|
الهذيان عن الحرب الأهلية له شجون حمزة الجواهري مر ثلاث سنوات على سقوط النظام الأقذر عبر تاريخ الإنسانية، مرت وكأنها دهر كامل لكثرة الأحداث وتلاحقها وتداخلها وتزامنها لكن ميزتها ظاهرتان، الأولى هي المسيرة الظافرة للشعب العراقي والتي سميت بالعملية السياسية لإقامة نظام ديمقراطي في العراق، أما الظاهرة الأخرى فهي الإرهاب. الصورة لم تتغير من حيث المضمون أبدا منذ يوم السقوط، فكما كان هناك عراقيون يعملون على الارتقاء ببلدهم إلى مصاف الدول العظمى، كان آخرون يعملون في السر والعلن من أجل تخريب كل شيء، فكما أن العملية السياسية قطعت أشواطا واسعة وحققت نجاحات باهرة في مسيرة بناء نظام ديمقراطي تعددي، كذلك تطورت أيضا أساليب الإرهاب وازدادت بشاعة وقذارة، كما وطال أمده لأسباب لم تعد سرا على أحد، لكن ما هو أكيد أن الإرهاب لم ينتصر قط في شل إرادة الشعب الذي يتطلع أبدا لغد آمن وواعد، وهنا مربط الفرس، حيث بدون الانتهاء من أمر الإرهاب سوف لن تقوم للعراق قائمة مهما حلمنا وعملنا، لذا فإن الهدف الرئيس في المرحلة القادمة يجب أن يكون الأمن والقضاء على هذه الآفة، ولكي لا يكون عصيا على حماة الأمن في العراق يجب شل جميع الأيادي التي تكبل الحكومة وتفل من عضدها في محاربة الإرهاب، واعتبار كل من يدعمه بشكل مباشر أو غير مباشر إرهابيا تحل عليه أللعنة كما حلت على العراق. الإفلاس بلغ مداه الأبعد بالنسبة للبعض حتى راحوا يوحون للعراقيين أن هناك حربا أهلية تجري على أساس طائفي، هذا صحيح، ولكنها حربا من جانب واحد، فقد كانت موجود ومازالت، فما الذي اختلف؟ حيث منذ اليوم الأول لتولي البعث السلطة في العراق ما فتئ يقتل العراقيين على أساس هويتهم الطائفية أو العرقية وتشريد عائلاتهم بحملات تطهير منظمة لم تتوقف حتى هذه الساعة، واستمر فلول النظام على سجيتهم آملين من خلال هذه الأعمال جر العراق إلى هذه الحرب الضروس، حيث بقيت سياراتهم المفخخة وعبواتهم الناسفة تتفجر بين الأبرياء، ولم تتبدل أساليبهم ولا خطابهم ولا نفاقهم ولا زيفهم ولا محاولاتهم المكشوفة لوقف العملية السياسية. فما الذي استجد؟! ما الذي استجد لنسمع من علاوي، على سبيل المثال وليس الحصر، قوله أن العراق فيه حربا أهلية غير معلنة! موحيا بذلك أن فترة حكمه كانت هادئة في حين أنها كانت الأكثر دموية وعصفا خلال الثلاث سنوات الأخيرة! متناسيا أيضا أنه يتحمل مسؤولية تلويث الأجهزة الأمنية الجديدة من خلال إعادة البعثيين وزجهم في صفوفها ليكونوا سببا يشل تحركاتها، وكأي بعثي محترف للنفاق، عاد يتحدث اليوم عن حرب أهلية في العراق وكأنه قد أكتشف شيئا جديدا!!! هذا الرجل بالذات لا يحق له الحديث عن تدهور أمني، فهو الذي تسبب بقتل الأبرياء من أجل تحقيق نزواته السياسية الخائبة، وهو الذي تسبب بهزيمة التيار العلماني بالكامل أمام قوى لا تعرف سوى الوضوء بمياه آسنة وذلك من خلال حمله مشروعا سياسيا يخيف العراقي، حتى ذلك العراقي الذي لم يولد بعد. بالأمس قتل العشرات من زوار العتبات