي تملك كل الوسائل والسبل لإخراج العراق وشعبه من هذه المحنة إن هي شاءت .

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com