المقدسة بعد أن سد البعثيين المندسين في القوات المسلحة أمامهم جميع طرق العودة إلى بغداد ليقودوهم نحو العامرية أحد معاقل البعث المعروفة، وهناك يلاقون حتفهم على أيدي البعثيين والتكفيريين ويتركون على الأرض سبعة ساعات متواصلة دون أن تتدخل الأجهزة الأمنية لنقل جثثهم وبقي المصابون ينزفون حتى الموت لعدم وجود المنقذ، هذه الجريمة من صنع الدكتور الخائب علاوي حيث هو من زج البعثيين في الأجهزة الأمنية الجديدة، وهو الذي حمل حقيبته إلى واشنطن يحثها على التدخل السريع لمنع تسريح البعثيين الذين دسهم في القوات المسلحة، وهو الذي يحاول اليوم مستميتا للوصول على الملف الأمني من جديد لكي يطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على الشعب العراقي الجريح ويريحه من ألم الجراح وتسلط الإرهاب البعثي. هذا السياسي الذي ما عرف من السياسة سوى ثقافة البعث، يجب أن لا يمس أي ملف يتعلق بالأمن، فإن من يرفع شعار إعادة تأهيل البعث وتشكيل الجيش والقوات المسلحة القديمة بوثائقه البرنامجية المعلنة يجب أن يقدم للمحاكمة وفق القانون لأنه من أكبر دعاة الإرهاب والداعمين له والمروجين لثقافته المقيتة، لا أن يرشح لتولي منصب أمني مرة أخرى. إن مجرد القول بعودة البعث للسلطة وإعادة تشكيل جيوشه من شأنه أن يجمد الدم بعروق أربعة أخماس الشعب العراقي الذين عرفوا معنى البعث وأجهزته القمعية، حيث إن دعوة كهذه تعتبر تهديدا صريحا بإغراق العراق في بحار من الدم، وهو ما جعل من هذه الجموع أن تتخندق وراء الطائفة أو العنصر خشية من برامج التأهيل تلك، حتى أن الكثير الشيوعيين، على سبيل المثال، منحوا أصواتهم لقوائم انتخابية لا تمثلهم بشيء إلا بعدائها للبعث وأجهزته القمعية. وهكذا فإن علاوي بهذه الشعارات أحد أهم صناع التمترس الطائفي والعرقي وبالتالي يعتبر عن جدارة أول من وضع الأسس المادية لحرب أهلية، حيث هذا الفن، فن صناعة الحروب الأهلية هو ثقافة بعثية صرف وهذا الرجل من أكبر دعاتها ومروجيها، وهو بذلك قد أثبت لنا أنه كان حقا المنافس الحقيقي لصدام لذا أراد الأخير تصفيته، لا لأنه ضد صدام، ولكن لأنه المنافس الأقوى في صناعة الشر والموت في العراق. من جانب آخر، وفي الوقت الذي نجد به الكثير من الجهود الخيرة منصبة على درء الفتنة الطائفية في العراق، نجد أيضا هناك رهط آخر في المعسكر الثاني يعمل على تغذية هذه الحرب اللعينة من خلال رفعهم شعارات عدوانية تخيف أبناء الضفة الأخرى، كالتمسك بشعارات زائفة تجاوزتها المرحلة ولم يعد الحديث عنها سوى نفاقا يراد به توسيع الهوة بين مكونات الشعب العراقي، ويؤدي بالتالي إلى مزيد من التمترس الطائفي والعرقي. حيث بالأمس نسمع من رئيس أكبر كتلة برلمانية دعوة إلى تشكيل مليشيات شعبية بحجة حماية التجمعات السكانية في الأحياء العراقية! في حين هو رئيس الكتلة التي سوف تشكل الحكومة الجديدة! وبذات الوقت له مليشيا تعتبر الأكبر في العراق، فهل يريد هذا الرجل جر الصراع نحو المناطق التي بقيت آمنة لحد الآن؟ لكن بذات الوقت يدعي هذا الرجل أن مرجعيته هي الحوزة العلمية في النجف! تلك الحوزة التي على رأسها السيد علي السيستاني والتي دأبت من قبل سقوط النظام وحتى الآن على درء الفتنة الطائفية! فما هذا التناقض؟ لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، فهو مازال يحمل مشروعه السياسي المثير لرعب الشعب بكامله والمتمثل بإقامة نظام ثيوقراطي موالي لإيران في الجزء الجنوبي من العراق! ويهتم بأمن إيران أكثر من اهتمامه بأمن العراق المتدهور بسبب التدخل الإيراني السافر! كيف يتوقف الإرهاب مادام السياسيون يثيرون رعب وهلع الناس الأبرياء بمشاريعهم السياسية الخائبة كتلك التي تطرقنا لها؟ لم نلوم هيئة علماء المسلمين حينما تعمل جهارا على إذكاء الحرب الأهلية وإيجاد السبل لقيامها!؟ فهم يعلنون عن أنفسهم بصراحة أنهم ضد سقوط نظام الطاغية صدام من خلال بياناتهم وتصريحاتهم وخطبهم، ويعلنون أنهم طائفيون بلا خجل من أحد، لكن ما مصلحة الآخرين من إيجاد أسباب الحرب الطائفية والدعوة العلنية لهذا الموضوع أمام ستة ملايين مسلم شيعي في كربلاء يوم أربعينية الحسين؟! إذا أراد العراقيون أن يتخلصوا من حالة الاحتقان الطائفي التي خلقتها المشاريع السياسية الخائبة، عليهم أن ينزعوا تلك المشاريع التي تثير الرعب في النفوس قبل نزع سلاح المليشيات التي انتشرت في العراق وتحمل كل أسباب الموت. هذا هو صلب الموضوع، فحكومة لا تزيل أسباب التمترس الطائفي والعرقي ولا تحارب الإرهاب بشدة وحزم لن تصل أبدا إلى تلك النهاية المنشودة، فقد أثبتت التجارب أن أجندة الإرهاب والمشاريع المستحيلة التحقيق واحدة، وهي إفشال العملية السياسية من خلال الوصول إلى حالة حرب أهلية، ولا يقبلون بشيء آخر، ولم يعد هناك شك أنها هدفهم الأخير. كما لا يمكن أيضا تغيير أجندة الإرهاب والمشاريع السياسية الخائبة مادامت دول الجوار تريد ذلك، فهي التي دخلت مع العالم بتحدي سافر معلنين أنهم سوف يفشلون العملية السياسية والنظام الجديد، وها هم اليوم يلقون بأوراقهم الأقوى على الطاولة لأن الحكومة الدائمة سوف تتشكل والدستور سوف يكون فاعلا ويترتب عليهم أن يشلوا الاثنين معا، الدستور والحكومة، لذا يجب أن تكون الحكومة الجديدة مشلولة وضعيفة أمام الإرهاب، والقانون والقضاء يجب أن يبقى مشلولا حتى يحقق الإرهاب هدفه النهائي بقيام حرب حقيقية. الكل يحمل أجندته، وعلينا، نحن الشعب الأعزل الذي يموت كما الذباب يوميا أن نحمل أيضا أجندتنا للقضاء على الإرهاب، وعلى أجهزة الدولة أن تنصاع لرغباتنا لا لرغبات السياسيين الذين قدموا أكثر من دليل على أنهم لا يعملون لصالحنا بل من أجل تحقيق مصالحهم ومصالح الدول المرتبطين بها في الجوار البعيد أو القريب. قد لا أكون مخطئ لو قلت أن أجندتنا تتلخص بثلاثة نقاط لا غير: 1. الأمن لا يمكن أن يعود وهناك مشاريع سياسية تخيف الآخرين وتكون سببا لتشكيل مليشيات ترفع السلاح. لذا يجب نزع المشاريع السياسية التي تخيف الآخرين قبل نزع سلاح المليشيات، فكيف لا يستمر الإرهاب ولكل جهة من الجهات السياسية دولة في الجوار تدعمها وتعمل لمصلحتها، وجميع دول الجوار كما نعرف تضمر الشر للعراق، بل أنها تريده مقسما تابعا لها؟ 2. إن قوتنا الحقيقية بسلطة القانون والقضاء المشلول حاليا، لذا يترتب علينا أن نحارب كل من يريد أن يضعف من قوة عناصر الدولة الديمقراطية المتمثلة بسلطة القانون، والقضاء المستقل عن الحكومة، وتفعيل الدستور والتفقه بأحكامه، والعمل على قيام حكومة قوية وفاعلة تحترم السلطات الأخرى في الدولة، وتعمل بجد ووضوح للقضاء على الإرهاب وفق برنامج واضح، كما ويجب العمل بقوة على فصل الدين عن الدولة. بالله عليكم كيف لا يستمر الإرهاب في العراق ثلاثة سنوات متواصلة دون توقف ويهدد الشعب بحرب طائفية إذا لم يتم معاقبة المسيء؟ فكيف يتوقف الإرهاب إذا كان من يضبط وهو يفخخ سيارة يعتبر إنسان وله حقوق وله من يدافع عنه أكثر من الضحية التي كانت ستسقط لو انفجرت تلك السيارة؟ هل كان يفخخ السيارة من أجل الاحتفال بالمحية؟ لقد قبض على عشرات الآلاف من المجرمين وهم يرتكبون جرائمهم، ولكن لم نسمع عن عقاب! بل ما نسمعه هو إطلاق سراح الآلاف منهم من حين لآخر! وهذا الحديث يصح على السلطات الثلاثة في الدولة، فهي جميعها مشلولة كسيحة بسبب التوافقات السياسية على حساب الشعب وهيبة الدولة. 3. إن محاربة الجهات السياسية التي تشل حركة الحكومة وتمنعها من محاربة الإرهاب بحجج مختلفة، أمرا لا يمكن التفريط به، لأن هذه الجهات تعمل لمصلحتها ولا تكترث لمن يموت من الشعب، بل تعمل وفق أجندة الإرهاب ويجب محاسبتها واعتبارها قوى إرهابية مهما كانت صفتها. وقبل أن ننهي الهذيان عن الأمن المفقود والحرب الأهلية، فالهذيان أيضا له شجون،علينا أن نفهم حقيقة ذلك الكائن الأسطوري الجديد والبعيد عن الهيأة الدستورية التي نعرفها، والذي سمي بمجلس الأمن الوطني، فهل سيكون هدفه شل حركة الحكومة بمحاربة الإرهاب؟ وهل سيكون وسيلة يراد بها اتفاق السياسيين على حساب مصالح الشعب؟ هل ستكون جلساته معلنة لكي يعرف الشعب من يحاول تقويض الأمن ويشل من سلطة القضاء والقانون؟ فهل سيكون وسيلة حقيقية لردع الإرهاب؟ وهل سوف نطلع على نظامه الداخلي؟ وهل سيكون بين أعضاءه ألائك الذين أساءوا للأمن العراقي خلال السنوات الثلاث الأخيرة؟وهل سيبقى للبرلمان دور بعد تشكيل هذا المجلس؟ وهل ستكون مهمة أعضاء البرلمان المنتخب هي مسح الكراسي لأعضاء هذا المجلس قبل عقد الجلسات؟ نحن نعرف أن الدولة الديمقراطية فيها سلطات ثلاثة منفصلة عن بعضها البعض، وهي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذه السلطات الثلاث مسؤولة عن محاربة الإرهاب، فأين مسؤولية هذا المجلس من هذه السلطات؟ وهل هذا يعني أنه وسيلة لربط هذه السلطات الثلاث بسلطة عليا لم تعرفها النظم الديمقراطية؟ وهل بعد تشكيل هذا المجلس سيبقى ثمة نظام ديمقراطية؟ أفتونا أيها السياسيون...... ألا قلل الله من أمثالكم وشأنكم، وخلصنا من رؤية أشكالكم.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |